Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فتك كورونا بالشباب مرده الوراثة و"الحمل الفيروسي"؟

إعداد قاعدة بيانات عالمية عن التراكيب الجينية للوفيات "كوفيد 19"

ينهض الشباب بمبادرات أساسية في مواجهة كورونا لكنهم ليسوا محصنين ضد يده القاسية (أ.ب.)ا

ضربت جائحة فيروس كورونا كبار السن على نحو أشد قسوة وفتكاً بالمقارنة مع الأصغر سناً، بيد أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى فهم كامل للأسباب التي تفضي إلى ذلك.

إذ لقي كثيرون من كبار السن حتفهم جراء كورونا لكنهم كانوا يكابدون حالات صحية أصلاً [بمعنى وجود اضطرابات أو أمراض على غرار أمراض القلب والرئة والسكري... وكلها تزيد في صعوبة مكافحة الجسم للفيروس. في المقابل، إن كثيراً من أولئك لم يكن لديهم مشكلات صحية من تلك الأنواع. وفي المقابل، تسبّب فيروس كورونا في سقوط وفيات في صفوف شباب يتمتعون بصحة جيدة، ولو ظاهرياً.

واستطراداً، يتسابق باحثون في شتى أنحاء العالم إلى الكشف عن الطريقة التي يتصرف بها الفيروس، وتبيان العوامل الصحية التي تعرض الناس للخطر أكثر من غيرها، إضافة إلى التعرّف على وجود سمات وراثية يُمكنها التسبّب فوارق في استجابة بعض الأشخاص للعدوى بشكل مختلف عن سواهم.

في الواقع، ثمة نظريات عدة تشير إلى أسباب كون الفيروس انتقائياً (في ضحاياه) على نحو غريب ومروع.

ومثلاً، اقترح بعض العلماء أنه كلما ازدادت كمية الفيروس التي تصيب المرء، ما يُشار إليه علمياً بـ"الحِمل الفيروسي"، استطاعت أن تصنع فارقاً كبيراً في مدى قدرة الجسم على الاستجابة للعدوى. وببساطة، كلما ارتفعت كمية الفيروس التي تصيب المرء، كانت العدوى أشد وطأة، وكانت النتائج لا تبشر بالخير.

وفقاً لرأي علمي موازٍ، يمكن أن تؤثر الاختلافات الجينية بين البشر، بمعنى التباينات في تركيبة الأحماض النووية لدى الأفراد، في مدى قابلية فرد ما للإصابة بالفيروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكمن سبب محتمل آخر لموت شباب أصحاء بكورونا، كما يبدو، في أنهم ربما يملكون نظاماً مناعياً شديد التفاعل، ما يعني أنه ينشط بشكل مفرط في محاربة الفيروس. وفي ظل ذلك سيناريو، يمكن لتلك العاصفة من النشاط المناعي، كما وُصفت، أن تُلحق ضرراً غير مقصود بأعضاء حيوية في الجسد، من بينها الرئتان.

ولا تتنافس تلك النظريات في ما بينها، ومن الوارد أن تكون جوانب معينة فيها، إضافة إلى عوامل اخرى لا حصر لها، مؤثرة في حالة فردية بعينها.

 

حِمل فيروسي

في ذلك السياق، شرح الدكتور إدوارد باركر من كلية "لندن للصحة والطب الاستوائي" كيف يستطيع حِمل فيروسي مرتفع أن يؤثر في البشر. وفي هذا الشأن، ذكر أنه "إثر إصابتنا بفيروس ما، يروح الأخير يتكاثر في خلايا الجسم. ويُشير العلماء إلى إجمالي كمية الفيروس الموجودة في جسم شخص ما بمصطلح "الحِمل الفيروسي". في ما يتعلق بـ"كوفيد- 19"، تشير تقارير صينية أولية إلى أن الحِمل الفيروسي أعلى لدى المرضى الذين يعانون مرضاً أكثر خطورة، وينطبق ذلك أيضاً على مرض الـ"السارس" (= "متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد") و"الأنفلونزا" الموسمية... وكذلك يشار إلى مقدار الفيروس الذي يطاولنا في بداية الإصابة بمصطلح "الجرعة المُعدية". بالنسبة إلى الأنفلونزا الموسمية، معروف أن التعرض الأولي لفيروسات إضافية، أو لجرعة معدية عالية، يفاقم على ما يبدو احتمال الإصابة بالداء والاعتلال. كذلك، أظهرت دراسات أجريت على مجموعة من الفئران أن التعرض المتكرر لجرعات معدية منخفضة يُحتمل أن يكون مُعدياً على نحو مساوٍ لما تفعله جرعة عالية واحدة من الفيروس".

وأضاف الدكتور باركر، "إذاً نُعلق أهمية كبرى بشكل عام، على تقليص عدد حالات التعرض المحتملة لـ"كوفيد- 19"، سواء من أفراد تظهر عليهم أعراض شديدة ينفثون كميات كبيرة من الفيروس، أو أفراد عديمي الأعراض ينفثون كميات صغيرة من الفيروس. وإذا كنا نشعر بتوعك، ينبغي أن نراعي تدابير العزل الذاتي الصارمة بغية الحدّ من إمكانية نقل العدوى إلى آخرين".

في الشأن نفسه، قال البروفيسور ويندي باركلي، رئيس قسم الأمراض المعدية في "إمبريـال كوليدج لندن"، إن المعلومات المتوفرة حاضراً عن الحِمل الفيروسي تشير إلى أن العاملين في الرعاية الصحية يمكن أن يكونوا أكثر عرضة، بالمقارنة مع غيرهم، للإصابة بالعدوى.

وأضاف، "عموماً، مع فيروسات الجهاز التنفسي، يمكن أحياناً تحديد النتيجة التي تصل إليها العدوى، سواء أكنت مُصاباً بمرض شديد أو بمجرد نزلة برد خفيفة، عِبْرَ كمية الفيروس التي دخلت جسمك فعلاً وأحدثت العدوى. يتعلق الأمر برمته بحجم الجيشين على ضفتي المعركة، يصعب على جيش أنظمة المناعة لدينا مواجهة جيش كبير من الفيروسات. لذا، على الأرجح يُترجم الوقوف بعيداً عن شخص ما عندما يتنفس أو يلفظ الفيروس، بوصول عدد أقل من جزيئات الفيروس إليك، فتصاب تالياً بجرعة معدية أصغر وتمرض بشكل طفيف. أما بالنسبة إلى الأطباء الذين يضطرون إلى الاقتراب من المرضى من أجل أخذ عينات منهم أو تركيب أنبوب جهاز التنفس الاصطناعي، فهؤلاء معرضون لخطر أكبر، لذا يتوجب ارتداء الأقنعة الطبية".

 

اختلافات جينية بين المصابين

يستعد عدد من العلماء حالياً لسبر أغوار جينومات مرضى "كوفيد- 19" بحثاً عن اختلافات في التراكيب الجينية يمكنها أن تشير إلى سبب تعرض بعض الأشخاص لخطر أكبر بالمقارنة مع الآخرين.

في مرحلة لاحقة، يمكن استخدام تلك النتائج بغية تحديد مجموعات الأشخاص التي تكون أكثر عرضة لمواجهة مضاعفات شديدة، وكذلك المجموعات التي ربما تتمتع بالحماية. ومن المستطاع الاسترشاد بتلك المعلومات في رحلة البحث عن علاجات فاعلة ضد فيروس كورونا.

في الوقت الحاضر، يُبذل جهد كبير في سبيل تجميع بحوث التراكيب الجينية من المرضى في أنحاء العالم. ويتمثّل الهدف النهائي في بناء مجموعة أدلة من أشخاص ليست لديهم مشكلات صحية أصلاً، لكن أجسامهم تفاعلت بشكل مختلف مع الإصابة بالفيروس.

ويتمثّل أحد المجالات الواعدة في البحث عن سبب كون بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، في اختلاف التراكيب الجينية في بروتين موجود على الأغشية الخارجية لبعض الخلايا البشرية (يسمّى "إيه سي إي 2")، ويستخدمه فيروس كورونا للدخول إلى خلايا الرئتين والمسالك التنفسيّة.

وبالتالي، تتحكم التفاوتات في إنتاج "إيه سي إي 2" في سهولة أو صعوبة دخول الفيروس وإصابته الخلايا. وقد تطرق إلى هذه النقطة أندريا غانا، عالم وراثة في "معهد الطب الجزيئي" في جامعة "هلسنكي" في فنلندا. وإذ تحدث في تصريح إلى مجلة "ساينس" عن وجود "اختلافات كبيرة في النتائج السريرية وعبر البلدان. ولكن، يبقى السؤال مستمراً عن مدى قدرة الاستعداد الوراثي على تفسير ذلك [التفاوت في تفاعل أجساد البشر مع الفيروس]".

ومن ناحية اخرى، ثمة احتمال أن يكون الاختلاف في فئات الدم قادراً على التسبّب في مستويات مختلفة من القابلية للإصابة بالمرض، ما يشكّل جانباً آخر مذهلاً في مسار البحوث المتعلقة بفيروس كورونا.

ومثلاً، أفاد فريق بحاثة صينيين في مقال غير مدقّق علمياً، بأن الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم "أو" ربما يكونون محميين من الفيروس، وأنه ليس مستبعداً أن يكون أصحاب الفصيلة "أي" في خطر أكبر من سواهم.

في حديث إلى مجلة "ساينس"، ذكر مانويل ريفاس، عالم في الوراثة البشرية في جامعة "ستانفورد"، "نحاول معرفة إذا كانت تلك النتائج مؤكدة".

وكخلاصة، ثمة توقّع أن تظهر النتائج الأولية للبحوث بشأن الاختلافات الجينية وقابلية التأثر بالفيروس في أقل من شهرين.

© The Independent

المزيد من صحة