في الوقت الذي تبحث سوق النفط عن أي بصيص أمل لينقذها من أكبر موجة خسائر منذ أكثر من عقدين، وبعد إعلان "أوبك+" التوصل إلى اتفاق بخفض تاريخي بإنتاج النفط، تواصل مجموعة العشرين تحركاتها لدعم السوق التي تشير الأوضاع الحالية إلى أنها بحاجة إلى مزيد من المحفزات حتى تنهض من كبوتها.
وفي وقت متأخر من أمس الجمعة، قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر عُقد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة لوزراء طاقة دول مجموعة العشرين، إنه من الضروري ضمان إمدادات طاقة ميسورة التكلفة لتسهيل تعافي الاقتصاد العالمي.
وأضاف "في هذه الأزمة العالمية، تعد إمدادات الطاقة الموثوقة والميسورة التكلفة، والتي يسهل الوصول إليها، ضرورية لتمكين الخدمات الأساسية، بما فيها خدمات الرعاية الصحية، لضمان قدرتنا على دفع جهود التعافي الاقتصادي". وقالت مصادر مطلعة، إن وزراء طاقة مجموعة العشرين، بدؤوا بالفعل محادثات لمناقشة كيف يمكنهم مساعدة "أوبك" وحلفائها لتحقيق الاستقرار لأسعار النفط.
وتعهد وزراء الطاقة في مجموعة العشرين بالعمل معاً لضمان استقرار السوق، وذلك في بيان مشترك صدر اليوم السبت، وقالوا "نلتزم اتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفورية لضمان استقرار سوق الطاقة".
كورونا يسبب تهاوي الإنتاج بنسب مدمرة
أما وزير الطاقة الأميركي دان برويليت، فقد تحدث عن وضع قاسٍ في أسواق الطاقة العالمية، وقال لوزراء مجموعة العشرين، إن جائحة فيروس كورونا والفائض الضخم من معروض النفط خلقا مزيجاً قاتلاً. وأضاف "حان الوقت أن تبحث جميع الدول بجد عن كل ما يمكن لكل منها بذله لعلاج اختلال العرض والطلب، وندعو جميع الدول لتسخير شتى الأدوات التي تحت تصرفها للمساعدة في تقليص الفائض".
وأوضح أن صناعة النفط في بلاده "تتأثر على نحو خطير جراء التراجعات المدمرة بشكل لا يُصدق في أسواق النفط"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تتوقع خفضاً في الإنتاج يقارب المليوني برميل يومياً بنهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بعض التصورات تذهب إلى انخفاض يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً.
وكانت إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، توقعت في تقرير الخميس الماضي، أن يتراجع إنتاج الخام الأميركي 470 ألف برميل يومياً، وأكدت أن الطلب يتجه للنزول نحو 1.3 مليون برميل يومياً في 2020 في ظل تضرر الأسواق من جائحة فيروس كورونا العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "سنبحث عن مزيد من الفرص لتخفيف الضرر الواقع على منتجينا، لكن من مصلحتنا جميعاً أن يعود القطاع إلى وضع القوة بما يكفل أن تقود الطاقة النمو الاقتصادي من جديد وتعزِّز أمننا القومي".
وقال الوزير الأميركي، إن إنتاج الولايات المتحدة قد يهبط ما بين 2 إلى 3 ملايين برميل يومياً بنهاية 2020، ورغم أنه ليس خفضاً رسمياً، فإنه أكبر وعلى مدى فترة زمنية أقصر مما أشار إليه المسؤولون الأميركيون في السابق. فيما قال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إن تحركاً يشمل الآخرين "لا مناص منه"، رغم إقراره بأن القانون الأميركي يمنع المنتجين في الولايات المتحدة من الانضمام لتكتل يستهدف توجيه الأسعار.
ماذا طلبت "أوبك+" من المنتجين خارج المنظمة؟
في الوقت نفسه، أشارت تقارير صحافية، إلى أن أكبر الدول المنتجة للنفط، ضغطت بقوة من أجل وضع اللمسات النهائية على اتفاق لتخفيضات نفطية كاسحة في محادثات مجموعة العشرين، بهدف رفع الأسعار المنهارة جراء أزمة فيروس كورونا مع تحمل روسيا والسعودية نصيب الأسد في حين أبدت الولايات المتحدة استعداداً للمساعدة.
وتوصلت الرياض وموسكو وحلفاؤهما، الذين يشكلون معاً مجموعة "أوبك+" غير الرسمية، اتفاقاً لكبح إنتاج الخام بما يعادل 10 في المئة من الإمدادات العالمية في محادثات مطولة جرت يوم الخميس، وقالوا إنهم يريدون أن يخفض الآخرون نحو 5 في المئة أخرى من إنتاجهم. لكن جهود إبرام الاتفاق واجهت عقبة عندما أصرت المكسيك على أنها لن تخفض إنتاجها إلا ربع القدر الذي طالبتها به "أوبك+"، وإن كان الرئيس المكسيكي قال إن واشنطن عرضت القيام بتخفيضات إضافية من جانبها.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه إذا لم يتم مواجهة أزمة تخمة المعروض في السوق، فإن بلاده مستعدة لمساعدة المكسيك عن طريق تعويض "بعض النقص"، مضيفاً أن واشنطن تتوقع تعويضاً.
وكانت أسواق النفط مغلقة أمس الجمعة، في الوقت الذي عقد وزراء طاقة مجموعة العشرين مؤتمراً رتبته السعودية، لكن الأسعار لم تصعد بعد محادثات تخفيضات الخميس، التي ستكون الأكبر في التاريخ، إذ إن تقليص الإمدادات العالمية 15 في المئة لن يُصرِّف التخمة النفطية كثيراً في وقت يشهد انهيار الطلب 30 في المئة.
وتسببت إجراءات كبح انتشار فيروس كورونا في نضوب الطلب على الوقود للطائرات والسيارات، مما يضغط على موازنات الدول المنتجة للنفط ويعصف بصناعة النفط الصخري الأميركية الأكثر تأثراً بانخفاض الأسعار بسبب تكاليفها الأعلى.
الاجتماع يبحث آليات تحقيق استقرار الأسعار
فيما دعا وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، دول مجموعة العشرين إلى الانضمام لجهود كبار منتجي النفط، في إطار تحالف "أوبك+"، من أجل استقرار أسواق الطاقة. واقترح أيضاً تشكيل لجنة لتنسيق الجهود الرامية لجلب الاستقرار إلى السوق.
وقال خلال مؤتمر وزراء طاقة مجموعة العشرين المنعقد عبر الإنترنت، إن "مجموعة من إجراءات خفض الإنتاج، الرامية إلى استقرار السوق، جرى الاتفاق عليها تحت صيغة (أوبك+)، ومن المنتظر أن يكون لمجموعة العشرين دور يتمثل في الدعم الشامل لهذه الجهود".
وأشار وزير الموارد الطبيعية الكندي سيموس أوريجان، إلى أن وزراء طاقة المجموعة اتفقوا على الحاجة إلى استقرار سعر النفط وسوق تعمل على نحو جيد، لكنهم لم ينتهوا بعد من تفاصيل سُبل تحقيق ذلك. وقال في تصريحات للصحافيين، إن الاجتماع الذي عقدته المجموعة "كان يتعلق بإيجاد آليات لتحقيق استقرار الأسعار".
وأضاف أن جميع الدول اتفقت على حاجة اقتصاداتها إلى "سوق نفط تعمل على نحو جيد ومستقرة"، وقرروا تشكيل لجنة لتنسيق استجابة مجموعة العشرين في المستقبل. وتابع "لم نبلغ وجهتنا بعد، ولم تجر مناقشة أرقام تقليص إنتاج النفط".
وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إن جهود تخفيف تخمة المعروض النفطي العالمي ينبغي أن تكون "منسقة"، لكنه لم يذكر إن كانت بلاده ستحد من إنتاجها. وأضاف متحدثاً عن جهود تحقيق الاستقرار بأسعار النفط "ندرك أنه تحد عالمي للعديد من الدول المختلفة، وانتهاج نهج منسق أمر مهم للغاية".
في سياق متصل، قالت وزارة النفط الهندية، إن وزراء طاقة دول مجموعة العشرين سيقترحون في بيانهم المشترك تشكيل قوة مهام لإسداء المشورة للوزراء فيما يتعلق بالخطوات التالية لتحقيق الاستقرار بأسواق النفط في خضم جائحة كورونا.
وأبلغ وزير النفط في الهند، دارميندرا برادان، الاجتماع أنه رغم تهاوي الطلب الهندي على الوقود بسبب الإغلاق الشامل المفروض لاحتواء تفشي الفيروس، فإن بلاده ستظل مركزاً للطلب العالمي على الطاقة. وحثت الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، المنتجين على استهداف أسعار "في المتناول" من أجل تعافٍ للطلب يقوده الاستهلاك.
النرويج واليابان تدعمان اتفاق "أوبك+"
وخلال الاجتماع، ألمحت النرويج، وهي أكبر منتج للنفط في غربي أوروبا، إلى أنها يمكن أن تخفض إنتاجها إذا جرى تنفيذ اتفاق تفاوضت عليه دول ما يعرف باسم "أوبك+" كما هو مخطط.
وتشير البيانات، إلى أن إنتاج النرويج، وهي ليست عضواً في "أوبك"، بلغ من الخام 1.75 مليون برميل يومياً في فبراير (شباط) الماضي، بارتفاع 26 في المئة من مستواه قبل عام. وبلغ إنتاج سوائل النفط، التي تشمل مكثفات وسوائل الغاز الطبيعي 2.1 مليون برميل يومياً.
وقالت وزيرة البترول والطاقة النرويجية تينا برو، إن بلادها ستدرس خفض الإنتاج إذا تم التوافق على اتفاق عالمي لكبح الإمدادات من جانب منتجين كبار، لكنها ذكرت أن أي خفض سيكون من جانب واحد ولا يشكل جزءاً من الاتفاق الرسمي. وأضافت "بافتراض أن الاتفاق بين دول (أوبك+) جرى تنفيذه، سيكون هناك أساس للنرويج لكي تدرس خفضاً من جانب واحد، وفي هذا السياق فإن الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين أيضاً مهم".
وقال وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة الياباني، هيروشي كاجياما، إن بلاده تأمل في أن تتناول قمة وزراء طاقة مجموعة العشرين أهمية استقرار أسعار وإمدادات النفط بعد أن اتفقت "أوبك" وحلفاؤها على تنفيذ تخفيضات إنتاج قياسية. وتابع "نأمل في أن يتناول الوزراء أهمية استقرار أسواق النفط وإمداداته في الاجتماع، إذ إن تلك أكثر المسائل أهمية بالنسبة إلى اليابان". وتشير البيانات إلى أن اليابان تعد رابع أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.
وكان كاجياما أكد أنه سيحضر اجتماع وزراء طاقة أكبر 20 اقتصاد في العالم، والذي سيُعقد عبر الإنترنت بحلول الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش. وأضاف "نتابع عن كثب كيف سيؤثر أحدث اتفاق لـ"أوبك+" على أسواق النفط العالمية وصناعة النفط باهتمام قوي، فاستقرار سوق النفط مهم للغاية ليس للمنتجين فقط ولكن أيضاً للمستهلكين".