بثّ التلفزيون الحكومي في الجزائر تقريراً عن المسيرات الاحتجاجية الأخيرة مساء الإثنين، ونقل هتاف المتظاهرين بشعارات "تغيير النظام" و"لا للعهدة الخامسة"، في ما بدا كأنه خطةً من أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لامتصاص غضب الشارع، في حين عرضت قناة فرنسية تقريراً مصوراً من الطبقة الثامنة للمستشفى الجامعي في مدينة جنيف السويسرية حيث يخضع بوتفليقة لـ"فحوص روتينية" وفق التعبير الرسمي، وهذا ما أعاد خلط أوراق الموالين.
الموالاة تستعين بشعار "تغيير النظام"
واحتلت وجوه محسوبة على أحزاب الموالاة القنوات الجزائرية في اليومين الأخيرين، تنفيذاً لخطة دعائية محتملة لرسالة بوتفليقة (82 سنة) عشية ترشحه لولاية خامسة لامتصاص غضب المسيرات الشعبية المناهضة لترشحه. وذكر مصدر قريب من إدارة حملة بوتفليقة الانتخابية، رفض كشف هويته، أن أشخاصاً من الدائرة المقربة من الرئيس اتفقوا على خطوات تعقب إعلان الترشح وتلاوة تعهدات بوتفليقة الستة. وظهرت أربعة بيانات "تثمّن" شعار "تغيير النظام" في رسالة الرئيس.
التحالف الرئاسي
ويضمّ التحالف الرئاسي حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، و"التجمع الوطني الديموقراطي" (حزب رئيس الحكومة أحمد أويحيى)، و"تجمّع أمل الجزائر" (نسخة "وطنية" لتيار الإخوان في الجزائر)، و"الحركة الشعبية الجزائرية" (حزب علماني ذو تأثير في منطقة القبائل).
وبدا أن أحزاب الموالاة الأربعة، وأعضاء إدارة حملة الرئيس - المرشح، رفعت التحفظ عن شعار "تغيير النظام"، الذي أطلقته المسيرات السلمية التي يشهدها الشارع الجزائري منذ أسبوعين، على حساب هتافات "لا للعهدة الخامسة". وتالياً حاول الموالون نقل النقاش إلى رسالة بوتفليقة وليس فكرة رحيله قبل الانتخابات الرئاسية.
الجيش سيضمن الأمن
من جهة أخرى، وبعد وصفه المتظاهرين السلميين بـ"المغرر بهم" في أول رسالة أصدرها قبل سحبها والتبرؤ من مضمونها، عاد رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، ليخاطب الجزائريين الثلاثاء، من مقر الأكاديمية الحربية في منطقة شرشال (120 كيلومتراً شرق العاصمة).
قال قايد صالح، الذي يشغل منصب نائب وزير الدفاع (رئيس الجمهورية هو وزير الدفاع)، إن "الشعب الجزائري الذي انتصر على الارهاب لن يفرط في نعمة الأمن". وأضاف أن "الجيش سيضمن الأمن ولن يسمح بعودة البلاد إلى سنوات الألم والجمر... وسيظل ممسكاً بزمام إرساء مكسب الأمن الغالي".
يتولى قايد صالح قيادة أركان الجيش منذ عام 2004، خلفاً للفريق الراحل محمد لعماري، وبفضله تحوّل "تحالف مؤسسة الرئاسة – الاستخبارات" إلى "تحالف الرئاسة – قيادة الأركان"، منذ صيف 2013، حين كُلِّف صالح منصب نائب وزير للدفاع، ليبدأ خطة حل جهاز الاستخبارات الذي كان يترأسه "الرجل القوي" في نظام بوتفليقة، محمد مدين الشهير بـ"توفيق".
في غضون ذلك، وجه مدني مزراق، زعيم "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المحلول، الذراع العسكرية لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، نداءً دعا فيه إلى "حوار عميق وشامل ينتهي بدستور جديد مع تجنب الجنوح إلى العنف".
المسيرات تعود من بوابة الجامعات
في مقلب موازٍ، عادت مسيرات الطلاب، الثلاثاء، لتملأ شوارع العاصمة، وعشرات الجامعات والمعاهد في المحافظات، في حين يُتوقع تضاعفها يوم الجمعة المقبل تحت شعار "جمعة الكرامة".
وتعيش العاصمة الجزائرية تحت حصار أمني واضح لا سيما عند مداخلها الشرقية. وترتكز الخطة الأمنية على عنصرَين، الأول: تتولى قوات مدربة من الدرك (جهاز تابع لوزارة الدفاع) أطراف العاصمة، والثاني: تتكفل قوات مكافحة الشغب مسؤولية الانتشار وسط المدينة.
وفرضت لجنة أمنية عليا إجراءات أمنية استثنائية في الضاحية الغربية للعاصمة، حيث بالإمكان مشاهدة مدرعات الدرك عند بوابات شقق كبار مسؤولي الدولة والوزراء الحاليين والسابقين.
"جمعة الكرامة" فرصة أخيرة قبل "العصيان"
في وقت لا يزال مدى استعداد الشارع لمسيرات الجمعة المقبل غامضاً، أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعية تسمية "جمعة الكرامة" على مسيرة 8 مارس (آذار) الحالي، في حين صدرت أنباء عن استقالات فردية لمنتخَبين في مجالس محلية.
وكانت استقالة وزير الفلاحة السابق، سيد أحمد فروخي، من البرلمان و"جبهة التحرير الوطني"، الأقوى وقعاً في الساعات الماضية، لأن فروخي تصدر قائمة العاصمة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكان مرشحاً بقوة لرئاسة البرلمان، قبل تسليم المنصب، على أساس عُرْف التوازنات الجهوية، للسعيد بوحجة (محسوب على شرق البلاد) الذي خُلع قبل أشهر.
وتوالت الأنباء عن تعليق منظمات جهوية للمحامين نشاطها في الجلسات العامة بدءاً من 4 و6 مارس (آذار) الحالي.
وأعلن محامو العاصمة تنظيم مسيرة الخميس المقبل "بالجبة السوداء في اتجاه المجلس الدستوري وتنفيذ وقفة احتجاجية أمامه لتسليم رسالةً إليه تتضمن نص بيان رفض العهدة الخامسة وخرق الدستور".
ونظراً إلى أن الحراك الشعبي يفتقد قيادة محددة، فإن مصير الدعوة إلى "العصيان المدني" غير معروف بعد. ويقترح ناشطون تاريخ 10 مارس لبدئه وفق خطة من أربعة محاور هي "مقاطعة سداد الفواتير الحكومية، ومقاطعة الإجراءات الأمنية القضائية، ومقاطعة ساعات العمل، ومقاطعة الدراسة في كل المستويات".
المعارضة تقترح الشغور
سياسياً، دعا رؤساء أحزاب وشخصيات معارضة إلى تطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد حالات إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية، كما طالبوا بتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل (نيسان) المقبل.
وتنصّ المادة 102 من الدستور المعدّل في العام 2016 "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".
وتعول المعارضة على الوقت المتبقي لولاية بوتفليقة الحالية، بمعنى أن تطبيق المادة 102 في هذه الفترة يعني تأجيلاً تلقائياً لموعد الانتخابات الرئاسية، على أن يتولى رئيس مجلس الأمة قيادة البلاد مدة 45 يوماً، تُنظَم خلالها انتخابات رئاسية.
وعمّقت صور بثتها قناة "تي أم سي" الفرنسية مساء الإثنين من اتهام الموالاة بإخفاء الوضع الصحي الحقيقي لبوتفليقة الموجود في جنيف منذ الرابع والعشرين من الشهر الماضي لإجراء "فحوص دورية". وعرض برنامج تلفزيوني صوراً لناصر بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، في الطبقة الثامنة للمستشفى الجامعي في جنيف، وعلّق الفريق الصحافي بأن الصور التُقطت يوم الجمعة الماضي.
تزامن ذلك مع تعليق ثانٍ أصدرته الخارجية الفرنسية بشأن الأوضاع في الجزائر، إذ قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الفرنسية، جان بابتيست لويموين الثلاثاء، إن "للكلمات وزناً كبيراً حينما يتعلق الأمر بالعلاقات بين فرنسا والجزائر". وأضاف في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية "نحن منتبهون جداً لما يجري منذ أسبوعين… الجزائر بلد صديق، شريك مهم، لدينا علاقات قوية معه، والأمر متروك للشعب الجزائري صاحب السيادة للتعبير عن نفسه، واختيار قادته، وتحديد مستقبله".