Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عناصر ومفردات جديدة تقتحم أعمال الفنانين العرب في زمن كورونا

تخييل استشرافي... وملامح عالم مختلف تتشكل امام عيوننا

لوحة قبل كورونا للفنان السوري قتيبة معمو (اندبندنت عربية)

يقول الفنان السوري قتيبة معمو إنه كان يتوقع حدوث هذا الوباء ويحذّر الإنسانية منه في أعماله... يقول معمو ذلك على سبيل المزاح وهو يعلّق على أحد أعماله التي رسمها عام 2017. اللوحة الكبيرة الحجم المرسومة بألوان الأكريليك، تُظهر شخصاً وهو يمسك بعبوة معقّم ويوجّهها إلى كائن يتربّص به. قد يتعامل الفنان هنا ظاهراً مع تلك المفارقة كدعابة، لكنه ربما يدرك في قرارة نفسه أن الأمر ليس مزحة، فالإبداع أحياناً ما يحمل جانباً استشرافياً يستقرىء من طريقه المبدع ما وراء الأحداث والوقائع، ما  ينعكس على رؤيته للمستقبل أو استحضاره لأحداث التاريخ ومعالجاته للواقع. ليس للأمر علاقة بالتنجيم أو قراءة الطالع مثلاً، إنها فقط ملكة الإبداع التي يتمتّع بها البعض. ألم يرسم فيلم "كونتايغن" الأميركي مثلاً الذي أُنتج عام 2011 صورة قريبة جداً حدّ التطابق لما نعايشه اليوم؟ يعود معمو ليرسم لوحات أخرى بعد انتشار فيروس كورونا في أنحاء العالم. لوحات مليئة بالكائنات المخيفة، كائنات تتسلّح بأدوات معدنية تحصد بها الأرواح، بينما يتداعى المشهد في الخلفية، لينقلب إلى فوضى من اللون والخطوط.

هذه الحالة الاستشرافية ذاتها تتجسّد أيضاً في أعمال الفنان اللبناني محمد عبدالله الذي عبّر عن الكارثة في بعض أعماله التي جسّدت أشخاصاً يرتدون الأقنعة الواقية من الأسلحة البيولوجية. يتكرر الأمر أيضاً في أعمال الفنان الجزائري حمزة بنواه في لوحته التي رسم فيها أربعة أشخاص تظهر عليهم ملامح التعب والإرهاق على خلفية سوداء، وخلافاً لأعمال بنواه ذات الطبيعة المبهجة، تخيّم على المشهد أجواء من الحزن والخوف. اللوحة تستلهم كما يقول بنواه الطقوس المصاحبة لزيارات الأضرحة والمراقد في العراق والجزائر وأنحاء أخرى من الوطن العربي، هذه الأماكن التي أصبحت- كما يقول الفنان- مراكز لنقل الوباء وسبباً في انتشاره. الفنان المصري محمد صبري بسطاوي يستلهم بدوره في مجموعة من اللوحات، فكرة الموت أو الصعود إلى أعلى. في واحدة من تلك اللوحات التي رسمها عام 2011، يظهر أحدهم وهو يحمل جثة وقد تحولت إلى ما يشبه الهيكل العظمي، بينما تغرق الخلفية في درجات من اللون الأحمر. فكرة الموت والفاجعة ذاتها تتكرّر وتعاود الظهور من جديد في عددٍ كبيرٍ من أعمال الفنانين حول العالم، ويمتلىء تاريخ الفن باللوحات التي ترسم ملامح المأساة أو الفاجعة على اختلاف أشكالها ومسبباتها.

في زمن الوباء

وها نحن اليوم نعايش أجواء الفاجعة ونراها رؤية العين في زمن كورونا. العالم يسيطر عليه الهلع، وتتصدر أعداد الضحايا نشرات الأخبار وتحتل العناوين الرئيسة في الصحف والمواقع كافة. ولا بد لأجواء كهذه من أن يكون لها صدى مباشر لدى الفنانين، فحدث كهذا من شأنه أن يهزّ ركائز كثيرة ويغير من مسلّماتنا وطريقة حياتنا المستقبلية. ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها البشر عدواً مشتركاً، ويشعرون بوحدة مصيرهم جميعاً. ومع ما تحمله هذه الأحداث المتلاحقة حولنا من ألم وخوف، إلّا أنّ هذه المشاعر الإنسانية المشتركة تبدو ملهِمة ومبشّرة بعالم جديد ومختلف.

فهل يستطيع الفنان التعبير عن الكارثة بينما تتصاعد أحداثها من حوله؟ يرى البعض أن مثل هذه الأحداث والوقائع الطاغية قد تكون عصيّة في بدايتها على المعالجة الفنية، ولكن بعد أن تنقشع الغمامة، ربما يمكننا حينها أن نتأمل كامل الصورة وندرك ملامحها. غير أنّ الفنان العراقي سنان حسين يرى أن المعاصرة في جانب منها تسعى إلى التعبير عن الأحداث والهمّ الآني، لذا فقد شرع منذ بداية اجتياح وباء كورونا لمدن العالم في التعبير عن هذا الألم الإنساني. استلهم سنان حسين هذه المأساة المشتركة للعالم، مضمناً لوحاته مفردات عدّة مرتبطة بهذا الوباء وعناصره الدالة التي صارت خلال أشهر قليلة فقط أحد مظاهر الحياة على هذا الكوكب، ككمّامات الوجه والأقنعة، بينما يحضُر "الخفّاش" في إحدى هذه الأعمال المرسومة بالأبيض والأسود كمتّهم مُفترض يحوم فوق الرؤوس. تتّسق هذه المعالجات مع طبيعة أعمال الفنان العراقي التي تزخر بصور خيالية أو غرائبية أحياناً، مستحضراً فيها أجواء ديستوبية قاسية.

 

الفنان السوري عصام المأمون يعكف أيضاً منذ بداية ظهور الوباء على التعبير عن هذه الأجواء المأساوية.  عن حالة العزل الاجتماعي التي فرضها الوباء على المجتمعات كافة، رسم المأمون لوحة كبيرة يتمايز خلالها جانبان، في أحدهما ثمة شخص وحيد في حالة انتظار، بينما تشتبك مجموعة من الأجساد معاً في الجانب الآخر. يبدو الأمر كأنّه حلم للرجل في الجانب الأول أو ذكريات يتمنى أن تعود... العالم يتغير، وربما سيصبح التباعد الاجتماعي أحد مظاهر الحياة فيه، سيكون أمراً قاسياً بلا شك على كائن إجتماعي لا يحبّ العزلة. عدد آخر من أعمال عصام المأمون يمزج خلالها بين عدد من العناصر والرموز المرتبطة بالتصورات الحاضرة الآن في الأذهان عن الوباء. الخوف والفراق والألم تتمثل جميعاً في تلك الأعمال التي رسمها خلال الشهرين الماضيين، مستلهماً ذلك الهلع العالمي الذي ينتاب الجميع تجاه الوباء التاجي المُستجد، في حين تحضر صورة الوباء المجهرية المتداولة في خلفية المشهد.

الفنان الليبي عادل الفورتية اختار التركيز على الوجه في مجموعة من الأعمال المرسومة على الورق بخامات الباستيل الزيتي والأحبار. العيون في أعمال الفورتيه زائغة، بينما تغطي الكمامة الطبية معظم الملامح. هلع وخوف يرتسمان على هيئة الأشخاص وينعكسان على معالجات الفنان للعينين، في حين تفرض العلامات والخطوط السريعة أثراً متوتراً في مجمل التكوين. هذه العناصر الجديدة وغيرها من المفردات الأخرى المرتبطة بالوباء التي اقتحمت أعمال الفنانين العرب، كالكمامات والأقنعة وعبوات التعقيم، ربما ستمثّل جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية ومفردات رداءاتنا المستقبلية، في عالم جديد تتشكّل ملامحه سريعاً أمام أعيننا.

 

المزيد من ثقافة