Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عمر الشريف في ذكرى ميلاده... دراما الوسامة

وسامته مهدت له الطريق إلى الشاشة العالمية... و"لورنس العرب" و"الدكتور زيفاغو" أهم انجازاته

الممثل المصري عمر الشريف في لقطة من فيلم "الدكتور زيفاغو" (غيتي)

عمر الشريف هو أول ممثل سينمائي - مصري أو عربي - يطير إلى أعلى سماوات الشهرة الدولية، بعدما شق طريقه إلى هوليوود وحصل على دور البطولة المساند في فيلم "لورنس العرب" وعلى البطولة نفسها في "الدكتور زيفاغو". والفيلمان كلاهما من إخراج البريطاني ديفيد لين وصارا من الكلاسيكيات في تاريخ السينما.

ميشيل شلهوب

اسمه الحقيقي ميشيل ديمتري شلهوب. وُلد في الإسكندرية في 10 أبريل (نيسان) 1932 لأبيه تاجر الأخشاب والقوارب جوزيف شلهوب وأمه كلير سعادة، وكانا من الروم الأرثوذوكس ونازحيْن من مدينة زحلة اللبنانية مطالع القرن العشرين.

تلقى الشريف تعليمه في مسقط رأسه وتخرج في كلية فكتوريا بالمدينة نفسها، ثم جامعة القاهرة التي درس فيها الفيزياء والرياضيات. ولاحقاً عمل مع أبيه في الأخشاب، لكن تجارتهما كسدت بعد استثمار بمبلغ كبير في محاولة لإحياء التعامل في ورق البردي، تبعاً لمصادر هنا وهناك.

من المحيط إلى الخليج

في عام 1953 بدأ عمر الشريف مهنته في التمثيل بفيلم "صراع في الوادي" أمام فاتن حمامة. ولا شك في أن وسامته - بخاصة عينيه "الدراميتين" – مهدت له الطريق إلى الشاشة. وكان اختيار مخرج الفيلم، يوسف شاهين، للشريف في دور البطولة مفاجأة للعديدين ولمنتجي الفيلم الذين أدهشهم إسناد أهم الأدوار لممثل غير معروف. لكن شاهين أصر عليه متنبئاً له بمستقبل باهر في عالم التمثيل. ومع عرض الفيلم، الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية، ولد نجمه عالياً في سماء الشهرة العربية.

ومضى الشريف ليظهر في عدد كبير من الأفلام المصرية، أبرزها "صراع في الميناء"، الذي جمعه بفاتن حمامة مجدداً وشهد زواجهما بعد انتهاء تصويره عام 1955، و"صراع في النيل" (1959)، و"من أجل امرأة" (1959) من إخراج كمال الشيخ، و"بداية ونهاية" (1960) من إخراج صلاح أبو سيف، و"في بيتنا رجل" (1961) إخراج هنري بركات، و"إشاعة حب" (1961) إخراج فطين عبد الوهاب، وهو من أفلامه الكوميدية القليلة، وتقاسم فيه البطولة مع سعاد حسني. وبحلول ذلك الوقت كان قد احتل مكانته كاملة ضمن كوكبة النجوم العرب الأشهر من المحيط إلى الخليج.

فاتن حبه الوحيد

عام 1955 أشهر الشريف إسلامه وتخلى عن اسمه القديم حتى يتزوج من فاتن حمامة وكانت طليقة المخرج السينمائي عز الدين ذو الفقار (تزوجا عام 1947 عندما كانا يصوران فيلم "أبو زيد الهلالي"). وعام 1957 رزق الشريف وفاتن ابنهما الوحيد طارق (ظهر وهو في الثامنة مع أبيه في دور زيفاغو طفلاً). واستمر زواج الممثلين الشهيرين 19 عاماً، لينتهي بالطلاق عام 1974.

وفي أكثر من حوار على التلفزيونات الغربية تحدث الشريف عن اللحظات التي تغيّر مجرى الحياة. وقال "معظم الناس يعتقدون أنني محظوظ وسعيد بنجاحي في هوليوود، ولن أنفي هذا بشكل مطلق. لكني كنت في مصر ممثلاً مشهوراً وزوجاً سعيداً لممثلة مشهورة (فاتن)، وهوليوود هي التي أبعدتني عن مصر وعن فاتن. ما الذي كان سيحدث لو أنني بقيت في وطني مع زوجتي؟ سعادة أكثر بكثير مما هو الآن؟ نعم على الأرجح ولكن من يعلم؟".

ولسنوات طويلة انطلقت أحاديث تربطه غرامياً بعدد من الشهيرات في عالم السينما أو الغناء أو الأزياء، في قائمة طويلة تشمل المغنية والممثلة الأميركية بربرا سترايساند والممثلة السويدية انغمار بيرغمان والممثلة المصرية سهير رمزي. وقال الشريف عن سبب عزوفه عن الزواج بعد فاتن إنه لم يعرف حباً حقيقياً منذ طلاقه. ويُنسب إليه القول إنه تلقى خلال الأسبوع الأول لعرض فيلم "الدكتور زيفاغو" أكثر من 3 آلاف رسالة من نساء يطلبن إليه الزواج منهن. على أن فاتن نفسها تزوجت لاحقاً، للمرة الثالثة، بالدكتور محمد عبد الوهاب، رئيس شعبة الأشعة بجامعة القاهرة. ويذكر أن الشريف تولى بعد الطلاق رعاية نادية ذو الفقار - ابنة فاتن من زواجها الأول - التي انتقلت معه إلى باريس وصارت سكرتيرة له حتى زواجها هي أيضاً.

هوليوود

في أوائل عام 1960 زار المخرج الإنجليزي ديفيد لين القاهرة بحثاً عن ممثل مصري يؤدي دور الشريف علي في فيلمه "لورنس العرب". فرشح له ضيوفه ممثليْن يجيدان اللغة الإنجليزية هما عمر الشريف ورشدي أباظة، وعرضوا له فيلم "صراع في النيل"، الذي تقاسما بطولته. وعلى الرغم من أن لين كان ميالاً في البداية إلى أباظة، فقد قرر في آخر المطاف أن الشريف أنسب للدور بسبب ملامحه الشرق أوسطية مقارنة بملامح أباظة الأقرب إلى الغربية. إذ إنه سليل أسرة أبخازية.

ويذكر أن الشريف كان يتحدث خمس لغات إضافة إلى لغته الأم، هي الإنجليزية والفرنسية واليونانية والإيطالية والتركية. وكان "لورنس العرب" (1962) هو السلم الذي ارتقاه من النجومية المحلية إلى العالمية ورشح فيه للأوسكار عن أفضل دور مساند للبطولة (الشريف علي) ونال عنه جائزة "غولدن غلوب". وكانت البطولة نفسها (لورانس) من نصيب الممثل الآيرلندي بيتر أوتول، الذي قذفه الفيلم إلى سماء الشهرة هو أيضاً.

وبلغ شأو الشريف حد أن ديفيد لين أسند إليه البطولة في فيلمه الكلاسيكي "الدكتور زيفاغو" (1965) أمام الممثلة جولي كريستي. ويذكر أن الشريف – عندما علم بنية لين إخراج رواية بوريس باسترناك الشهيرة فيلماً – تمنى عليه أن ينال دوراً فيه وحدد شخصية بعينها (باشا)، لكنه فوجئ بأن لين يعرض عليه شخصية البطل نفسه. وعاد عليه هذا الفيلم بجائزة "غولدن غلوب" وأيضاً بـ"سيزار" وهي أعلى الجوائز السينمائية الفرنسية.

نبل وكرم

كانت للشريف نظرة "مختلفة" إلى التمثيل كمهنة. فقد عبّر في أكثر من لقاء معه عن أنه "مجرد وسيط بين المال الوفير الذي تدره النجومية السينمائية وأولئك المعوزين الذين يستحقون جزءاً منه على الأقل".

وقال إنه لا يدرك الحكمة وراء "حصول نجم سينمائي على الملايين، فقط لوقوفه دقائق معدودة أمام الكاميرا ونطقه بعض الكلام، بينما تجد عالماً يبحث عن علاج للسرطان أو حمّالاً يكد بالساعات الطوال، لكنه يكاد لا يجد قوت يومه".

جفاف النبع

الحقيقة العارية هي أن الشريف مدين بشهرته العالمية لفيلمين فقط هما "لورنس العرب" و"الدكتور زيفاغو" في الستينيات. وعلى الرغم من ظهوره في عدد كبير من الأفلام منذ السبعينيات، فقد فشل في إعادة الكرّة. وقال يبرر ذلك في حوار معه أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" في باريس، "بصراحة فإن أغلب الأفلام التي ظهرت فيها تفتقر إلى عنصر الجودة، على الرغم من أنها كانت لمخرجين كبار. المشكلة هي أنها كانت أسوأ أفلامهم". وبرر اضطراره بعد ذلك لقبول ما يُعرض عليه بقوله إن نهاية الستينيات وبداية السبعينيات شهدت ما يشبه "الثورة الثقافية" في السينما مع بروز مخرجين شبان جدد التفتوا لمعالجة الهموم الداخلية (في نيويورك مثلاً عن الفقر والعنصرية والحقوق المدنية، أو في باريس لتناول هموم الشارع الفرنسي). ولأن أفلامهم لم تكن موجهة إلى جمهور عالمي فقد انحسرت إلى حد التلاشي المساحة الممنوحة للممثلين الأجانب مثله وانحسرت معها مساحة الخيارات أمامه.

لكن الحقيقة العارية المقابلة هي أن الشريف تمتع بهالة من "الكاريزما" والسحر لم تتأت إلا لقلة غيره. فقد كان الجمهور يهرع إلى أي فيلم يظهر فيه فقط لرؤيته وبغض النظر عن مستوى الفيلم الفني. وكانت وسائل الإعلام تتسابق لاستضافته، لأنه كان متحدثاً لبقاً عفوياً فكهاً وصادقاً يحمل في جعبته معيناً لا ينضب من الحكايات المثيرة، بخاصة عندما يتعلق الأمر بمغامراته في مرتعيه المفضلين: الكازينو والغرام.

مسيو إبراهيم والبريدج

بدا في فترة ما أنه هجر السينما تماماً إلى لعبة البريدج، التي صار أحد أبرز خبرائها في العالم، وأصدر عنها عدداً من الكتب وبرمجيات الكمبيوتر. وعندما سئل مرة عن قصته مع هذه اللعبة، قال إنه تعلمها منذ صغره على يد والدته كلير. وذكر بهذه المناسبة أن هذه الأخيرة كانت تستضيف في منزلهم نجوم المجتمع المخملي المصري في جلسة أسبوعية للبريدج، وأن الملك فاروق نفسه كان من الزوار شبه المنتظمين قبل إطاحته من العرش.

بعد انقطاعه عن الشاشة لفترة طويلة، عاد الشريف إليها في عام 2003 في فيلم "مسيو إبراهيم" (عنوانه الكامل "مسيو إبراهيم وزهور القرآن") الذي تدور أحداثه في باريس خلال الستينيات، وهو يسرد قصة العلاقة الحميمة التي تنشأ بين شاب يهودي مشرد، يقوم بدوره بيير بولانجير، وبائع كتب تركي مسلم عجوز يقوم بدوره الشريف. وقد وافق الشريف على أداء هذا الفيلم الذي أخرجه الفرنسي فرانسوا دوبيرون لإعجابه بالسيناريو الذي كتبه دوبيرون مع إريك إيمانويل شميت، بالإضافة إلى شعوره بالتكامل مع شخصية مسيو إبراهيم العجوز المسلم وعلاقته بالشاب اليهودي.

نهاية الطريق

عاش الشريف معظم سنوات اغترابه في باريس. ووفقاً لمصادر عدة، فقد كان يقيم مجاناً في فندق "رويال موناكو" بفضل صداقته القديمة مع صاحب الفندق. وكان معروفاً عنه أنه يسهر الجزء الأكبر من الليل ليستيقظ في الظهيرة ويفرط في التدخين (100 سيجارة في اليوم)، لكنه أقلع عنه بعد متاعب في القلب أخضعته لعملية جراحية عام 1992. وفي مايو (أيار) 2015 عُلم أنه مصاب بالزهايمر، وقال ابنه طارق إنه يعاني من ضعف الذاكرة، وكان – مثلاً - يخلط بين لورنس العرب والدكتور زيفاغو ولا يتذكر أين صُوّر أي من الفيلمين.

وبعد 83 سنة حافلة ساطعة وافته المنيّة إثر نوبة قلبية حادة في وطنه في 10 يوليو (تموز) 2015 (بعد ستة أشهر على وفاة حبه الوحيد فاتن). وصلّي عليه في مسجد المشير طنطاوي ودفن في قبر متواضع بالسيدة نفيسة في القاهرة بحضور أقربائه وعدد قليل من الفنانين والقائمين على شؤون الثقافة المصرية.

من أقواله:

 "أنا الممثل الوحيد في العالم اللي بيكون أجنبي في كل دولة يشتغل فيها".

 "اتخلقت محظوظ".

 " أنا أهتم بالناس لأن في ناس غلابة - ربنا يتولاهم - أما الأغنياء لازم يكعوا دم ويساعدوهم".

" أسوأ شيء هو أن الإنسان يموت وتكون آخر ليلة قضاها كئيبة ومملة".

المزيد من سينما