بدأت إجراءات التحفيز الأميركية البالغة تريليوني دولار في التأثير على أسواق المال في الولايات المتحدة، في وقت تزداد فيه أرقام المصابين بفيروس كورونا، وسط استمرار لحالة الإغلاق شبه الكلي في ولايات أميركية رئيسة.
وعلى أثر خطة التحفيز التي وافق عليها الكونغرس ومجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، افتتحت "وول ستريت"، أمس، على مكاسب قياسية. فقد صعد مؤشر "داو جونز" الصناعي 3.2 في المئة ليتجاوز22327 نقطة، في وقت قفز مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة4.45 في المئة، بينما ارتفع مؤشر "ناسداك" 3.62 في المئة.
أزمة تجارية
ولم تكن الصورة متفائلة في الأسواق الأخرى التي واصلت خسائرها، في وقت كثّف وزراء التجارة في دول مجموعة العشرين من لقاءاتهم، فيما يبدو أن مسائل التجارة بين الدول والتبادل التجاري في خطر من انكفاء الدول على بعضها البعض، لتحصين نفسها من أزمة فيروس كورونا، وخفض التبادل التجاري الخاص بالإمدادات الطبية وغيرها، ما يهدّد اتفاقيات التجارة الدولية الحرة.
وقال الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتهايزر، أمس، إن "على وزراء التجارة في مجموعة العشرين أن يعملوا على تخفيف التعطيلات في سلاسل إمدادات المنتجات الطبية لمحاربة فيروس كورونا".
وكشفت أزمة الفيروس عن قصور في النظام الصحي في الاقتصادات العالمية بما فيها الاقتصاد الأميركي، وفي اعتماد الاقتصادات على غيرها في عمليات الإمداد للمواد الرئيسة، وهو الأمر المهدد بالتغير مع أزمة كورونا، والعودة للتصنيع المحلي.
أميركا تفضل التصنيع الداخلي
وقال لايتهايزر "مما يؤسف له فإننا، مثل آخرين، نتعلم في هذه الأزمة أن الإفراط في الاعتماد على دول أخرى كمصدر للمنتجات والإمدادات الطبية الرخيصة جعل اقتصادنا عرضة لضعف استراتيجي. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، نحن نشجّع على تنويع سلاسل الإمدادات ونسعى إلى تشجيع المزيد من التصنيع في الداخل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن وزراء التجارة بدول مجموعة العشرين، التي تضمّ أكبر الاقتصادات في العالم، اتفقوا أمس على إبقاء اقتصاداتهم مفتوحة وضمان استمرار تدفق الإمدادات والمعدات الطبية وغيرها من السلع الحيوية.
وكان زعماء المجموعة قد تعهدوا الأسبوع الماضي ضخ أكثر من خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي للحدّ من فقدان الوظائف والدخل بسبب تفشي فيروس كورونا.
وحثّ البنك الدولي مجموعة العشرين على الامتناع عن فرض قيود جديدة على تصدير الإمدادات الطبية الحيوية والأغذية أو منتجات رئيسة أخرى، بينما يحارب العالم جائحة فيروس كورونا.
وقال البنك الدولي إن الجائحة من المتوقع أن تهوي بالاقتصاد العالمي إلى ركود عميق وأن تعطل سلاسل الإمدادات.
و دعا البنك الدولي دول مجموعة العشرين الى إزالة أو خفض الرسوم الجمركية على واردات منتجات رئيسة ضرورية لمحاربة تفشي فيروس كورونا وخفض أو تعليق الرسوم الجمركية والضرائب على تصدير المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية.
هبوط بالأسواق الأوروبية
وعلى عكس الأسواق الأميركية، لم تتفاعل الأسواق الأوروبية مع خطط التحفيز والوعود من مجموعة العشرين، حيث تراجعت الأسهم الأوروبية في جلسة الافتتاح أمس، مواصلة مسلسل الهبوط. وتراجع مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي 0.8 في المئة، وتصدرت أسهم الطاقة والصناعات والسفر والترفيه قائمة القطاعات المتراجعة.
ونزل القطاع المصرفي 2.5 في المئة مرة أخرى، لتتجاوز خسائره الشهرية 28 في المئة، بحسب بيانات "رويترز".
وأظهر مؤشر المعنويات في منطقة اليورو أسوأ تراجع شهري على الإطلاق في مارس (آذار)، حيث أدى انتشار فيروس كورونا إلى تراجع الثقة بين المستهلكين وجميع قطاعات الاقتصاد.
وأظهرت بيانات مسح للمفوضية الأوروبية، أمس الاثنين، تراجع المعنويات الاقتصادية في الـ19 دولة التي تستخدم اليورو إلى 94.5 نقطة في مارس من 103.4 نقطة في فبراير (شباط).
ويعتبر هذا هو التراجع الشهري الأشد منذ بدء الاحتفاظ بالسجلات في 1985.
اليابان تهوي أيضاً
ولم يكن الحال أفضل في آسيا، حيث تراجعت الأسهم اليابانية، أمس، إثر تفاقم تفشي فيروس كورونا خلال عطلة نهاية الأسبوع وفرض أو تشديد إجراءات العزل في المزيد من الدول، مما أثار مخاوف من أن طوكيو قد تبدأ أول عزل لها على الإطلاق.
ونزل مؤشر "نيكي" القياسي 1.6 في المئة، بينما هبط مؤشر "توبكس" 1.6 في المئة.
النفط في هبوط حر
وأدت كل هذه المأساة في الأسواق والمؤشرات المخيفة التي تنبىء بركود عالمي قريب، إلى مزيد من الخسائر في أسواق النفط. فقد هوت أسعار خام القياس العالمي مزيج برنت، أمس الاثنين، إلى أدنى مستوى لها في نحو 18 عاما، بحسب بيانات "رويترز"، بينما تراجع الخام الأميركي لفترة وجيزة عن مستوى 20 دولاراً للبرميل.
وأنهت عقود برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول منخفضة 2.17 دولار، أو 8.7 في المئة، لتسجل عند التسوية 33.76 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى إغلاق لها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 .
وهبطت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 1.42 دولار، أو 6.6 في المئة، إلى 20.09 دولار، وهو أدنى مستوى إغلاق منذ فبراير 2002 .
وقال محللون ببنك غولدمان ساكس إن الطلب من حركة المسافرين وشركات الطيران، والذي يشكل نحو 16 مليون برميل يومياً من الاستهلاك العالمي، قد لا يعود أبداً إلى المستويات السابقة.
ومن ناحية أخرى، اتفق الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أثناء محادثة هاتفية أمس على أن يجتمع كبار مسؤولي الطاقة بالبلدين لمناقشة الهبوط الحاد في أسواق النفط العالمية.
وقالت مؤسسة ترافيجورا العالمية لتجارة السلع، ومقرها جنيف، إن الطلب على النفط قد يهبط بأكثر من 30 مليون برميل يومياً في أبريل (نيسان)، في ظل تراجع حادّ للاقتصاد العالمي. ويعادل ذلك نحو ثلث الاستهلاك العالمي اليومي.
الذهب... هبوط وتوقعات المستقبل
ومقابل النفط، تطلّ قصة الذهب الذي يبدو أنه فقد بريقه مؤقتاً بفعل اتجاه المستثمرين مجدداً نحو الأسهم بعد خفض الفائدة وإجراءات التحفيز.
وتراجع المعدن الأصفر في المعاملات الفورية 0.3 في المئة إلى 1612.60 دولار للأوقية. وانخفض في العقود الأميركية الآجلة 0.6 في المئة إلى 1643.70 دولار للأوقية.
ورفع بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي توقعاته لمتوسط سعر الذهب بمقدار 90 دولاراً إلى 1610 دولارات للأوقية (الأونصة) للعام 2020 .
و يتوقع أن يتراجع متوسط سعر الذهب في 2021 إلى 1500 دولار للأوقية.