Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبل لقاح ”كورونا“… نحتاج لقاح فيروس ”المشاهير“!

"نجوم مواقع التواصل الاجتماعي" ولدت نجوميتهم بمروحة من المتابعين عززت اتساعها بالسخرية والمحتوى السطحي والفارغ

لا يعيب الإنسان شهرته عبر التهريج بل يعيبه أن يتقمص دوراً ليس له (غيتي)

فيروس كورونا المستجد COVID-19 لم يمر على السعوديين تحديداً، من دون أن يشعل جدلاً في مواقع التواصل الاجتماعي، بين صحافيين متمرسين وإعلاميين مخضرمين من جهة، وما يمكن أن نقول عنهم "نجوم مواقع التواصل الاجتماعي" من جهة أخرى، الذين وُلدت نجوميتهم بمروحة من المتابعين، عزّزت اتساعها بالسخرية والمحتوى السطحي والفارغ.

ما سبق ليس رأياً قاسياً، بل هو حقيقة لا يمكن أن ينكرها أصحاب الحسابات المليونية أنفسهم. ولا يعيب الإنسان شهرته عبر التهريج، بل يعيبه أن يتقمّص دوراً ليس له، ويتلبس لبوس التهريج ليتقدم الصفوف الأولى للمؤتمرات والمناسبات الحكومية الرسمية، مقابل أجر مدفوع، ثم نجده يندفع ليتصدر الصفوف عند الكوارث.

الجدل الذي نتج من هذه الظاهرة، ازداد حدة عندما أصدرت النيابة العامة السعودية بياناً تعلن فيه توجيهها بالتحقيق مع إحدى مشهورات مواقع التواصل والمخالطة لحالة مصابة بفيروس كورونا، ودخولها إلى موقع إدارة الأزمات والكوارث في وزارة الصحة السعودية، وتصويرها من داخل المقر كتغطية لجهود المركز! ليتحوّل مركز إدارة الأزمة إلى مقر أزمة بسبب جهل مسؤول، يعاني من أزمة ثقة في المنتج الذي يقدمه، فاستعان بمن يُسمّون أنفسهم أو يُسمّيهم بعض الجهلة "نجوم التواصل" لكي يروّجوا له وللعمل المناط به. فهل كانت وزارة الصحة ومركز إدارة الكوارث بحاجة إلى هذا "التهريج"؟ وهل كانت الصحافة والصحافيون وجميع السعوديين ينتظرون المؤتمرات الصحافية للدكتور محمد عبد العالي ليخبرهم عن المستجدات لا يكفي؟ أم أن نقص الخبرة الإعلامية لدى الوزارة فوّت على إداريّيها أن يعقدوا المؤتمر من داخل مركز إدارة الأزمة، ويتحدثوا عن الجهود الحقيقية التي يبذلونها بدلاً من الاستعانة بالمهرجين للترويج لجهود الدولة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

حالة استعانة المسؤولين الحكوميين بما يُسمى "مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي" تستحق الدراسة أولاً، ليس لسبر غور الكفاءة الإدارية لهؤلاء (فهذا أمر له أصوله وقواعده)، وإنما لاكتشاف مدى خضوع هؤلاء لمؤثرات دعائية لا تنال عادة إلاّ من الأمزجة.

وتستحق المسألة، ثانياً، إجراء تحقيق تشرف عليه  جهات عليا وعلى رأسها هيئة مكافحة الفساد، لأنه إذا ثَبُت أنّ الجهة الحكومية تدفع المال لهؤلاء المشاهير للحديث عن مشاريعها وجهود مسؤوليها والتسويق لها وتضليل المواطن، فذلك ينبئ بفساد لا لُبس فيه، عنوانه: "الدفع مقابل الثناء". هذه الحالة من "الثناء المدفوع"، يبدو أنها ناتجة من ثقة بعض المسؤولين بأنّ استعانتهم بالمشاهير للثناء مقابل المال، تمنحهم حصانة من النقد الذي يطال بعض الجهات الحكومية. فهؤلاء يعتقدون من دون دليل، أنه باستطاعتهم التغلّب على "الألسنة الطويلة" للصحافيين وكتّاب الرأي في الصحافة السعودية، بمئات آلاف الريالات "ينفحونها" لمجموعة من المشاهير الذين يروّجون لأنفسهم قبل الترويج لمن يدفع أكثر. وفي الحالتين، فإنّهم يضلّلون المواطن، ويحرفون نظره عن مَواطِن الخلل.

قبل أكثر من شهرين، ناقش مجلس الشورى السعودي تقريراً لهيئة مكافحة الفساد. وأثناء المناقشة، جاءت مطالبة لافتة ضاعت وسط زحام فوضى "المشاهير"، وهي ما نادى به عضو المجلس عبدالله السفياني الذي دعا الهيئة إلى التحقيق حول استخدام الدوائر الحكومية والوزارات والهيئات والمؤسسات للمؤثرين في الشبكات الاجتماعية، وإنّ هذا الاستخدام وما يصاحبه من ضخ إعلامي يختلط فيه الإنجاز الحقيقي بالمبالغات التسويقية، وإنّ مثل هذا الطرح يغطي على تقصير الجهات الحكومية. يذهب السفياني في مطالبته إلى نقطة مهمة وهي: الجهات الحكومية والوزارات معنيّة بالدرجة الأولى بتقديم خدماتها واختصاصاتها للمواطنين على أرض الواقع، والمواطن إذا شاهد الإنتاجية الحقيقية، فذلك كفيل بتحسين صورة الجهة الحكومية. ويختتم بقوله إنّ هذه الأساليب أفقدت المواطنين الثقة في ما تقدمه الدولة من خدمات مختلفة.

حديث السفياني، يأخذني للقول إنّ رؤية السعودية الجديدة "2030" ومشاريع الدولة المستقبلية، هي أكبر من استيعاب مشاهير ذاع صيتهم بسبب السطحية والفراغ، ولا يقدمون إلاّ ما يملكون أي السطحية والفراغ. لا يمكن أن يغفر الإنسان لوزارة العمل مثلاً، قبل تغيير مُسماها، حين استعانت بأحد المشاهير الذي خاض في أعراض النساء العاملات، قائلاً "إن الذي يعمل مع نساء في مكان مختلط لمدة 6 ساعات من دون أن تُستثار غرائزه، عليه أن يذهب للفحص الطبي"، فإذا بالوزارة تدعوه بعد 3 أيام إلى الترويج لأحد منتجاتها. هذه الوزارة المفترض أنها معنية بحماية العمل والعمال، استعانت للتسويق لمنتج إلكتروني لها، بشخص يقف ضد عمل النساء والرجال في مكان واحد، ويتحدث بمنظور ذكوري  متعالٍ ومقيت.

قبل يومين، كتب أحد "المشاهير" الجدد متباهياً بقدرته على تهريب طيور، وإنّ الإشكال الذي تعرض له بسبب تهريبه طيوراً حية عبر مطار هيثرو لندن قبل أشهر حدث في مطار سعودي، فإنه بمكالمة مع "أبو فلان" أن ينهي الموضوع. وهذا الشخص يحط من شأن الإعلام السعودي، ويصفه بأنه "المحلي" وبأنه مجتمع لا يستطيع أن يصل إلى مجموع متابعيه على موقع "سناب شات"، وأن باستطاعته أن يخاطب الجمهور الخليجي، أما داخلياً، فإنه سيترك الساحة للقنوات الرسمية كي تحاول جمع متابعين!

هذا الطرح الاحتقاري ما كان ليحدث في ظل غياب تشريعات للتجارة الإلكترونية والإعلانات، وصرامة تحدّ من تصدر مثل هؤلاء للمشهد العام.

من حق "المؤثر" أن يستخدم مساحته للتهريج، لكن ليس من حقه أن يدّعي أو يُدعى إلى تمثيل الجهات الحكومية ومشاريع الدولة، والترويج لها، فيما سيقوم في اليوم التالي، بحزم حقائبه المليئة بالطيور الحية لتهريبها عبر مطار دولة أخرى. ومن الطبيعي أن هذا النوع من الناس كمثل بالون ملون قابل للنفخ والانتفاخ، بإمكانه إثارة إعجاب الأطفال، لكنه ما يلبث أن ينفجر ويترهل، ويخلف وراءه خيبة أمل قاسية.

بإمكان الجهات الحكومية أن تعمل على تأسيس إدارات علاقات عامة وإعلام وتواصل وفق معايير مؤسسية حديثة، وتهتم بمنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل على مشروع إعلامي استراتيجي لها… بدلاً من هدر المال العام على مجموعة من المهرجين في سياسة تدلّ على خلل إداري كبير، وضعف المسؤول عن هذه الطريقة على بناء جهاز إعلامي للجهة المولى عليها، يدوم طويلاً ولا يحتاج إلى رحمة من يُقال عنهم "مؤثرين".

المسألة ليست صراعاً بين الإعلام الجديد والقديم، فلا يمكن أن يُحسب هؤلاء على الإعلام، بل هم محسوبون على فئة تُسمى "المشاهير" أو "نجوم مواقع التواصل"، أو "الإعلانيين" بما أنهم ارتضوا لأنفسهم أن يصبحوا لوحات إعلانية متنقلة، قيمتهم تتحدّد بما يُدفع لهم.

الصحافة في السعودية تتراجع لأسباب كثيرة، وصوتها يضيع في ظل زحام المهرّجين، لكنني سأعذر الجهات الحكومية حين تحجب عن الصحف أذون الدخول لمواقعها ومقراتها للتغطية، وتستعين بالمهرجين، فقد يكون المسؤول فيها يؤمن بمقولة لوي تولستوي: "ينبغي أن نقدّر رأي الأغبياء كونهم هم الغالبية".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء