Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكلاب ... وسط قصاصات السخرية من كورونا؟

أسلوب ساخر لجأ إليه الشباب لانتقاد مزاعم آخرين حول حقيقة الفيروس وصراع أميركا والصين

كثيرون حول العالم يهتمون بالحيوانات الأليفة في ظل انتشار فيروس "كورونا". (أ.ف.ب)

مع الرعب الذي نجح فيروس "كورونا" حتى الآن في بثه حول العالم، لا تزال شرائح من السعوديين والعرب تقاوم المخاوف بالنكتة والسخرية، التي اتخذت العديد من الأشكال، وكان من بين أطرف إسقاطاتها توظيف الكلب في غمز من يتناولون هموم الناس حول الوباء بسطحية، أو يتصرفون بأنانية.

الكلب الذي يرمز إلى دلالات عِدة في الثقافة العربية والسعودية خصوصاً، هو في هذه الناحية، يُراد به أسرع طريقة لدعوة أولئك الفضوليين بـ"الكف عن الفلسفة الزائدة"، فالمغردة السعودية سارة السديري على سبيل المثال، عندما اشتد النقاش بين المدونين حول أسباب عدم التوصل إلى دواء ينهي معاناة البشرية مع الفيروس حتى الآن، قالت إن "أميركا عندها علاج كورونا لكنها تريد تدمير اقتصاد الصين"، وقد أرفقت المقولة بصورة كلب مضطجع على أريكة أنيقة، ما يعني إسقاطاً منها على المتداولين لذلك الزعم.

رمزية الكلب و"توك توك"

فيما ذهب آخرون في التعاطي مع الفكرة، إلى رموز واستشهادات أخرى، بحسب خلفية المعلق الثقافية وبيئته الجغرافية، إذ تدخّل كاتب من مصر أطلق على نفسه لقب "كوفيد-19"، بأن "سائق (توك توك) يقول لي إن الصين وجدت علاج الفيروس وعالجت كل مواطنيها، وأميركا هددتها بأنها لو ما سلمت العلاج ستضربها بالنووي"، مضيفاً أن أميركا هي التي صنعت الفيروس لتضرب الصين وإيران اقتصادياً، لكن الصين رفضت تسلم العلاج وتوصلت إلى مصل وستقوم بتوزيعه".

وحضر الحيوان الوفي في تعاطي الساخرين من الشباب مع الوباء، ففي إحدى المنشورات، اختار أحدهم كلباً أنيقاً وعدل الصورة عبر برنامج "فوتوشوب" ليظهر مرتديا غطاء الرأس الذي يلبسه الممارسون الصحيون، وكذلك ما يشبه سماعات طبية وكمّامة، ثم كتب على الصورة "حبيبي، هذه أسرار دولة، لا يمكنني أن أقول لكم عدد أرقام المصابين".

برج الكلب

أما "مواليد برج الكلب" فهو هاشتاغ انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، وأصبح يتردد في المواقف المتعددة، ويختزل رفض السلوك غير الحضاري في مواقف السيارات والشوارع وإشارات المرور، وظل واحدة من أيقونات الكوميديا الاجتماعية السوداء التي طغت على عديد من المجتمعات العربية في الـ"سوشيال ميديا".

وكان أحد المتفاعلين على الهاشتاغ قبل ظهور الوباء، نشر صورة يظهر فيها منشور مثبت على زجاج سيارة متوقفة في إحدى المدن السعودية، تعلوه صورة كلب، قائلاً "يتميز مواليد هذا البرج بالعشوائية والغباء الزائد والهرمونات الحيوانية العالية التي تقودهم إلى الخروج عن النظام والحياة، ومن أهم مواصفات هذا البرج حب الوقوف الخاطئ رغم توافر المواقف، وعدم الالتزام بقوانين الطرق، واللامبالاة بالآخرين، وتعطيل الناس، وعيش الحياة وكأنها له فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهي صفات حاول الساخرون العرب إسقاطها مجدداً على من يتهمونهم بـ"الأنانية" في أزمة كورونا، جراء تراخيهم في التزام الاحتياطات الصحية التي أعلنتها السلطات في بلدانهم، مثل عدم الخروج من المنازل لغير الضرورة القصوى، حتى تتم السيطرة على المرض.

 

وفي الثقافة الصينية يعتبر "الكلب"، أحد الأبراج التي يتعرّف المهتمون بواسطتها على شخصيات الآخرين وأنماط سلوكياتهم، ويقابلها في الأبراج الشهيرة "برج الميزان"، بحسب الكتب المتخصصة في الطالع الفلكي، التي تصف الرجل الميزان بأوصاف غير بعيدة عن إسقاطات المدونين، فتقول إنه من "أكرم الناس في توزيع النصائح من دون مقابل، عنده الجواب الشافي لكل سؤال وقضية وإن كان من الصعب عليه اتخاذ موقف المحايد باستمرار، فحبه للجدل واستناده إلى المنطق والتحليل يدفعانه إلى المجاهرة بآرائه الخاصة بأسلوب فذ يقنع الآخرين على الرغم منهم في كثير من الأحيان".

تعبير عن الكراهية

وأما الكلب فإنه لم يعد منبوذاً في الثقافة السعودية كما كان في السابق، إذ شاع بين كثير من الشبان وبعض العائلات تربيته والخروج به إلى الساحات، لكن ذلك لا يعني تحول صورة الكلب عن موقعها في الذاكرة الشعبية، ليس في السعودية وعند العرب فقط، ولكن في تاريخ أمم وشعوب كثيرة.

وهذا ما يبرهن عليه الكاتب العراقي خالد القشطيني، الذي تناول في إحدى كتاباته علاقة الإنسان بالكلاب، مشيراً إلى أن الأخير "من أكثر الحيوانات تردداً في تراث البشرية، ومن ذلك ما ورد ذكره في الأمثال وصياغة الصور التشبيهية والمجازية، والواقع أن نوعاً من علاقة الحب والكراهية تربط الإنسان بالكلب".

واعتبر أن الكراهية والاحتقار يتمثلان في القول الجاري عند معظم الشعوب في كلمة "ابن كلب"، وحتى الإنجليز الذين يخلفون ثرواتهم للكلاب ويقولون "الكلب أحسن صديق للإنسان" لا يترددون في سب بعضهم بعضاً بقولهم "ابن كلب" وتسمية المرأة الشريرة بأنها "كلبة".

ورأى أن الأدب العربي مليء بالأمثال والأقوال المأثورة التي تشير إلى الكلب، ومنها القول الشائع في الفصحى والعامية وهو "جوّع كلبك يتبعك"، ويرد أحياناً بصيغة "أجع كلبك ليتبعك"، وهو قول موغل في تحقيره لمعشر الكلاب وهوانها ومذلتها، وتسمع القوم في لبنان يقولون "الكلب ما يحب إلا قاتله"!

وبينما يوظف الشبان الساخرون الكلب في الغمز من قناة أعداء النظام العام نحو كورونا وسواه، تقول الكاتبة السعودية بدرية البشر، إنه يحضر في أسوأ حالاته شعبياً في القدح المتبادل بين الرجل والمرأة، لكنها هي الأخرى أقرت بأن ذلك ليس حكراً على ثقافة بعينها، لكن الفارق في أن "المجتمعات المتقدمة في الوعي والحضارة تمتلك توجهات نحو الكف عن التقليل من شأن المرأة والدعوة إلى احترام إنسانيتها، أما في مجتمعات أخرى تصر الذهنية الشعبية على جعل المرأة هي المتنفس الوحيد لكبتها والسخرية منها".

على خطى "الجاحظ" بين الكلب والديك

ولم يكن الشبان العرب والسعوديون يبتدعون وهم يتخذون الكلب رسولاً يحمل رسائلهم المبطنة إلى الجمهور، فقد كان أشهر أدباء العرب، أبو عثمان الجاحظ، سلفاً لهم وصاحب الريادة في هذا المنحى في كتابه الموسوعي "الحيوان"، وهو الذي شكل فيه الكلب قطب الرحى بين حيوانات كثيرة، جعلها تتحاور وتتبارى، حتى أثار صنيعه ذلك دهشة المثقفين والمهتمين بعلوم العربية من بعده.

ولذلك لاحظ الكاتب الراحل محمد الحاجري، كيف أن الجاحظ افتتح كتابه بافتعال خصومة عنيفة بين الكلب والديك، عبر مناظرة، قال الحاجري "ذهبت في شتى مذاهب الكلام بين صاحب هذا وصاحب ذاك، من دون أن يكون بينهما في حقيقة الأمر خصومة، أو سبب يدعو إلى المناظرة، وإنما هي عبقرية الجاحظ التي لا تفتأ تبدع وتبتكر، وأسلوبه المتدفق الذي لا يألو يشقق الكلام ويولد المعاني والصور". وأضاف "ذلك الظن السائد نلجأ إليه كثيراً في تفسير مثل تلك المناظرة الغريبة، ولكني أحسب أن الأمر بين الكلب والديك أعجب من أن يكتفي في تفسيره بتلك الصفة الغالبة، والنظرة العاجلة المقاربة".

وهكذا يرجح الكاتب في مقالة له في مجلة "الرسالة" قبل عقود أن تلك المناظرة تخفي من ورائها مغزى أبعد، فرآها "صدى من أصداء تلك الحالة الاجتماعية الشديدة السلطان في العصر العباسي، والتي أخذت تتغلغل في المجتمع الإسلامي منذ أوائل القرن الثاني، وبلغت عنفوانها في عصر الجاحظ وأعني بها تدافع العنصرين العربي والأجنبي على التأثير في الحياة مما أنتج تلك الخصومة العنيفة بين العرب والشعوبية". فهل هذا ما قصده الشبان العرب على طريقتهم الساخرة أيضاً، في تناول الجدل بين تنازع الصين وأميركا الزعامة، حتى في ساعة الوباء والمحنة الكونية؟

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات