أدى رد فعل الجمهور على انتشار "كوفيد-"19 إلى تمكن المتاجر البريطانية الكبرى من تحقيق مداخيل لا تشهدها عادة إلاّ في فترة الازدحام في عيد الميلاد، في الأسبوع الأخير قبل اليوم الموعود.
لكن هناك فارقاً مهماً بين الحالتين. وفي الوقت الذي تبيع هذه الأسواق قبل حلول عيد الميلاد كمية قليلة من سلع مرتفعة السعر، نجدها الآن تحوّلت إلى بيع كميات هائلة من سلع ذات أسعار منخفضة، إذ فرغت رفوفها من علب الفاصوليا وأكياس الباستا، وبالطبع ورق التواليت ومواد تعقيم اليدين.
ولا يعود ذلك إلى وجود نقص في المخزون، بل لأن هناك سقفاً محدوداً للكمية التي يمكن نقلها من المجهزين إلى المستودعات ومن الأخيرة إلى المتاجر.
وهذا هو السبب وراء مشاهدة تلك الصور لرفوف فارغة ليس فيها سوى علبة واحدة مهجورة من الفاصوليا المخبوزة والمنخفضة الملح، التي شاهدتموها أخيراً على وسائل التواصل الاجتماعي.
خلال زيارة استطلاعية لي إلى أحد المتاجر الكبرى، أُخبِرت أن سلسلة التجهيزات مستمرة في العمل بشكل جيد وليس هناك نقص في المنتجات، بل بالعكس.
في المقابل، ليس هناك سوى عدد محدود مثلاً من الأشخاص الذين لديهم إجازات سياقة تسمح لهم بقيادة الشاحنات الكبيرة كي تنقل البضائع من المستودعات إلى المتاجر، إضافة إلى حقيقة وجود العزل الذاتي الذي فاقم أزمة المتاجر ونجمت عنه تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتمثّل مشكلة المتاجر الكبرى في أنها غذّت بشكل كبير حالة الذعر لدى المستهلكين، وقد لعبت دور الدافع المحفز لهم عند رؤية الشاحنات متوجهة صوب متجر محلي لتفريغ حمولتها، ما فاقم الأزمة، إذ توحي تلك الأمور بوجود نقص في الإمدادات، على الرغم من عدم وجوده على أرض الواقع.
ثمة دافع آخر لاندلاع ظاهرة الهرع إلى التبضع، تأتّى من الإعلانات الحكومية.
وفي كل مرّة يجري فيها تحديث النصائح الحكومية واتخاذ حزمة إجراءات طوارئ جديدة، يندفع المواطنون إلى المحال، لاغتراف كل شيء يستطيعون الحصول عليه، مع وضع مزيد من الصور لرفوف فارغة على موقعي "فيسبوك" و"تويتر".
وإذا اعتبرتم هذه الحالة "حلقة مفرغة"، فأنا لن ألومكم.
من الطبيعي أن تحجم المتاجر الكبرى عن تقنين ما يستطيع زبائنها شراءه، إذ يتجسّد عملها في البيع، وسينزعج المستهلكون إن أُخبِروا بأنهم لا يستطيعون شراء ما يريدون. يجب أن نتذكر أن هذا الحقل التجاري من أكثر القطاعات المتنافسة في بذل أقصى الجهود لإرضاء المتبضعين.
ومع ذلك، فقد أعلِمتُ بوجود مبادرة من قطاع المتاجر الكبرى في طريقها إلى التطبيق لمعالجة هذه المشكلة، من المحتمل أن يُكشف عنها في أواخر هذا الأسبوع.
كذلك، أُخبِرتُ أن وزراء ومسؤولين على اتصال دائم مع هذا القطاع، لكنهم ما زالوا في مرحلة طرح الأسئلة، بدلاً من اتخاذ قرارات وتنفيذها.
طرحتُ سؤالاً عمّا إذا كانت ستهبط مداخيل المتاجر بصورة عامة من خلال تركيز زبائنها على استهلاك ما خزّنوه. إذا كنتَ اشتريتَ عشرة أكياس من الباستا، فإنك ربما لن تكون ميالاً لشراء أكثر منها حتى تستهلك ما لديك عندما تستقر الأمور. هذا احتمال قوي.
لكنّ المتاجر الكبرى ليست متأكدة من ذلك، إذ زادت أزمة "كوفيد 19" المبيعات لأن الأفراد لم يعودوا يخرجون من بيوتهم كثيراً. إنّها تجربة جديدة بالنسبة إليهم، مثلما هو الأمر بالنسبة إلينا جميعاً.
مع ذلك، فإن هذا القطاع سيعبر هذه الأزمة ويكون في وضع أفضل من القطاعات الأخرى، على الرغم من أن الأرباح المتأتية من تصاعد المبيعات إلى أعلى مستوياتها ليست كما تتصوّرونها.
فمن المرجح أن يتقاضى العمال في المتاجر الكبرى أجورهم عند الدخول في العزل الذاتي، ما يفرض تكاليف إضافية على أرباب عملهم، إذ بات عليهم الآن أن يدفعوا أجوراً أكبر للساعات الإضافية التي يؤديها عمالهم.
© The Independent