فيما تتواصل التحذيرات والتوقعات السلبية بسبب استمرار انتشار فيروس كورونا، فإن الخسائر التي واجهتها أسواق الأصول الخطرة والأسهم وحتى الملاذات الآمنة، ستنتقل إلى قطاعات أخرى أهمها حركة التجارة والأمن الغذائي العالمي، والكساد المتوقع في جميع أسواق التجزئة على مستوى العالم.
وخلال الأيام الماضية، ومع اتجاه العديد من الحكومات إلى فرض حظر التجول إالزام المواطنين بالبقاء في منازلهم، فقد تسبب ذلك في تفريغ المحال التجارية من غالبية السلع الغذائية، إضافة إلى خلو بعض الأسواق من المعقمات ومواد التطهير التي قفز الطلب العالمي عليها بنسب كبيرة، في ظل مطالب بضرورة استخدام هذه المواد لوقف انتشار الفيروس القاتل.
"يمكن لانتشار مرض كورونا (كوفيد-19) أن يؤثر في سلسة توريد الغذاء"، هذا ما أكده عضو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إدوارد جونسون، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من علامات الاستفهام حول الأمن الغذائي العالمي في ظل انتشار فيروس كورونا.
تحت عنوان "كيف نحد من تأثير فيروس كورونا في الأمن الغذائي"، تطرق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى الأزمة المرتقبة في سوق الغذاء العالمية، مطالباً بضرورة تجنب التكالب على السلع، ورصد الأسعار، ودعم المحتاجين من خلال شبكات الحماية الاجتماعية التي يمكنها أن تحد من تأثير تفشي هذا الوباء العالمي.
تراجع اقتصادي يطال الدول النامية بشكل مباشر
يرى كبير الخبراء الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي عارف حسين، أنه وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ومع انتشار العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي بلغ معدلات وبائية، أصبح لدينا اهتمام بالغ بالأرقام والإحصاءات التي تعلنها الجهات الرسمية. لكن تلك الأرقام لم تكن الوحيدة التي تبقي الناس مستيقظين ليلاً. ففي الوقت الذي لا يزال حجم تأثير المرض غير واضح، يظل تأثيره الاقتصادي يمثل تخوفاً كبيراً أيضاً.
لكن لا يزال الوقت مبكراً بشأن التوصل إلى تقييم دقيق حول تأثير انتشار العدوى بمرض كورونا المستجد (كوفيد-19) على الاقتصاد. وأضاف، "الكثير يعتمد على ما لم نعرفه بعد، ومن بينها الفترة التي سيستمر خلالها الوباء، وعدد البلدان المتضررة منه، ونوع السياسات التي ستتبناها الحكومات للاستجابة للأزمة".
لكن المؤكد حتى هذا الوقت، هو حدوث تراجع اقتصادي على المستوى العالمي، ومن المرجح أن ينسحب ذلك على الاقتصاديات النامية. وفي هذه السياقات، يمكن للتباطؤ الاقتصادي أن يزيد من تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي القائمة؛ حيث إنه يحد من قدرة الأفراد على الوصول إلى المواد الغذائية المغذية بطرق مختلفة، بينها انخفاض الدخول أو ارتفاع معدلات انعدام الأمن الوظيفي.
وفي الوقت الذي قد يبدو فيه الأمر أنه ينبغي أن يكون فيه القطاع الغذائي والزراعي أقل تضرراً عن غيره من القطاعات، إلا أن نقص العمال بسبب المرض، وتوقف عمليات النقل، وإجراءات الحجر الصحي تحد من القدرة على الوصول للأسواق وحدوث انقطاعات في سلسة التوريد ينجم عنها خسارة المواد الغذائية وهدرها، وهذا من شأنه أن يؤثر في التوريد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تغيير الأنماط الغذائية للأفراد
وعلى صعيد الطلب، يمكن لنقص القدرة الشرائية بسبب المرض أن يغير من الأنماط الغذائية بين الأفراد، وسينشأ عن ذلك ضعف التغذية الصحية. وحالات الشراء الهستيري للأغذية، مثل تلك التي شهدتها بعض البلدان حول العالم في الآونة الأخيرة، قد تؤدي إلى تحطيم سلسة التوريد وأن تتسبب في ارتفاع الأسعار على الصعيد المحلي.
وبعيداً عن تداعيات انتشار مرض كورونا على الأمن الغذائي الذي يترتب عليه التباطؤ الاقتصادي، فإن الانتشار الواسع النطاق للمرض في أي بلد أكثر فقراً وأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي قد يؤدي إلى خسائر فادحة في الاقتصاد تفوق التأثير الحالي على البلدان المتضررة.
وأشار "حسين" إلى أن البلدان التي تعاني مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، تكون أكثر عرضة للإصابة وأقل استعداداً لمواجهة تفشي المرض على نحو وبائي، وبالتالي تزداد احتمالية ارتفاع معدلات الوفيات فيها".
وأضاف: "علاوة على ذلك، يزيد سوء التغذية من احتمالية التعرض للمرض. العواقب الاقتصادية المترتبة على هذا المرض قد تؤدي إلى تضرر عدد أكبر من الناس أكثر من المرض ذاته".
وأوضح أنه قد يتلازم الضرر الأكبر، المترتب على المرض، الذي يصيب القوى العاملة في البلدان الأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي وذات الدخول المنخفضة، في أغلب الأحيان، مع الإنتاج كثيف العمالة، مما يؤدي إلى تفاقم تداعيات ذلك على الإنتاج. وفي الوقت نفسه، تعتمد الصناعات الخدمية، في البلدان الأشد فقراً، اعتماداً أقل على التكنولوجيا وتعتمد اعتماداً أكبر على التواصل المباشر، وهذا يعني أن إجراءات احتواء انتشار المرض المصممة للحد من التواصل بين البشر التي يتبناها المستهلكون المذعورون، قد تؤدي إلى خسائر أكبر.
وفي العديد من البلدان ذات الدخول المنخفضة، مثلما هو الحال في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، هناك مناخ أكثر دفئاً وغالبية السكان من الشباب، ويقترن ذلك بقلة الكثافة السكانية وتركز السكان في المناطق الريفية، وقلة السفر داخل وخارج البلاد، وهذا كله قد يساعد في الحد من وتيرة انتشار الفيروس.
وأوضح، "في بعض السياقات، قد تؤدي العواقب الاقتصادية المترتبة على هذا المرض إلى تضرر عدد يفوق المتضررين من المرض نفسه. دعونا نفكر في الفقراء بالعديد من البلدان الذين يعتمدون على الواردات لتلبية احتياجاتهم الغذائية وحاجتهم من الوقود، ويعتمدون على الصادرات من السلع الأساسية ليدفعوا مقابل احتياجاتهم. ولمثل هؤلاء، فإن التراجع الاقتصادي بسبب كورونا يعني ارتفاعاً كبيراً في أسعار الواردات وانخفاضاً كبيراً في الصادرات. نحن بحاجة إلى ضمان نجاتهم من تلك الضربة القاضية المزدوجة".
هذا ما يجب اتباعه لتجنب أزمة غذاء
وحول ما يجب اتباعه للحد من تأثير الأمن الغذائي بسبب الأزمة الحالية، يرى "حسين" أنه ليس بالضرورة أن تتحول جائحة فيروس كورونا إلى أزمة تؤثر في الأمن الغذائي. مؤكداً أن "الجانب المشرق من الأمر هو أن هذا الوباء لا يلزم بالضرورة أن يؤدي إلى أزمة".
وحذر قائلاً، "تتوقف درجة تأثير انتشار المرض في أسواق المواد الغذائية على احتفاظ البلدان بهدوئها في مواجهة اضطرابات سلسة الإمداد وعدم اللجوء إلى سياسات إفقار الجار. والتدفق السلس للتجارة العالمية سيساعد على تأمين توريد الأغذية".
وأضاف، "إن مراقبة أسعار الأغذية ومراقبة الأسواق، وهو المجال الذي يتمتع فيه البرنامج بخبرة طويلة، وتبادل المعلومات حول هذا الشأن بشفافية ستعمل على تعزيز السياسات الحكومية والحيلولة دون انتشار الذعر بين الأشخاص". ومن الأهمية أن يتوفر الدعم للبلدان والشعوب الأشد احتياجاً، ليس عن طريق توفير الرعاية الصحية فحسب، وإنما أيضاً عن طريق المساعدات من خلال شبكات الأمان التي تتمتع بالمرونة في الاستجابة للأزمات.
تأثير كبير في سلامة ووفرة الغذاء
ويرى خبير الأمن الغذائي والطوارئ فاضل الزعبي، أن قطاع الزراعة لن ينأى بنفسه عن الأزمة الحالية، وهذا يؤثر في مبدأ الأمن الغذائي الذي يتركز على 3 عناصر تتمثل في توفيره، وأن يكون سليماً مع سهولة الوصول إليه.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية أثرت بالفعل في حركة النقل في ظل تقييد الحركة ودعم إطلاقها بشكل كامل. كما أنها تؤثر أيضاً في سلامة الغذاء، خاصة أن العالم بحاجة إلى أغذية معينة لتقوية أجهزة الجسم لمواجهة كورونا. ولفت إلى أن العالم سيواجه بالفعل أزمة في انخفاض الدخول وعدم مرونة في فرص العمل، وبالتالي تتأثر الفئات التي تحصل على غذائها يوماً بيوم.
وما يحدث في الوقت الحالي تسبب بشكل مباشر في تكالب كبير على السلع، وهو ما يتسبب في ارتفاع أسعارها، وبالتالي عدم قرة البعض على شرائها.