كان توماس فَدج يجول عبر الهند في صيفٍ جامعي عندما أُصيب بمرض. كان في ذلك الوقت طالباً جامعياً يدرس تصميم المنتجات، لكن بعد شهر من إصابته بالعدوى المرتبطة بالمياه الوسخة وبمسألة التعقيم في البلاد، عاد إلى إنجلترا بخسارةٍ في وزنه تخطّت ستة كيلوغرامات، لكن بنواة فكرةٍ عن عملٍ يمكنه استخدام أحدث التقنيات لتحويل المياه الوسخة إلى طاقة.
ويقول عبر الهاتف من مكتب شركته الناشئة التي أطلق عليها اسم "وايْز" Wase في غرب لندن، والتي تستخدم تقنياتٍ هي الأحدث في مجال تحويل مياه المراحيض إلى طاقة: "كنتُ مريضاً لمدة ثلاثة أشهر بسبب مشاكل في المعدة، وهذا ما حفّزني على الاهتمام بإيجاد الطرق الهادفة إلى التخلّص من النفايات ووقف انتشار الأمراض".
شركة "وايْز ليميتد" تعد مثالاً على الاقتصاد الدائري، فهي تأخذ على سبيل المثال الماء الوسخ من المراحيض في مخيّم للاجئين، وتعمل على إعادة تكريره عبر نظامٍ لإنتاج غاز الميثان. ويمكن استخدام الميثان مصدر طاقةٍ غازية للتدفئة والطبخ، في حين أن مياه الصرف المتبقية تكون مليئةً بالعناصر الغذائية بما فيها الفوسفور والبوتاسيوم والنيترات التي يمكن استخدامها سماداً للزراعة.
العملية العلمية هذه تعتبر تحسيناً لتلك المعتمدة في الهضم اللاهوائي anaerobic digestion (التحلّل الحيوي بطريقة طبيعية للمواد العضوية في غياب الأوكسجين)، التي تُستخدم على نطاق واسع من قبل محلات السوبر ماركت لتحويل فضلات الطعام إلى غاز حيوي، والذي يمكن بعد ذلك تحويله إلى كهرباء من خلال الحرق.
وقد أدخلت شركة "وايْز" تقنية القطب الكهربائي الذي يسرّع التفتّت البيولوجي للنفايات. ويمكن للهيدروجين الذي يتكوّن خلال عملية الهضم اللاهوائي هذه أن يُستهلك بواسطة البكتيريا، ما يحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى غاز ميثان في وقتٍ أسرع.
أدى ذلك إلى زيادة بنسبة 20 في المئة من الميثان وهو المكوّن الكيميائي الأكبر للغاز الحيوي، بحيث يمكنه توليد طاقة تزيد بنحو 1.3 إلى 1.7 مرّة أكثر من الهضم اللاهوائي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن أن تكون عملية "وايْز" لامركزيةً بشكلٍ كامل، بحيث تُعالج مياه الصرف الصحّي من المصدر، بدلاً من المسار باهظ الكلفة الذي يقوم راهناً على ضخّها إلى محطةٍ مركزية من أجل القيام في ما بعد بمعالجتها.
وهذا يعني احتمال أن يكون منعطف تحوّل لمجتمعات اللاجئين التي لا تستطيع الوصول إلى المراحيض، كما يمكنها أن تقدّم حلاً للبلدان المتقدّمة التي تبحث عن طرق واعية بيئيّاً للتخلّص من النفايات من خلال إعادة التكرير.
معلوم أنّ هناك حاجةً ملحّةً لنظامٍ أفضل في المملكة المتّحدة، ولا سيما نظام الصرف الصحّي الفيكتوري في العاصمة لندن الذي يتطلّب تجديداً ملحّاً. ويقول فَدج إن الظهور المتكرّر لأطواد الزهم (fatbergs) -أو الكتل المتجمّدة العملاقة من الدهون والزيوت والحفّاضات الرطبة والنفايات الصحّية- هي إشارة إلى أن البنية التحتية الراهنة المعتمدة للتخلّص من النفايات لم تعد تفي بالغرض.
ويرى أنه على السلطات المعنية في بريطانيا أن تفكّر في طرق مختلفة تماماً للتخلّص من النفايات.
وبدلاً من دمج جميع مياه الصرف الصحّي في نهر كبير من المواد الكيماوية والبكتيريا والمواد العضوية، يجب أن تبقي تيّارات الصرف منفصلةً من خلال تيّار واحد لمخلّفات المرحاض وآخر للغسالة على سبيل المثال، كي تكون معالجتها للمخلّفات أكثر فاعلية.
توماس فَدج يعتبر "أن اللامركزية هي الطريق للمضي قدماً في هذا الإطار لأنّ كلفة أعمال الصرف الصحّي باهظة الثمن ومكلفة جداً وغالباً ما تكون هناك مشاكل. يجب أن يحاول القطاع معالجة النفايات من المصدر.
وما يحصل الآن هو أنّ أعمال الصرف الصحّي تجمع بين مجاريها كلّها، وتكدّس الملوّثات بحيث يصبح استخراجها أكثر صعوبة، بينما إذا قمنا بمعالجة النفايات من المصدر، يصبح من السهل التعامل معها ويمكن توليد الطاقة منها".
يأتي حديث فَدج مع "اندبندنت" بعد وقتٍ قصير من عودته من رحلة إلى كينيا، حيث زار مخيّمَيْن للاجئين هناك ربّما يتمكّنان قريباً من الحصول على الأنظمة الصحّية لشركة "وايْز". ففي مدينة داداب الواقعة شرق البلاد، يُوجد مخيّم قائمٌ منذ نحو ثلاثين عاماً يضمّ الآن أكثر من مئتي ألف شخص، ويحصل المقيمون فيه على كهرباء من مولّدات ديزل تتوافر فقط خلال فترة الليل ويمكن أن تكون غير آمنة. ويستخدمون في المقابل الفحم أو الحطب في أعمال الطهي، ما يسبّب أحياناً مشاكل صحّية نتيجة استنشاق الدخان.
ويشير فَدج إلى أنه كان من المثير للاهتمام بالنسبة إليه "التحدّث مع الناس ومحاولة بلورة الطرق التي يمكننا من خلالها تنفيذ التكنولوجيا"، مضيفاً "قالت لي أمّ لخمسة أطفال إنه في الوقت الراهن، عليهم إنشاء حفرة مرحاض كلّ ستة أشهر. وبيّنت لنا أين دفنت مراحيض حُفرت في السابق. وكانت تدلّ على الحفرة الأخيرة حيث لم يكن هناك من مكان، وفي هذه الحالة كان على الأسرة أن تتغوّط في العراء. وعندما تحدّثنا معها عن تقنية معالجة مياه الصرف الصحّي، أبدت حماسةً واضحة لمعرفة كيف يمكن أن تساعدها في حلّ مشكلتها".
ويردف "زرنا أيضاً أحد المسالخ حيث يتمّ التخلّص من المخلّفات في أحواض مفتوحة. وقد تكون هذه المخلّفات فرصةً كبيرة لمعالجة نحو خمسة آلاف ليتر من مياه الصرف الصحّي التي ينتجها المسلخ كل يوم".
شركة "وايْز ليميتد" التي تأسّست عام 2017، هي الآن إحدى المؤسّسات المؤهّلة للتصفيات النهائية العالمية في مسابقة Chivas Venture لروّاد الأعمال التي يُمنح الفائز فيها مبلغ مليون دولار أميركي لتمويل شركات اجتماعية ذات تأثير إيجابي في العالم. وكانت الشركة التي لديها ثمانية موظّفين قد اختتمت للتو جولة صغيرة نجحت فيها في الحصول على تمويل صغير، وتأمل في جمع نحو مليون وخمسمئة ألف جنيه استرليني (1.92 مليون دولار) أخرى في الربع الأول من عام 2021، لتعزيز فريقها ونقل منتجها SaniWase إلى الأسواق.
وتتعاون شركة "وايْز" هذه السنة مع منظّمة SNV الهولندية التي تعمل في مجال تعزيز التنمية المستدامة ولا تتوخّى الربح، لتطوير حلول لمخيّمات اللاجئين تمكن إدارتها من قبل الأشخاص محليّاً، بحيث تكون مستدامةً على المدى الطويل. ويقول فَدج إن "هناك مشكلة في شأن طريقة دفع أموال لقاء هذه الخدمات. فنحن نحاول تطوير العلاقات مع الصناعات لأنّ قطاع الصرف الصحّي هو قطاع يصعب جدّاً العمل فيه، ويعتمد بشكل كبير على المنح لتطوير نموذج الأعمال مع مرور الوقت".
أما في لندن، فتعمل شركة "وايْز" مع مصنع Forest Road Brewery للبيرة. وتتمثّل الفكرة في استخدام نظام SaniWase المعياري الذي يمكّن المنشأة من إعادة تكرير نفاياتها في الموقع، ما يساعدها في الحصول على غازٍ حيوي يمكن استخدامه لتشغيل مصنع الجعة. ويقول جيمس غارستانغ، رئيس مصنع البيرة في "فوريست رود" إنه بالنسبة إليه "تُعدّ إعادة تكرير مياه الصرف الصحّي إحدى طرق إثبات الأعمال المستقبلية". ويضيف: "عملتُ في هذه الصناعة على مدى عقدٍ من الزمن، فهي تصيبك بالإحباط عندما تصبّ المخلّفات في أنابيب الصرف. وإذا أردت النمو في الأعمال، فعليك الاهتمام بهذه الجوانب".
لكن توماس فَدج يأمل في أن يتم دمج منتج شركته SaniWase على المدى الطويل في الأنظمة الراهنة المعتمدة للتخلّص من النفايات، من الصناعات إلى المنازل. ويقول في هذا الإطار: "يمكن استخدام تقنيّتنا لاستبدال خزّانات الصرف الصحّي، لكن أيضاً بالنسبة إلى المرافق لتحديث الأنظمة لديها وتوليد الغاز الحيوي. إنّ لدى تلك المرافق حقّاً نطاقَ عمل كبيراً".
© The Independent