قد يبدو الحكم بالسّجن وكأنّه عقاب قاس، ولكنّه في الحقيقة عقابٌ سهل، على حدّ قول مستشاري السّجون.
في 24 فبراير (شباط) 2020، ثبُتت على هارفي وينستين تهمتا الاغتصاب من الدّرجة الثالثة وارتكاب فعلٍ إجراميّ ذي طابع جنسي. وفي يوم الأربعاء الموافق 11 مارس (آذار)، حُكم عليه بالسّجن مدّة 23 عاماً.
وبعد صدور الحكم بفترةٍ وجيزة، كُشف النّقاب عن أنّ منتج الأفلام السّابق استعان ويستعين بخدمات مستشار سجون يُدعى كريغ روثفيلد.
وللوقوف على ما يُمكن أن يُقدّمه مستشارو السّجون لعملائهم وما ينبغي على المجرمين أن يعرفوه قبل دخول السّجن، كان لنا حديثٌ خاص مع جاستين بابيرني، مستشار سجون فيديرالي ومؤلف كتاب "دروس من السّجن" (Lessons From Prison) والشّريك المؤسّس لـ"وايت كولار أدفايس" (White Collar Advice)؛ وقد شكّل الحديث فرصةً اطلعنا من خلالها على أهم النّقاط التي يقوم عليها نجاح عقوبة السّجن والدّور الذي يُمكن أن يلعبه مستشارو السّجون في هذا الإطار.
فحسب بابيرني، هناك بعض الأمور التي لا بدّ للمرء أن يعرفها قبل أن تطأ قدماه أرض السّجن للمرّة الأولى – ولعلّ أولّها والأهمّ: الإدراك الواعي والتّام بأنّ تجربة ما وراء القضبان ستكون أشدّ وطأةً على أحبّائه.
"تجربة السّجن أصعب بكثير على الذين يُحبّون السّجين ويدعمونه،" صرح لنا بابيرني.
وأضاف أنّه على كلّ سجينٍ جديد الحرص على تفادي الشّكوى من الحكم عليه بمجرّد دخوله إلى السّجن – لاسيما إن كان من أصحاب الياقات البيضاء – لأنّه لن يلقى التّعاطف الذي يرجوه من السّجناء الآخرين.
"من الأفضل له ألا ينتحب أو يتذمّر من مدّة محكوميّته، لاسيما إن كان مجرماً من ذوي الياقات البيضاء"، فـ"السجناء من حوله لم يتذوّقوا طعم الحرية منذ عقود ولا يُريدون سماع أيّ شيء عن هذا الموضوع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بوجهٍ عام، على كلّ محكومٍ عليه جديد أن يتلافى الدّخول في سجالات ونقاشات مع من حوله، قال بابيرني الذي أكّد أنّه لا يجدر "بالسّجناء للمرة الأولى أن يتحدّثوا إلى الموظفين أو الحراس أو مديري القضايا أو مديري الإصلاحيات إلا في حالة الضّرورة القصوى".
إلى ذلك، نصح بابيرني السّجناء الجدد بـ "تعزيز فهمهم بيئتهم قبل محاولة التّلاعب بها لمصلحتهم"، موضّحاً أنّ "عدداً من السّجناء معتادون على تنفيذ الأمور على طريقتهم، قل إنّهم معتادون على الحصول على كلّ ما يريدونه، من هواتف أيفون ووجبات طعام أفضل وفراش أفضل... لكنّهم في عالمٍ جديد الآن وعليهم أن يفهموا ذلك قبل أن يُحاولوا بأيّ طريقة التّلاعب به".
وصحيح أنّ هذه النّصيحة مفيدة للسجناء بشكلٍ عام، ولكنّها مفيدة لسجناء جرائم الياقات البيضاء أمثال وينستين بشكلٍ خاص، والذين قد يجدون "صعوبةً أكبر في العيش خارج الشّبكة وخارج نمط عيشهم التّقليدي".
ففي كثيرٍ من الأحيان، يتحوّل مشاهير السّجناء إلى الهدف الأوّل والأخير لأشخاصٍ يسعون لاستغلالهم أو لجعلهم عبرةً لمن اعتبر، وفي كثيرٍ من الأحيان أيضاً يتعذّر عليهم التّواري عن الأنظار من البداية، إذ من غير المألوف ألا يعرف بقدومهم السّجناء والحراس.
لكنّ عمل هؤلاء يبدأ فعلياً منذ لحظة دخولهم إلى السّجن – وهنا يُتوقّع للعملاء المتعاقدين مع مستشاري سجون أن "ينطلقوا بسرعة وبقوّة". وهذا يعني، برأي بابيرني، أن يدخلوا إلى السجن على أساس أنّهم سيمضون فترة حكمهم بتحسين ذواتهم من خلال القراءة والكتابة والتفكير والتّعلّم.
ومع التّسليم بأنّ الحياة اليومية للسجناء تختلف تبعاً لاهتمامات ومصالح كلّ واحدٍ فيهم، شدّد بابيرني على أنّه ينبغي "على كلّ سجين أن يضع لنفسه روتيناً يفخر به من يُحبّه ويدعمه، كالاستيقاظ مبكراً في الصّباح والقراءة والكتابة وممارسة التّمارين وتجنّب الصّخب والدّراما والمشاكل والملل المحتوم".
وأردف أنّه ينبغي على كلّ سجين كذلك أن يُحدّد لنفسه أهدافاً ويُشجع أحبّاءه على محاسبته عليها – وهذه الوسيلة هي التي اتّبعها بابيرني شخصياً طيلة محكوميّته التي دامت 18 شهراً بتهمة ارتكاب انتهاك قوانين الأوراق الماليّة.
"لم يكن هناك أيّ شيء غامض أو مُبهم بشأن الخطط التّي وضعتُها داخل السّجن والتي يُفترض بها أن تُساعدني لدى خروجي منه. صدّقوا أو لا تُصدّقوا، مقاييس المساءلة هي المفتاح لهذه الخطط. وبفضلها، يمكن السجناء أن يجعلوا من محكوميّتهم فترةً مُلهمة ومُبهجة بطرقٍ عديدة".
يظهر أنّ اتّباع روتينٍ يوميّ محدّد قادر على تحسين وضع السّجناء وزيادتهم قوةً – وبنظر بابيرني، هذا الأمر ممكن بالنّسبة إلى وينستين - وإن كان السّجن بحدّ ذاته تجربة "مهلكة ومروّعة".
"لا داعي لأن يكون الحكم بالسّجن نهاية العالم؛ فالواحد منّا قادر على تحقيق النّجاحات داخل السّجن وخارجه. يُمكن] وينستين [أن يقضي فترةً منتجة جداً وراء القضبان؛ يُمكنه أن يُعلّم السجناء الآخرين ويكون لهم مصدر إلهام، كما يُمكنه أن يردّ الجميل ويمدّ يد العون لمن يحتاجها"، ذكر بابيرني عن الرّجل المُقبل على السّجن والبالغ من العمر 67 سنة.
ولكنّ أيّ عملية تحسين ذاتي داخل السّجن لا تكون مجدية ما لم يكن السّجين المعني بها قادراً على تخطي التحديات التي يُمكن أن تواجهه بعد انتهاء محكوميّته وخروجه إلى الحريّة. فوفقاً لبابيرني الذي يعتقد بشدّة أنّ "أصعب يومين هما اليوم الذي يُسلّم فيه السجين نفسه واليوم الذي يعود فيه إلى دياره، "الحياة بعد السّجن محفوفة بالصّعوبات – وهنا يكمن دور مستشاري السّجون في مساعدة العملاء على "التركيز على الأمور المغيّرة لمجرى حياتهم".
وتابع حديثه قائلاً: "لدخول السّجن الكثير من العواقب الجانبيّة، كالإطاحة بسمعة المحكوم عليه؛ والكثير من العواقب المالية، كأتعاب المحامين والتّعويضات وعدم القدرة على الحصول على ترخيص يُجيز للمحكوم عليه العمل في الميدان نفسه من جديد؛ هذا بالإضافة طبعاً إلى "العواقب الذّهنية وخوف المحكوم عليه من نظرة النّاس له ومن اعتباره مجرماً يستغلّ الآخرين".
فتجربة الحبس، بحسب وصف بابيرني، "مؤلمة ومذلّة". "وبصرف النّظر عن الجهود التي نبذلها في سبيل النّهوض بها، لا يمكننا أن نُغيّر حقيقة أنها تعزل المحكوم عليه عن سوق العمل وتدمر سمعته وشبكة معارفه".
"والحقيقة أنّ الهمّ الأكبر ليس الحياة خلف القضبان إنّما: "ماذا أفعل كي لا تستمرّ محكوميّتي مدى الحياة؟"
هذا ويُمكن مستشاري السّجون أن يُفيدوا عملاءهم من قبل صدور الحكم بحقّهم – وذلك من خلال مساعدتهم في التّعبير عن سبب استحقاقهم للرأفة والليونة أو في مساءلة محاميهم. "ما نقوم به يُساعد المحامين على التّرويج لفكرة استحقاق موكليهم للعقوبة الأفضل"، ختم بابيرني.
يُذكر أنّ الحكم بالسّجن صدر بحقّ وينستين الذي حضر إلى المحكمة العليا في مانهاتن مكبّلاً بالأصفاد، يوم الأربعاء.
© The Independent