فيروس كورونا بكل ما أحدثه من خسائر بشرية ومادية واقتصادية، كشف أيضاً عن عواقب الاعتماد المفرط على سوق رئيسة واحدة فقط، فرغم تشابك العلاقات الاقتصادية الأميركية والصينية، من سلاسل التوريد إلى الاستثمار وتدفقات التجارة فإن الدرس الذي لقنه كورونا للعالم هو قيمة التنويع بعيداً عن الصين.
تداعيات الوباء على أسواق المال والتجارة والاقتصاد العالمي قد تمهد لإعادة رسم خريطة القوى الاقتصادية في العالم، بعد الهشاشة التي أظهرتها أكبر ثلاث قوى اقتصادية في العالم، الولايات المتحدة والصين واليابان، في مواجهة تداعيات فيروس كورونا، والتي ركعت الصين، وضربت أسواق المال في الولايات المتحدة وأدخلتها في هبوط هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، وأدخلت الاقتصاد الياباني في سُبات الركود الاقتصادي.
عائدات مفقودة
وباء كورونا الذي انطلق من مدينة ووهان الصينية، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وانتشر في جميع أنحاء الدنيا مخلفاً 119 ألف إصابة وآلاف القتلى، فرض على الشركات في العالم التعامل مع العائدات المفقودة في وقت تعطلت سلاسل الإمداد العالمية بسبب إغلاق المصانع في الصين.
وبعد أسابيع من فرض الصين قيود السفر على ملايين من سكانها، فرضت إيطاليا تدابير الحجر الصحي على جميع السكان، وفي 11 مارس (آذار)، تم إخبار بعض الصناعات الرئيسة في ووهان أنها يمكن أن تستأنف، بعد يوم من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ المدينة للمرة الأولى منذ بدء تفشي المرض.
المنتدى الاقتصادي العالمي حذّر من تداعيات الوباء، قائلاً إنه يمثل تحدياً للاقتصاد العالمي على قدم المساواة مع الأزمة المالية التي انتشرت قبل أكثر من عقد بقليل، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد يؤدي الانتشار الواسع لـ"كوفيد-19" إلى تراجع النمو العالمي إلى 1.5 في المئة في عام 2020، وهو انخفاض حاد عن الزيادة المقدرة نسبتها بـ2.9 في المئة المسجلة لعام 2019، في وقت يبذل العالم جهوداً يائسة لاحتواء انتشار ما أصبح تفشياً مدمراً للغاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصنع العالم
الصين موطن الغالبية العظمى من جميع الحالات المؤكدة للفيروس، والتي توصف أيضاً باسم "مصنع العالم"، نظراً لكمية التصنيع العالمية الكبيرة فيها، حيث استحوذت على نحو 4 تريليونات دولار في "القيمة المضافة" للصناعات التحويلية (وهو مصطلح يمثل كل الناتج الصافي) في 2018، أو ما يقرب من ثلث الإجمالي العالمي لذلك العام، وفقاً لبيانات البنك الدولي، كما أن الصين موطن لسبعة من أكثر عشرة موانئ حاويات ازدحاماً في العالم.
ومع ذلك، في فبراير (شباط) الماضي بدأت منظمة الصحة العالمية في إصدار تقارير الحالة المتعلقة بالفيروس، وانخفض مؤشرCaixin-Markit لمديري مشتريات التصنيع، وهو مقياس لنشاط التصنيع المحلي، إلى أدنى مستوى له منذ ظهوره للمرة الأولى في أوائل عام 2004، واضطرت شركات الشحن التي تجلب البضائع من الصين إلى بقية العالم إلى تقليل عدد السفن العاملة بسبب انخفاض الطلب، وفي بعض الحالات لم تتمكن من الوصول إلى الموانئ بسبب عمليات الإغلاق.
وقال زير التجارة الأميركي، ويلبر روس، إن التفشي المميت للمرض في الصين قد يكون مفيداً لأميركا، وسيقود الشركات إلى إعادة النظر في سلاسل التوريد الخاصة بها، وإعادة الوظائف والتصنيع إلى الولايات المتحدة، وتوقع أن يسهم ذلك في تسريع عودة الوظائف إلى أميركا الشمالية، البعض إلى الولايات المتحدة، والآخر إلى المكسيك.
انفصال القوتين
الحديث عن خطر انفصال القوتين الرئيستين في العالم مع ظهور معركتهما التجارية، التي بدأت في عام 2018، واشتدت لاحقاً أدى إلى فرض مليارات من الدولارات من الرسوم الجمركية على سلع بعضهما البعض، واتهمت واشنطن بكين بسرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري، ما جعل البيت الأبيض ينظر في إمكانية فرض بعض القيود على الاستثمارات الأميركية في البلد الآسيوي، مثل شطب الأسهم الصينية في الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا.
وكانت أميركا والصين وقعتا في يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقاً تجارياً جزئياً، تضمن التزاماً كبيراً من الثانية بشراء ما لا يقل عن 200 مليار دولار من السلع الأمريكية على مدى عامين، ويشمل ذلك السلع المصنعة والأغذية والزراعة ومنتجات وخدمات الطاقة.
ووصف بنك نومورا الاستشاري في مذكرة اندماج الصين مع الاقتصاد العالمي بـ"العميق"، حيث أسهم العملاق الآسيوي في 12 في المئة من حجم التجارة العالمية العام الماضي، وتعتمد سلاسل التوريد للعديد من الشركات، بما في ذلك الشركات الأميركية، بشكل كبير على التصنيع في الصين.
والحرب التجارية بين واشنطن وبكين والتعريفات الجمركية المتبادلة ضربت بعض الاقتصادات الآسيوية مع تدافع الشركات لتجنب الرسوم وتحويل التدفقات التجارية، ولكن كان هناك أيضاً فائزون.
أسواق بديلة
وأوقف الانتشار العالمي لوباء كورونا، العديد من سلاسل التوريد التي تعتمد على التصنيع في الصين، ومع ذلك، قد تكون بعض الشركات في وضع أفضل قليلاً مما كانت عليه بخلاف ذلك بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فرض تعريفات إضافية على الواردات الصينية.
وبسبب هذه الحرب التي طال أمدها، سعت بعض الشركات الأميركية إلى إخراج شحناتها من الصين قبل التعريفات المقررة مسبقاً، وفقاً لمذكرة من "Wells Fargo" للأوراق المالية، ما يعني أن تلك الشركات ستكون أمامها خيارات تصنيع أخرى إذا لم يتعافى قطاع التصنيع في الصين بسرعة كافية.
وعلاوة على ذلك، دفعت الحرب التجارية العديد من الشركات إلى السعي لتنويع صناعتها خارج الصين، ما منحها وجهات محتملة أخرى لمواصلة إنتاجها والحد من تعطل سلسلة التوريد، وفيتنام التي تم إنقاذها حتى الآن من وباء كورونا، يمكن أن تكون وجهة بديلة عن المصانع الصينية، وحتى الآن تعد أكبر مستفيد أجنبي من الحرب التجارية الأميركية الصينية.
وهناك أيضاً دول استفادت هي الأخرى من الموت السريري للمصانع الصينية مثل سنغافورة، حيث تشير البيانات التجارية لعام 2019 إلى أن الشركات الأميركية ابتعدت عن الاعتماد على بكين واتجهت إلى فيتنام وسنغافورة، وقد يخفف تحول الإنتاج الضربة التي تلحق بالمصنِّعين الأميركيين الذين ربما كانوا يعتمدون في الماضي فقط على الصين.