Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المنهج الأميركي للسيطرة على فيروس كورونا

مفاتيح الحل: تعزيز الثقة والشفافية والتعاون الدولي والقطاع الخاص

تتعهّد الإدارة الأميركية بسلسلة من الإجراءات المتتالية وفقاً للتطورات المتلاحقة (غيتي)

اندفاع عاجل لم تشهده الولايات المتحدة منذ أحداث سبتمبر 2001 والأزمة الاقتصادية في 2008. البيت الأبيض والكونغرس أطلقا محادثات لإنقاذ الاقتصاد الأميركي، فيما تتواصل النقاشات الساخنة بين مسؤولي الصحة حول أين ينبغي إغلاق بعض القطاعات الاقتصادية للحدّ من انتشار فيروس كورونا ووقف حالة الذعر التي تسود الأمة الأميركية.

 وفي الوقت ذاته، تعلن إدارة ترمب حزمة من الإجراءات التي تستهدف تقييد المرض. ووسط هذا الاندفاع، نصحت مراكز الأبحاث والدراسات الإدارة الأميركية، باتّباع منهج عاقل يقوم على تعزيز الثقة والشفافية والتعاون الدولي والقطاع الخاص.

تعدد الإجراءات

تتعدّد الإجراءات الأميركية للحد من تفشي الفيروس الذي قتل نحو 4 آلاف وأصاب أكثر من 100 ألف شخص، وسبّب أضراراً بالغة لأكبر اقتصاد في العالم، وهي إجراءات تقول إدارة ترمب إنها حاسمة ومتعدّدة الأوجه، إذ تشمل جوانب مالية لتحفيز الاقتصاد، وحزمة مساعدات لتخفيف التأثيرات السلبية في المناطق المتضررة، كما تشمل جوانب صحية قد تمتد لتقييد حركة تنقّل المواطنين في بعض المناطق، فضلاً عن نصائح لتجنّب السفر في سفن سياحية تجوب البحار.

إجراءات الحماية

وبينما تتعهّد الإدارة الأميركية بسلسلة من الإجراءات المتتالية وفقاً للتطورات المتلاحقة، طالب خبراء في مجال الصحة العامة والعلوم الحيوية والأمن القومي والاستجابة الطارئة باتّباع استراتيجية متكاملة تعتمد على عناصر مختلفة وتستفيد من التجارب السابقة والدراسات الحديثة والنماذج الافتراضية التي وضعتها مراكز بحثية متخصصة.

وتأتي على رأس المطالب، ضرورة اتخاذ قرارات فورية لعلاج بعض المشاكل التي تعوق إجراءات الحماية المتمثلة في الفحوص والاختبارات والعزل ومن ثم معالجة المرضى، عبر تدعيم الإدارة الأميركية وتمويلها شبكة من المستشفيات المتخصصة المجهزة بمستويات عالية للرعاية الصحية وتعزيز الأمان للمرضى المصابين بالعدوى الفيروسية التي كانت قد شكّلتها الإدارة الأميركية السابقة عام 2014 لمواجهة فيروس إيبولا.

وفي حين تحذّر مجلة "فورين أفيرز" الأميركية من أن جزءًا كبيراً حول التهديد الحالي للمرض لا يزال مجهولاً، ممّا قد يحدّ من الرد الحكومي الفاعل، وبالتالي، عدم معرفة العدد الحقيقي للمصابين، وتشير أيضاً إلى أن حجم المشكلة يمكن استجلاؤه بعد تشغيل أجهزة الاختبار والفحص بسرعة وتوزيعها على الفرق الطبية المختلفة في أرجاء الولايات المتحدة، مع تمويل شبكة المستشفيات المتميزة قبل أن ينتهي تفويض تمويلها السابق في مايو (أيار) المقبل.

نظرة أشمل

في سياق متصل، تقول ليزا موناكو من مركز العلاقات الخارجية في واشنطن، إن على الولايات المتحدة أن تفكر بطريقة أشمل محلياً وعالمياً للاستعداد للوباء خلال فترة أطول من الوقت، مضيفةً أنه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أسّست الحكومة الفيدرالية مكاتب في الولايات المختلفة والمقاطعات لتمويل برامج لتدريب رجال الإطفاء والإنقاذ حول كيفية التعامل مع التهديدات الجديدة، وأنه ينبغي الآن تمويل برامج جديدة لتحسين قدرتهم على مواجهة تفشي الوباء، بخاصة أنهم يقفون في الخط الأمامي على جبهة التصدّي للفيروس القاتل.

 

الضحية الأولى... العقل

ويعتبر خبراء أميركيون أن الضحية الأولى للأزمة التي تعصف بالعالم، هي العقل، ذلك أن الرسائل المتضاربة تزيد حالة الاضطراب والذعر، فيما يحتاج الأميركيون إلى حقائق من علماء متخصصين أجندتهم وبرنامجهم العلم فقط وليس التخمين،  إذ يتحدث خبراء الصحة العامة بلغة العقل لتقديم معلومات قيّمة ومفيدة للمجتمعات عن كيفية البقاء في مأمن من المرض.

ويحذّر الخبراء من أنه إذا فقد الشعب الأميركي الثقة في مصداقية الحكومة وسط أزمة صحية خطيرة وعامة، فإنّ الدمار سيتجاوز دائرة الأخبار، وقد يؤدي إلى وفيات عدّة على الرغم من أن الحال لم يصل حتى الآن إلى مرحلة الذعر.

سيناريو يوم القيامة

وعلى الرغم من أن انتقال فيروس كورونا القاتل من الصين إلى الولايات المتحدة بسرعة أدهش الأميركيين، إلاّ أنّه كان أمراً متوقّعاً لخبراء الأمن الصحي الذين اجتمعوا في واشنطن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ليرسموا سيناريو يساعدهم في تحديد خطة لمواجهة تفشي فيروس قاتل من سلسلة عائلة فيروسات كورونا، وهو ما تم بعد ذلك بالفعل.

وفي هذا السيناريو الذي يشبه يوم القيامة، افترض الخبراء أنّ الحياة بشكلها الطبيعي ستتوقف في الولايات المتحدة، حيث سيركز المواطنون على صحتهم الشخصية وصحة عائلاتهم، كما توقّع الخبراء أنّ حظر السفر في الولايات المتحدة سيضرّ بالتجارة والتعاون الدولي، نظراً إلى سهولة تطبيق الحظر وصعوبة إلغائه، مما سيُضرّ بحركة الأشخاص، ويلحق الأذى بالاقتصاد الأميركي القائم على الخدمات، فضلاً عن تباطؤ النشاط الاقتصادي في أرجاء البلاد كافة.  

كما توقّع نموذج هذا السيناريو أن تلجأ الحكومات إلى إطلاق محفزات نقدية ومالية لتهدئة الأسواق وتحفيز النمو الاقتصادي وهو ما تم بالفعل حين خفّض مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة بمعدل نصف نقطة مئوية.

تعزيز الثقة والتعاون الدولي

من جهة ثانية، يرى صامويل برانين، مدير مجموعة المخاطر والتوقعات في مركز الدراسات السياسية والدولية، أنّ اتخاذ إجراءات وقائية حاسمة تمثّل أهمية كبرى، عبر تعزيز الثقة والتعاون الدولي بين الحكومات وكذلك التعاون مع الشركات والعمال والمواطنين قبل أن تتفشّى العدوى، وهو ما حقّق نجاحات في تجارب سابقة، فبعد تفشي فيروس إيبولا بين عامَيْ 2014 – 2016، خرجت سلسلة قرارات بضخّ أموال واستثمارات وانطلاق مبادرات داخل الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وأماكن أخرى.

ويشكّل ارتفاع معدل عدم الثقة بين الدول مشكلة حقيقية، ففي وسط التوترات التجارية، والتدخلات المتزايدة من دولة ما في سياسة دولة أخرى، وارتفاع التوترات العسكرية في الأماكن الساخنة، تجد المنظمات الدولية نفسها بين شقَّيْ الرحى فلا تستطيع أن تمارس دورها ووظيفتها الحالية.

وتُعدُّ أفضل طريقة لحماية الولايات المتحدة، وقف انتشار المرض من مصدره وهو ما يعني التعامل على المستوى الدولي، غير أنّ النمو السكاني الصاروخي والهجرة الجماعية والهجرة إلى الحضر، جعلت العالم معرضاً بشكل أكبر لانتقال العدوى والأمراض المميتة بسرعة شديدة.

ويشير باحثون إلى أنّ 70 دولة ومنظمة عالمية وشركات القطاع الخاص، شكّلت عام 2014 برنامجاً للأمن الصحي العالمي لمنع انتشار الأمراض وتقليله حول العالم.

كما دعت دراسة للحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تمويل هذا البرنامج لتجنّب حدوث أزمات صحية، قبل أن تصل الأراضي الأميركية من خلال تحفيز البلاد المختلفة على الاستثمار في نظم الرعاية الصحية داخل كل بلد بتمويل دولي جديد مخصص لهذا الغرض.

الشفافية والاتصالات

وفي حين تدق التغييرات الحالية التي يشهدها العالم ناقوس خطر في ما يتعلق بالأمن الصحي، فإنّ هناك حاجة مُلحة لتأسيس نظام رسائل متبادلة دائم ومتواصل، وتوفير مصادر معلومات موثوق بها، ذلك أن المكوّن الرئيس للتعاطي والتعامل مع الوباء هو تحديد نظام عام وبروتوكولات، وإجراءات تتّسم بالشفافية. لكن اليوم لا توجد سوى ثقة هشة في المؤسسات والقادة، بينما تتوافر أدلة بوجود نوع من التضليل الذي تمارسه بعض الدول وبعض المسؤولين المنتخبين على حد سواء.

القطاع الخاص واحتواء المرض

يلعب القطاع الخاص دوراً حيويّاً ومهمّاً في إدارة واحتواء المرض،  فاجتمع ترمب مع عدد من المدراء التنفيذيين لشركات الأدوية استناداً إلى أنّ القطاع الخاص يمتلك القدرة على التحديث التقني من أجل التوصل إلى علاجات ولقاحات، ومن حسن الحظ أنّ هناك بالفعل شراكة بين القطاع الخاص والحكومي في إطار تحالف الاستعدادات للوباء والتي تقدّم مساهمات مهمّة في السباق الحالي للتوصل إلى لقاح ضد مرض الكورونا.

المزيد من صحة