يُطرح سؤال كبير حول كيفية تعاطي دول الشرق الأوسط وحكوماتها مع تحدي "كورونا" وتهديده لصحة الشعوب في المنطقة، ولفهم الجواب لا بد من أن ننظر إلى المحاور التالية:
1-هل صارحت الحكومات شعوبها؟
2-هل اتخذت الحكومات قرارات صعبة وسريعة لمواجهة هذا التحدي الصحي أم تلكأت؟
3-هل فصلت الحكومات بين مشاريعها العقائدية وضرورة حماية مجتمعاتها من هذا الوباء العضال؟
4-هل جمّدت الحكومات الأجندات السياسية حتى يتم وضع حدٍّ للخطر الصحي وتمكين الشعوب من اجتياز المرحلة الصعبة؟
5-هل تخطّت معالجات الحكومات هذا الوباء ما كانت تعتبره صراعات وتحديات تاريخية لا يمكن تخطّيها؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيران التي ضُربت بقوة من جراء انتشار وباء "كورونا" الخطير، أُصيبت جميع محافظاتها ومعظم مدنها، وعانت أكثر ممّا عانته جميع الدول المحيطة بها. لقد أصاب هذا الوباء أعداداً كبيرة، وأصبحت ثاني أكبر دولة من حيث تأثير هذا الوباء بعد الصين، ولم يرحم الفيروس حتى مسؤوليها الرسميين، والمشكلة الأساس في إيران ظهرت في تلكؤ القيادة عن إعلام الرأي العام عن حقائق انتشار الوباء. وفي حين صارحت دول المنطقة الأخرى والدول العالمية، بما فيها أميركا شعوبها، لجأت إيران إلى إخفاء الوقائع وإطلاق تنظيرات مؤامراتية تصف ما جرى بأنه "عملية استكبارية" تستهدفها، وبسبب ذلك، تأخرت الأجهزة الحكومية عن القيام بواجباتها في التصدي لهذا الانتشار واتخاذ القرارات المصيرية. والخطأ الثاني الذي اقترفته السلطات الإيرانية كان في رفض المساعدة الدولية، بما فيها المساعدة الأميركية التي عرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب على الرغم من العقوبات المفروضة على طهران.
ويبدو أن الخوف الحقيقي لدى النظام لم يكن من التضامن الدولي، بل من شعبه، إذ إنّ الحرس الثوري لا يزال مصدوماً من عمق الانتفاضة الشعبية وبالتالي أصبحوا يخشون من ربط المجتمع المدني بالمجتمع الدولي عبر المساعدات والتدخل الطبي، وهذا من أبسط الأولويات، غير أن الخمينيين فضّلوا التخلي عن المساعدة الدولية كي لا يمثّل ذلك عذراً للمجتمع الإيراني للتواصل مع الخارج. بالتالي، تشكيل تهديد لهم بعد هذه الحقبة.
إخفاق النظام بمصارحة شعبه وتلكؤه عن المساعدة الدولية كلّفا إيران شعباً ومؤسسات ثمناً كبيراً، وهذا سيؤثر في علاقتها بالدول الخارجية. ولا يختلف مراقبان أنه بعد انحسار موجة الفيروس، فإنّ القاعدة الشعبية في البلاد ستعيد إطلاق انتفاضتها لانعدام ثقتها النهائية، ليس فقط بأجندة النظام، بل بقدرته على حماية شعبه.
في العراق حيث تفشى "كورونا" بسبب العلاقة العضوية مع جارته وانتشار الوجود الإيراني في البلاد، وكثافة الزيارات العراقية لطهران، حاولت الحكومة اللجوء إلى نصف الحل. فمن ناحية، عملت على اتّخاذ جميع الخطوات الطبية والاجتماعية، ولكن من ناحية ثانية، تأخرت في فصل الدولة الإيرانية وإقفال الحدود، ولم تتّعظ بالإجراءات الأوروبية حيال إيطاليا وإجراءات إيطاليا نفسها، والدول، وبغض النظر عن علاقاتها الودية، تتخذ الإجراءات الطبية العلمية ثم تعود إلى العلاقات السابقة. أما العراق، فأخفق في مساعدة شعبه خوفاً من ردة الفعل الإيرانية وإضعاف العلاقة بين النظامين، ما سيؤدي إلى انعدام أكبر في الثقة بين الرأي العام العراقي والمؤسسات. بالتالي، عودة الانتفاضة.
وفي لبنان، مثلٌ ثالث، ولكن بحجم أصغر عن تأثير فوضى النظام الإيراني وأولوياته العقائدية في صحة وأمن المواطنين، إذ إنّ السلطة اللبنانية المترابطة مع "حزب الله" والمرتبطة بطهران، تأخرت جداً في منع وصول الطائرات الإيرانية إلى مطار بيروت، ومعالجة التفشي الوبائي إلى الداخل اللبناني ومصدره إيران، فاتّخذت حكومة لبنان الحالية إجراءات مختلفة من دون قطع التواصل العضوي مع طهران حتى حصر انتشار "كورونا"، ثم العودة إلى العلاقات معها، وهذا ما أحدث صدمة للبنانيين الذين لم يخرجوا بعد من حراك شعبي لمواجهة التأثير الإيراني، وكما في طهران وبغداد، فإن المجتمع اللبناني مرشح للمطالبة باستقلال قرار بلدهم عن إيران، على الأقل على الصعيد الصحي.
أما في سوريا، فالنظام وبغض النظر عن خطورة "كورونا"، استمر في عملياته في إدلب للسيطرة على المحافظة، دافعاً بمئات الآلاف من اللاجئين إلى الهروب في جميع الاتجاهات، مع ما يعني ذلك من احتمال انتشار الفيروس بسبب العمليات الحربية وكثافة اللاجئين. أما في شرق البلاد، حيث قوات سوريا الديمقراطية والوجود الأميركي، فحاولت السلطات المحلية المحافظة على الحد الأدنى من الأمن الصحي.
وفي الخليج، تحديات كبرى بما فيها حرب اليمن من ناحية والمقاطعة الخليجية لقطر، ما يعقّد عملية التنسيق لمجابهة انتشار "كورونا" في شبه الجزيرة العربية، غير أنّ أعضاء التحالف العربي كانت لهم قرارات سريعة على النمط الدولي لمواجهة الانتشار بغض النظر عن المواجهات السياسية في المنطقة، وكانت الإمارات من أوائل الدول التي اتّخذت إجراءات تقنية في مطاراتها وأوقفت الرحلات من وإلى إيران بشكل مبكر لتجنب نتائج اختلاط مدنها، لا سيما دبي بالمجموعات المختلفة، وهذا أمر يساعد الإمارات في تخطي الأزمة، وكذلك فعلت البحرين التي اتّخذت القرار ذاته وبالسرعة المطلوبة. أما السعودية، فكان لها الجزء الأكبر من القرارات السريعة، نظراً إلى حجمها ومكانتها الدينية، إذ أقفلت الرحلات الجوية واستنفرت طاقاتها كي تكون على اطّلاع كامل حول ما يجري، وعملت على التأكد من المسافرين إليها عن إمكان مرورهم بمناطق تفشي الوباء، واتّخذت إجراءات حاسمة لتنظيم آلية الحج إلى مكة والمدينة المنورة، وهذا يؤكد صوابية تحرّك الدول الخليجية بما فيها عمان، واتخذت مصر أيضاً قرارات سريعة لمواجهة التفشي على الرغم من حجمها الديموغرافي الكبير الذي يشكّل تحدياً لهذه الأمور، فسارعت السلطات إلى اتّخاذ خطوات مهمة على الرغم من تأثير ذلك في السياحة.
أما تركيا، وعلى الرغم من إجراءات أجهزتها الصحية لتوفير حاجات مشافيها، فإن القرارات السياسية لحكومتها لم تكن على مستوى التحدي الإقليمي، واستمرت بعملياتها في مواجهة تقدم النظام السوري ودعم الميلشيات مع ما لذلك من تأثير في المدنيين، وهي تشارك نظام الأسد في تحمّل المسؤولية، وأرسلت اللاجئين السوريين إلى الحدود اليونانية مع مخاطر تفشي "كورونا"، وهذا أمر خطير يشير إلى استمرار الأجندة السياسية على الرغم من الأولويات الصحية والإنسانية التي من أجلها توقف الدول، المواجهات العسكرية في ما بينها.
اللافت للانتباه تأثير "كورونا" على خصمين منذ عقود، أعني الفلسطينيين وإسرائيل، إذ إنّ المراقبين انتبهوا لكيفية تلاقي الطرفين على الرغم من عمق الخلافات لتنسيق مواجهة الفيروس في الضفة الغربية ومناطق أخرى، ما بعث بموجة من التفاؤل أنه من الممكن أن يتوسع التعاون الصحي إلى صعد أخرى، فمصيبة هذا الوباء أكبر من الصراعات القومية والعقائدية. لذا، على جميع أطراف الشرق الأوسط حماية مواطنيها وإنقاذهم وتجميد الأجندات السياسية والعودة إليها بعد انجلاء الغيوم السوداء.