Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا تحول قصر ريفي في ساسكس إلى بؤرة للجواسيس الروس

أهدي ذلك البناء المرتفع المثير للإعجاب في مقاطعة كنت إلى الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية. وكان للفترة طويلة مقصداً للدبلوماسيين الروس للعب التنس وإقامة الأمسيات الموسيقية

الكرملين متهم باستخدام القلعة وأراضيها البالغة 30 فداناً من أجل التخطيط لعمليات تجسس ضد بريطانيا (غيتي)

ملخص

مع تجريد بريطانيا قلعة "سيكوكس هيث" التي تملكها روسيا من الحصانة الدبلوماسية بسبب النشاط التجسسي فيها، يطرح السؤال الآن إذا ما كانت لندن ستضع يدها عليها وتمنحها لأوكرانيا أو أصحاب الحقوق في شركة "يوكوس أويل"

للوهلة الأولى، لا يبدو أن قلعة سيكوكس هيث Seacox Heath المهيبة ذات النمط المعماري القوطي، والتي تعود إلى القرن الـ19، بأبراجها وشرفاتها المنحوتة وما فيها من ملاعب التنس والمروج الخضراء، هي قاعدة سرية لعمليات التجسس الروسية.

ويقع القصر المؤلف من 50 غرفة والمصنف من أبنية الدرجة الثانية [من حيث الأهمية المعمارية والتاريخية]، في الريف الهادئ قرب هوكهورست في مقاطعة ساسكس. ويبدو أشبه بمنزل ريفي لرجل أعمال ثري غريب الأطوار، إلا أنه في الواقع يستخدم، منذ عام 1947، من قبل الدبلوماسيين الروس وشركائهم كملاذ لقضاء عطلات نهاية الأسبوع.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، تمتع ضباط جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي)، والآن الروسي (أف أس بي) المقيمين في سيكوكس بالحصانة الدبلوماسية من الملاحقة القضائية من قبل الشرطة، لكن في الأسبوع الماضي، ألغت وزارة الداخلية هذه الوضعية الخاصة، واتهمت الكرملين باستخدام القلعة وأراضيها الممتدة على مساحة 30 فداناً بغرض التخطيط لعمليات تجسس ضد بريطانيا. وبعد ذلك، طرد ضابط الاستخبارات العسكرية، العقيد مكسيم يلوفيك، بسبب أنشطة تجسس لم يجر الإعلان عنها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسيكون لهذا القرار تداعيات كبيرة لن تقتصر فقط على الجواسيس الروس. فهو يوفر فرصة قانونية للحكومة لكي تضع يدها على ملكية سيكوكس هيث، والمقدرة قيمتها بنحو 20 مليون جنيه استرليني (نحو 25 مليون دولار)، وعن بيعه وتوزيع العائدات على ضحايا حرب بوتين الوحشية غير القانونية في أوكرانيا.

وعلى كل حال، كانت أوكرانيا قد أصدرت منذ عام 1999، تحذيراً من التسجيل [العقاري] (حق الانتفاع) ضد القصر كجزء من نزاع لا يزال قائماً حول تقاسم الملكية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وتحول أوكرانيا إلى دولة مستقلة.

إن إلغاء الوضعية الدبلوماسية للقلعة يعني أيضاً أنها تتحول إلى واحدة من أصول الدولة الروسية، بالتالي تكون عرضة للاستحواذ من قبل أي فرد أو شركة يحصلان على حكم قضائي لمصلحتهما ضد الكرملين.

ويتمتع القصر الواقع في إيست ساسكس بماضي غني. لقد اتخذه آرثر غراي، وهو زعيم عصابة هوكهورست، ملجأً له شن منه المهربون غارات عبر ساحل دورست. قام الفيكونت الأول غوشن، وهو وزير أسبق للمالية، عام 1871 بتشييد المبنى بشكله الحالي. وقام ابنه لاحقاً بتقديم الملكية إلى الاتحاد السوفياتي عام 1947 كهدية بعد أن أنقذ البحارة الروس ابنه خلال الحرب العالمية الثانية.

وقد تمتع الجواسيس الروس في عطلات نهاية الأسبوع خلال حقبة الحرب الباردة، بسعادة غامرة في المناطق المحيطة بسيكوكس هيث بأقواسها ذات الطراز القوطي، وممراتها المتقنة التي تهيمن عليها صور ستالين، والقاعة المركزية المذهلة المؤلفة من ثلاثة طوابق مزودة بغالريهات. وكان ذلك، بطبيعة الحال، يتناقض تناقضاً صارخاً مع العمارة السوفياتية القاتمة التي لا روح فيها في موسكو. وكانت الحدائق وملاعب التنس وملعب كرة القدم ومنزلان منفصلان تزدحم خلال فصل الصيف بزوجات الجواسيس والدبلوماسيين وأطفالهم.

وكان ضباط الـ"كي جي بي" والأمن يترددون على الحانات المحلية ويتجولون في غابة بيدجبوري. وكان رواري تشيشولم أحد الجيران، وهو رئيس محطة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (أم آي 6) السابق في موسكو. وفي أحد الأيام، لاحظ صديقه جون ميلر، وهو مراسل أجنبي مقيم في الاتحاد السوفياتي، بعض النشاط في وقت متأخر من الليل في القلعة. يتذكر ميلر ذلك قائلاً "من طرف حديقته، كان بإمكانك أحياناً رؤية رجال الـ’كي جي بي‘ وهم يحرقون ملفاتهم السرية الممزقة على نار كبيرة أضرمت في الخارج". ويضيف، "لقد تسللنا ذات مرة إلى الحديقة الخلفية وبحثنا في الرماد المحترق، لكن لم نحصل إلا على خيبة أمل، فالشيء الوحيد الذي كان من الممكن قراءته هو قائمة المواد الإخبارية التي بثتها ’بي بي سي‘".

ومع اشتداد الحرب الباردة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، أعيدت القلعة إلى مجدها السابق. فقد أصلح السقف الذي تتسرب منه المياه والأجنحة المغلقة، والأيام التي أمضاها السفير السوفياتي هناك كان يقضيها في لعب التنس والتمتع بالسهرات الموسيقية والثقافية. وصارت هناك أماكن محلية مفضلة أيضاً لدى رجال الـ"كي جي بي". كانت "هير أند هاوندر" Hare and Hounds إحدى الحانات المحلية المفضلة، وهي نزل يعود تاريخه إلى القرن الـ17 في منطقة فليمويل القريبة حيث كانوا يأتون في وقت متأخر من الليل لتناول البيرة (وليس لشرب الفودكا أبداً).

ويتذكر مالك الحانة، بيتر بن، كيف أن "رجال الفرع الخاص [من الشرطة البريطانية الأمنية] الناطقين بالروسية" نادراً ما يتعاملون مع الزبائن، لكنهم كانوا يطرحون الأسئلة. كان أحد الزبائن الذي تردد من وقت إلى آخر هو ضابط الـ"كي جي بي" النشط سيرغي إيفانوف الذي طرد عام 1983 من المملكة المتحدة ومنع من العودة.

وجرى تفادي أخطار أمنية محرجة على رغم وجود السير دنيس تاتشر الذي كان يحتسي بانتظام عديد من كؤوس الجن والصودا في حانة "هير أند هاوندز" إذ كان يعيش في "ذا ماونت" القريبة، في لامبرهيرست، بمقاطعة كنت.

ولحسن الحظ، لم يكن زوج رئيسة الوزراء حاضراً في الحانة في الوقت نفسه هو والجواسيس الروس، وفقاً لمالكها بن، لأنه إذا لعبت الخمرة برؤوس السير دينيس وعملاء الـ"كي جي بي" معاً، فمن يدري ما هي الأسرار التي كان من الممكن الكشف عنها.

لم يكن السكان المحليون سعداء أبداً بوجود الجواسيس الروس. ففي عام 1999، كان عقار سيكوكس هيث هو محور خلاف مع أحد مزارعي الأغنام المحليين الذي اتهم السفارة الروسية بإفلات مجموعة من الكلاب الألزاسيين قتلت 50 نعجة. وكان متحدث باسم السفارة غير مكترث بالأمر في ذلك الوقت معتبراً أن "العقار هو ملكنا وكل شيء فيه مشمول بالحصانة الدبلوماسية بموجب الاتفاقية الدولية، بالتالي نعم، تتمتع الكلاب بالحصانة، بيد أن الكلاب ليست دبلوماسيين".

بعدا اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، نظم السكان المحليون احتجاجاً من خلال وضع الأعلام وكتابة كلمات بواسطة الحبر المرشوش تعبر عن تأييدهم أوكرانيا على الجدران عند مدخل العقار. واشتكى القرويون في العام الماضي من إطلاق طائرات من دون طيار من العقار راحت تحلق فوق منازلهم، وتتحرك فوق شوارع مناطق سكنية قبل عودتها إلى قاعدتها.

ويعتقد البعض أن المسؤولين الروس أرسلوا هذه الطائرات من دون طيار على سبيل الانتقام من السكان المحليين الذين قاموا بالاحتجاجات المعارضة لبوتين والمناهضة للحرب. وأكدت شرطة ساسكس أنها حققت في هذه المشاهد وتحدثت إلى مسؤولين روس داخل القصر.

والآن بعد أن فقدت سيكوكس هيث وضعيتها الدبلوماسية، أصبح العقار معرضاً بصورة فريدة للمصادرة والحجز. لا يزال العقار مملوكاً للاتحاد الروسي. ولكن يمكن أيضاً الاستيلاء عليه من قبل المساهمين السابقين في شركة "يوكوس أويل"، الذين رفعوا دعوى قضائية ناجحة ضد روسيا بسبب المصادرة غير القانونية لاستثماراتهم، وحصلوا على تعويضات بقيمة 40 مليار جنيه استرليني (نحو 50 مليار دولار) من قبل المحاكم.

ويرفض الكرملين أن يدفع، ويقول إن أصوله محمية بموجب الحصانة السيادية. والآن بعد أن جرى تجريد سيكوكس هيث من الوضعية الدبلوماسية، يجوز للمساهمين في "يوكوس أويل" تقديم طلب إلى المحكمة العليا من أجل تملكه.

وقد تطالب أوكرانيا أيضاً بعقار سيكوكس هيث، ففي عام 1999، طعنت أوكرانيا باعتبارها عضواً مؤسساً للاتحاد السوفياتي، في ملكية روسيا للعقار. ولا تزال مسألة التقاسم المتساوي للملكية من دون حل حتى يومنا هذا.

وتشير إضبارة الوثائق المحفوظة في السجل العقاري إلى أن الحكومة الأوكرانية تتمتع بـ"حق الانتفاع" في سيكوكس هيث المملوك سابقاً للاتحاد السوفياتي. وجرى أيضاً إصدار تحذير [من التسجيل] (يسمى أيضاً تهمة)، بالتالي من المرجح أن تعطى أوكرانيا فرصة "صاحبة الأولوية" في شأن كيفية التصرف بعائدات أي عملية بيع.

لا شك أن الروس المقيمين في دارة بوتين الريفية البريطانية يتساءلون حالياً عن المدة الإضافية التي يمكن أن تستمر فيها الحياة الطيبة في الريف الإنجليزي. وإذا انتقلوا إلى عقار جديد في لندن، فسيكونون محميين بالحصانة الدبلوماسية. غير أنه ليس معروفاً حتى الآن ما إذا كان بإمكان أي مسكن آخر أن يضاهي من حيث الأناقة والعظمة القلعة ذات الطراز القوطي الكائنة على حدود مقاطعتي كنت وساسكس، والتي تعود إلى القرن الـ19.

© The Independent

المزيد من تقارير