Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتهامات للحكومة التونسية بضرب المسار الديمقراطي بعد تقدّمها بمشروع قانون للترفيع في العتبة الانتخابية

مازال مشروع قانون الترفيع في نسبة العتبة الانتخابية يثير العديد من النقاشات في تونس بين مساند له، باعتباره يسهم في ضمان مشهد برلماني منسجمٍ وأقلّ تشتتاً، ومن يعتبره إقصاء لأحزاب مقابل تغوّل أحزاب أخرى

قدمت رئاسة الحكومة مشروع القانون المتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء الذي يهم أساساً الترفيع في العتبة الانتخابية (البرلمان التونسي-غيتي)

قدّمت رئاسة الحكومة مشروع القانون المتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء الذي يهم أساساً الترفيع في العتبة الانتخابية من 3 في المئة إلى 5 في المئة. العتبة الانتخابية أو نسبة الحسم، هي الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من قبل الحزب أو قائمة انتخابية ليكون لها حق المشاركة في الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات، إذ إن الحزب الذي ينال أصواتاً أقل من العتبة الانتخابية التي يحددها القانون تلغى الأصوات التي حصل عليها.

إرجاء مناقشته

 ولم يفضِ اجتماع لجنة التوافقات، الذي عقد الأربعاء 20 فبراير (شباط) في مجلس الشعب، إلى أي اتفاق في النقاط الخلافية في خصوص التعديلات حول مشروع تنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لعام 2014 المؤرخ في 26 مايو (أيار) 2014، والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء اللذين من أهمهما العتبة الانتخابية والتمويل، إذ أرجئت مناقشته والمصادقة عليه داخل مجلس النواب.

يُذكر أن وفداً عن 29 منظمة وطنية ومبادرة مدنية وجمعية وشخصية مستقلة من الموقّعين على بيان 17 فبراير (شباط) 2019 ضد المساس بالقانون الانتخابي، توجه إلى مجلس نواب الشعب وتحدث مع عدد من الكتل البرلمانية والنواب للتعبير عن موقفه الرافض تغيير العتبة الانتخابية والتنبيه من خطورة تمرير مشروع تنقيح القانون الانتخابي.

توقيت غير مناسب

وقالت ليلى الشرايبي رئيسة جمعية عتيد، إن التوقيت غير مناسب للمساس بالقانون الانتخابي، وفضلت الشرايبي أن يطرح هذا التغيير بعد الانتخابات التشريعية للعام 2019، مضيفة أن القانون الانتخابي يحمل الكثير من السلبيات، وتوجد أولويات أخرى قبل تغيير العتبة. وأضافت أنهم لم يشهدوا في الفترة السابقة أي تقييم لهذا القانون أو للعمل البرلماني التي تراه من الخطوات الملحة قبل العتبة الانتخابية.

الهدف من الثورة، كان تحقيق التعددية الحزبية والقطع مع ثقافة الحزب الواحد، والعتبة الانتخابية وفق رأيها، هدفها إقصاء بعض الأحزاب. وتفنّد الشرايبي إمكان إسهام العتبة الانتخابية في عقلنة المشهد السياسي، معللة بأنه كانت أمام الأحزاب في تونس فرص عدة للتكتل، وفشلت في محطات عدة مستنتجة أن اقتراح العتبة يدخل في خانة الحسابات السياسية الضيقة لا غير.

ويرى حافظ الغربي اليحمدي عن التيار الديمقراطي المعارض أنه "في انتخابات العام 2013 وجدت العتبة الانتخابية لاسترجاع المال العام لمن يحصل على أقل من 3 في المئة، لكن في الانتخابات البلدية الأخيرة تمّ احتسابها فعلياً" مستنتجاً ان التونسي أثبت تمسكه بالتعددية الحزبية، وأضاف الغربي أن كل الديمقراطيات في العالم تعتمد قانون العتبة الانتخابية، على غرار هولندا، صفر فاصل 67 في المئة فقط، وألمانيا 5 في المئة، لإقصاء المتطرفين والأقليات، وتركيا 10 في المئة لإقصاء الأكراد. أي كلما ارتفعت نسبة العتبة كان هدفها الإقصاء وفق اعتقاده. ويقول إن 2 في المئة هي النسبة المعتمدة في معظم الديمقراطيات، وهي الأفضل حتى في تونس، معتبراً أن التجربة التونسية ما زالت في بداية المسار الديمقراطي وغالبية الأحزاب في طور التطور.

الحد من التشتت

من جهة أخرى، يقول الناصر جبيرة نائب عن الائتلاف الوطني المساند لحكومة يوسف الشاهد منتقداً خصومه السياسيين، إن بعضهم يقارن العتبة بتجارب عريقة في بلدان أخرى، وعندما نتحدث عنها في تونس تصبح إقصاء. وأضاف في السياق ذاته أن "العتبة هي آلية ديمقراطية، والحديث عنها يجب ألا يكون بمعزل عن المشهد السياسي ككل، لا سيما أن تزايد الأحزاب في تونس إلى أكثر من 200 حزب يفرض علينا تنظيمها. معتبراً أنه لا يمكن التحدث عن ديمقراطية من دون أحزاب قوية، واعتمادها يسهم في الحفاظ على المال العمومي، إذ لا يتمّ تمويل الأحزاب التي تحصل على نسبة أقل من العتبة أي أقل من 5 في المئة إذا اعتمدت، معتبراً أن الترفيع في نسبة العتبة الانتخابية "سيُعقلن المشهد السياسي وسيسهم في الحد من التشتت الحزبي وانقسام المشهد السياسي، داخل البرلمان وخارجه".

الأصوات المهدورة

استمعت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بصفة عاجلة إلى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون، الذي ذكّر أن العتبة الانتخابية لم تكن موجودة في الانتخابات التشريعية السابقة. وتمّ اعتماد عتبة الـ 3 في المئة في الانتخابات البلدية فقط. وبيّن أن المشكلة تكمن في كمية الأصوات التي لن تحتسب، والتي تعتبر أصواتاً "مهدورة"، باعتبارها تنتخب ولكنها لا تمثّل داخل البرلمان ولا يمكن أي طرف الاستفادة منها. وأكد رئيس هيئة الانتخابات أن احتساب عتبة انتخابية "مسألة سياسية بحتة" والهيئة لديها حلول لكنها "تريد أن تنأى بنفسها عن هذه التفاصيل".

التفرّد بالسلطة

ويعتقد وسام حمدي صحافي متخصص في الشأن السياسي "أن طرح مشروع العتبة، متعلق بالتحالفات الجديدة بين حزب حركة النهضة وحزب الحكومة الجديد  "تحيا تونس". مفسراً ذلك "في محاولة التفرّد مستقبلاً بالسلطة. فحركة النهضة تدرك اليوم أن الرأي العام لا ثقة له في الطبقة السياسية، وبذلك هي تراهن على خزان انتخابي سيسمح لها بفضل الترفيع في العتبة بالفوز بمرتبة أولى تمكّنها من رفقة حزب الحكومة، في ضوء توافقات مسبقة يتمّ فيها تقسيم السلطات بين الحزبين".

ويضيف، أن "حركة النهضة تريد اليوم الوصول إلى مرحلة الاستحواذ على السلطة بصفة تامة بعدما صدعت الرؤوس منذ العام 2011 بشعارات التوافق، ولذلك تلتف على القانون الانتخابي" وفق تعبيره. وواصل حمدي "وإن تمّ الترفيع فإن الديمقراطية التونسية الفتية ستكون في خطر، لأن ذلك سيقصي المعارضة التي وإن لم تكن غالبية، فإنها في الكثير من المسائل، بمثابة صوت الشارع في البرلمان".

ويرى حمدي أن مشروع القانون الذي طرحته الحكومة هو محاولة جديدة لضرب مسار الانتقال الديمقراطي قبل أشهر من موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، في محاولة لتكريس سلطة الأغلبية الحاكمة. مضيفاً "هناك سعي من خلال مشروع التنقيح لضرب القوى الديمقراطية، ومحاولة إسكات الأصوات الحرة، وتكريس الاصطفاف السياسي والاستفراد بالحكم، وضرب التعددية والتنوع في البرلمان. والدليل، أن المعارضة التي صعدت بعتبة 3 في المئة تمكنت من إجبار الحكومة على استعادة المشروع لإعادة تعديله وإرجاء مناقشته".

المزيد من العالم العربي