بعد حوالى الشهر ونصف الشهر من مناقشة المؤسستين السياسية والعسكرية تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية حول توقعات الوضع على الجبهة الشمالية والوجود الإيراني في سوريا، الذي اعتبر احتمالات الحرب ضئيلة، خرج معهد أبحاث الأمن القومي بتحذير المؤسسة العسكرية من التعامل مع تقرير شعبة الاستخبارات. وأعلن المعهد أن احتمالات الحرب تجاه الوجود الإيراني في سوريا، وتوسعها لتشمل لبنان، كبيرة ويتوجب على إسرائيل الاستعداد بما يضمن قدرتها على مواجهة مثل هذه الحرب، التي ستُستخدم خلالها صواريخ دقيقة ومتطورة تسقط على إسرائيل بكميات كبيرة.
أعد تقرير المعهد الباحث شموئيل ايفن، الذي اعتبر أن نشوب حرب مع إيران أو حزب الله أو كليهما معاً، مرتبط بشكل كبير بالعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران في سوريا، التي أعلنت تل أبيب أنها لن توقفها بهدف القضاء على مشروع الصواريخ الدقيقة، من جهة، ومنع استمرار تمركز إيران في سوريا، من جهة أخرى.
في التقرير الذي نشرته شعبة الاستخبارت العسكرية، بعد تصفية قاسم سليماني، اعتبرت أن شطب الأخير من المعادلة يشكّل عاملاً لاجماً وخلفه إسماعيل كآني سيستصعب جداً ملء الفراغ الهائل الذي خلّفه، فيما ستُضطر دول المحور الشيعي إلى اتخاذ قرارات في مشروع دقة الصواريخ لحزب الله ومشروع تثبيت وجود ميليشيات شيعية في سوريا. ورأت شعبة الاستخبارات وجود احتمالات كبيرة لإلغاء مشروع دقة الصواريخ، إذا توصل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى استنتاج بأن ضرره يفوق المنفعة منه.
في تحليله تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية، رأى الباحث ايفن أن الاستنتاج الأولي منه يشير إلى أن قدرة الردع الإسرائيلية محدودة، وفي حال واصلت إسرائيل سياسة "المعركة بين الحروب"، عليها أن تكون مستعدة للحرب، خصوصاً إذا تبنّت توصية الشعبة بتصعيد الهجمات ضد الإيرانيين في سوريا، خلال هذه السنة.
قوة النيران على الجبهة الداخلية
يتركز النقاش بين شعبة الاستخبارات ومعهد الأبحاث في كيفية تعامل المؤسسة العسكرية مع تقرير الأولى، والاختلافات الكبيرة ما بين التوصيات وتطبيقها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الباحث ايفن أن هذا التباين قد يوقع المؤسسة العسكرية في إشكالية، من حيث مدى الاستعدادات للحرب وقال "قد يزيد تطبيق توصيات شعبة الاستخبارات مخاطر الحرب، لكن في الوقت ذاته، فإن عدم تطبيقها قد يهدر فرصة إمكانية إبعاد ايران عن سوريا". وعليه، أضاف أنه "يتوجب التمييز بين تقديرات شعبة الاستخبارات وتوصياتها، إذ إنه لا توجد لشعبة الاستخبارات تلك المكانة المهنية الممنوحة لها في مجال العمل وتنفيذ الاستنتاجات، لأن التقديرات الاستخباراتية محدودة بتحليل المحيط الخارجي فقط، بينما التوصيات لتنفيذ هجمات يُفترض أن تكون ثمرة تقييم للوضع".
وفي تحذيره من الاستخفاف في التعامل مع الاحتمالات الضئيلة لوقوع حرب، تطرق ايفن إلى ما سبق أن ذكره رئيس أركان الجيش افيف كوخافي حول الحرب المقبلة، وقوله إن "قوة النيران على الجبهة الداخلية في هذه الحرب كبيرة، وينبغي الاعتراف بذلك". وحديث كوخافي، في حينه، شمل احتمالات تعرض إسرائيل من الشمال حتى المركز لصواريخ مكثفة، بمعظمها من الصواريخ الدقيقة والمتطورة.
خروج إيران يفقد إسرائيل حيز الردع
وفي ظل النقاش الإسرائيلي حول تداعيات القصف ضد أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا، اعتبر الباحث ايفن أنه من الخطأ أن تعتبر تل أبيب أي وجود لإيران في سوريا هو هدف استراتيجي يجب وضعه ضمن أهداف سلاح الجو الإسرائيلي. وقال "في هذا الجانب، يطرح سؤال مهم عن احتمالات نجاح تل أبيب في إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، عسكرياً، وإذا يمكن الحفاظ على مثل هذا الإنجاز لفترة طويلة؟ ويرد ايفن بالقول إن الاحتمالات هنا بالذات ضئيلة، وحتى لو كان الاحتمال مرتفعاً، فإن الثمن قد يكون باهظاً وخروج إيران من سوريا لن يقلّل، مبدئياً، من قدراتها على العمل ضد إسرائيل من جبهات أخرى. أما إذا خرجت إيران من سوريا، فستفقد إسرائيل سوريا كحيز ردع ورد فعل ضد إيران.
وحذر الباحث الإسرائيلي من أن يؤدي تصعيد الهجمات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا إلى مواجهة عسكرية وزيادة الأضرار المتوقعة. وأوضح "سترافق الهجمات ضد الوجود الإيراني في سوريا، مخاطر رد فعل من الطرف الآخر، وحتى زيادة وتيرة التصعيد إلى حد مخاطر الحرب".
ووفق توقعات ايفن، فقد تتدهور الأوضاع في المنطقة إلى حد الحرب، في أعقاب هجوم يبادر إليه العدو يسبّب بتصعيد في سوريا سرعان ما يتحول إلى حرب متعددة الجبهات.
ودعا ايفن متخذي قرار الحرب في إسرائيل إلى مناقشة مخاطر الحرب بنظرة شاملة، في وقت يحظر على تل أبيب تصعيد هجماتها ضد الإيرانيين في سوريا، أكثر مما هو مطلوب لحاجاتها الاستراتيجية.