عشية المؤتمر الدولي الذي تستضيفه برلين يوم الأحد 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، تبدو ليبيا على موعد جديد أو فرصة جديدة للخروج من دائرة العنف والحرب الأهلية التي تمزقها بعد مضي تسع سنوات على سقوط نظام العقيد معمر القذافي.
وبات انعقاد هذا المؤتمر الذي أعدت له الأمم المتحدة، ضرورةً ملحة في ضوء التدخلات الإقليمية، التي تسهم في صب الزيت على النار وتسعير الصراع الدائر بين حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج والميليشيات المؤيدة له وقوات "الجيش الوطني" الليبي الموالية للمشير خليفة حفتر التي تحاصر العاصمة طرابلس.
ويضم المؤتمر رؤساء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا ومصر والإمارات، إضافة إلى الجزائر التي رغبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بمشاركتها، والكونغو التي ترأس مجموعة العمل حول ليبيا ضمن إطار الاتحاد الأفريقي، وسيشارك أيضاً كل من الاتحادين الأفريقي والأوروبي والأمم المتحدة.
"فرصة ضائعة"
وتواكب التحضيرات لانعقاد المؤتمر أجواء من الحذر والتشكيك بإمكانية تحوله إلى فرصة ضائعة جديدة بعد تصاعد وتيرة التدخلات الخارجية لمصلحة أحد الطرفين المتنازعين، وخصوصاً التدخل التركي.
وعبّر عن هذا الحذر مصدر دبلوماسي فرنسي بقوله، إن "المؤتمر ينعقد في ظل وضع شديد التقلب الناجم عن أسباب عدة، من بينها إصابة نهج الصخيرات السياسي (الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منتجع الصخيرات في المغرب وأنتج حكومة الوفاق) بالإنهاك، وهو نهج يقضي بتوحيد المؤسسات الليبية واعتماد وقف النار وتقاسم الموارد الطبيعية".
وبما أن الصراع في ليبيا لم يعد مقتصراً على الطرفين المحليين أي السراج وحفتر، بل يشهد مزيداً من التدخلات من قبل أطراف خارجية خدمةً لأهداف من المطلوب توضيحها، لفت المصدر إلى أن مؤتمر برلين يهدف إلى إعادة تأمين توافق دولي يضمن الاستقرار في ليبيا.
ويُفترض أن يسفر المؤتمر عن إعلان يجري العمل على إعداده منذ أشهر، وينص بشكل أساسي على وقف دائم للنار واستئناف الحوار الداخلي المنقطع منذ بدء "الجيش الوطني" هجومه على طرابلس في أبريل (نيسان) الماضي، واحترام حقوق الإنسان، إضافة إلى تقاسم الموارد.
ضمان الالتزام
إلا أن كيفية ضمان تقيد الأطراف والتزامها بمضمون الإعلان الذي سيصدر عن "مؤتمر برلين" والحؤول دون مواجهته لمصير اتفاقات سابقة وُقِعت في "لا سيل سان كلو" (إحدى ضواحي باريس) في يوليو (تموز) 2017 وباريس في مايو (أيار) 2018، تبقى غير واضحة. ومن غير الواضح ايضاً، مدى استعداد الأطراف الخارجية إلى العدول عن الأطماع الخاصة بكل منها، ومساهمتها في دفع السراج وحفتر نحو مسار التفاوض والتسوية.
وفي هذا الإطار، أشار المصدر الدبلوماسي الفرنسي إلى أنه على الرغم من الأجواء الشديدة التقلب فإن الوضع الليبي لا يزال قابلاً للسيطرة، إذا تسنى تمتين الإجماع الدولي حول الأهداف التي يسعى إليها المؤتمر، لتجنب تحول ليبيا إلى ساحة مغلقة لنزاعات إقليمية أو مسرحاً تنتشر فيه قوات متعددة وخطرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العامل التركي
ووصف المصدر ذاته كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إرسال جنود ومرتزقة إلى العاصمة الليبية بأنه عامل يبعث على القلق وتصعيد إضافي، خصوصاً أنه بات فعلياً وقائماً. لكن المهم برأي المصدر هو أن الأطراف الخارجية الفاعلة في ليبيا موجودة حول الطاولة والتزمت بنهج "مؤتمر برلين"، وقبلت بإرساء العناصر الضرورية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، وأن على الأطراف المختلفة أن تحترم التزاماتها.
هذا الكلام المنطقي والبراغماتي قد لا يكون كافياً لضمان دفع السراج وحفتر نحو الانطلاق من "مؤتمر برلين" إلى مفاوضات جدية تضع حداً للنزاع الليبي، ولا لضمان صدق الأطراف الخارجية ولكل منها أجندة خاصة سياسية واقتصادية وإقليمية.
وفي ما يخص فرنسا فإن رئيسها إيمانويل ماكرون يرى الأوضاع الليبية انطلاقاً من نقاط عدة، على رأسها ضرورة الأخذ بالأمور كما هي والإقرار بتوازن القوى القائم بين سلطات طرابلس والميليشيات المتحالفة معها من جهة، والجيش الوطني الذي يسيطر على حوالى 80 في المئة من أراضي البلاد.
وبالنسبة للنهج الذي تعتمده فرنسا، قال المصدر الفرنسي إنه "النهج ذاته المتبع من قبل مجلس الأمن وسيعبّر عنه الإعلان الذي سيصدر في برلين، والمطلوب بالعمق هو تطبيق القرارات التي أُقرت في إطار مجلس الأمن وتستدعي التزام حفتر وتجنب السراج للعبة الخطيرة التي تقضي بالاستعانة بقوى خارجية وميليشيات، فالكل مطالب بتحمل مسؤولياته".
في سياق متصل، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة على تويتر، إن "الإمارات تدعم بلا تحفظ جهود ألمانيا لعقد مؤتمر (بشأن ليبيا) وأهداف المجتمع الدولي لتحقيق السلام والاستقرار" هناك. وأضاف الوزير أنه "يتطلع لنجاح مؤتمر برلين"، مشدداً على أهمية الجهود المشتركة لإنهاء الصراع الليبي.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الخميس، إن مؤتمر برلين يجب أن يحاول تنفيذ الحظر على الأسلحة مجدداً في ليبيا.