يتزايد الحديث عن مصير القوات الأميركية وبقية قوات التحالف الدولي، بعد إصدار قرار برلماني يقضي بخروجها من العراق، فضلاً عن القصف الإيراني الأخير لقاعدتي عين الأسد وأربيل التي توجد فيها قوات أميركية، وتهديدات الفصائل المسلحة في العراق لإكمال ما سموه "الثأر" لمقتل أبو مهدي المهندس.
في غضون ذلك، تشدد الولايات المتحدة على عدم نيتها الخروج من العراق في المرحلة الحالية، على الرغم من قرار البرلمان العراقي، حيث لوَّح ترمب بفرض عقوبات على العراق، إذا ما أصر على إخراج قواته، مبيناً أن واشنطن ترغب في الخروج "في مرحلة ما، لكن ليس الآن".
وأعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، انتهاء رد بلاده على اغتيال قاسم سليماني، إلا أن رد الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق لم يأت بعد، مع تصاعد التهديدات من قادة تلك الفصائل في الرد.
وتستمر القوى السياسية الشيعية في مطالبتها القوات الأميركية بالإلتزام بمقررات البرلمان العراقي، وعلى رأسها تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري المقرب من طهران، وتحالف "سائرون" الموالي لمقتدى الصدر زعيم التيار الصدري.
الصدر يدعو إلى التأني
في السياق ذاته، وبعد دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى تشكيل "أفواج المقاومة الدولية" للرد على الولايات المتحدة، دعا الفصائل العراقية إلى التأني وعدم البدء بالعمل العسكري، وفي الوقت ذاته أكد ضرورة إنهاء ملف رئاسة الوزراء بغضون 15 يوماً داعياً إلى "تقديم خمسة مرشحين من ذوي النزاهة والخبرة لتسلم منصب رئيس الوزراء المقبل".
وطالب الصدر من خلال تغريدة على "تويتر" الفصائل العراقية بـ "التأني والصبر وعدم البدء بالعمل العسكري وإسكات صوت التشدد من بعض غير المنضبطين إلى حين استنفاد جميع الطرق السياسية والبرلمانية والدولية".
وشدد على "ضرورة السعي الحثيث إلى إنهاء وجود المحتل، وكبح جماح سيطرته ونفوذه المتزايد وتدخله بالشأن العراقي... فإن صبرنا كاد أن ينفد لكثرة التدخلات الخارجية التي لا تراعي مصالح العراق".
تسويات أميركية إيرانية
في المقابل، تشير تسريبات إلى أن إيران، تضغط على الفصائل المسلحة الموالية لها لعدم استهداف القوات الأميركية في العراق في الوقت الحالي، وترجح التسريبات أن تجري تسويات سياسية بين إيران وأميركا للتهدئة في العراق.
وتقول مصادر سياسية إن التسوية السياسية بدأت بعد القصف الإيراني على قاعدة عين الأسد والذي ترجح تلك المصادر أن يكون متفقاً عليه، مبينين أن صفقة ما أجريت بين الجانبين الإيراني والأميركي لم تتبين ملامحها السياسية بعد.
ويرى مراقبون أن تهديد الفصائل المسلحة بالرد، لا يعدو كونه تهديداً إعلامياً، وفي حين بينوا أن قرار البرلمان بخروج القوات الأميركية غير ملزم لأن التحالف الدولي جاء بقرار أممي من مجلس الأمن، لفتوا إلى أن أميركا تستطيع تبرير وجود قواتها بحجة محاربة الإرهاب على غرار وجودها في سوريا.
مخاوف كردية وسنية
بعد رفض القوات الأميركية المغادرة بشكل رسمي، يعود الحديث مرة أخرى عن احتمالات التقسيم أو تكوين إقليم سني على غرار إقليم كردستان، مع الإبقاء على القوات الأميركية في المناطق السنية والكردية، حيث أن القوى السياسية السنية والكردية ترفض قرار البرلمان العراقي، وتطالب ببقاء القوات تحت ذرائع عدة.
تبرر بعض القوى السياسية السنية دعمها لبقاء القوات الأميركية بعدم وجود قوة كفيلة بردع احتمالات عودة نشاط تنظيم "داعش"، والدعم الذي توفره في إطار محاربة الإرهاب بشكل عام، فضلاً عن مخاوف أخرى تتعلق بإحكام فصائل مسلحة موالية لطهران سيطرتها على تلك المدن، والتي تعدها طهران ذات أهمية إستراتيجية كبرى، فضلاُ عن كونها تربط إيران بسوريا ولبنان وبقية مناطق النفوذ الإيراني.
أما القوى السياسية الكردية فترى أن مشاكل عدة قد تصيب إقليم كردستان، فيما لو انسحبت القوات الأميركية، أبرزها احتمالات تصعيد من قبل تركيا على غرار ما حصل في سوريا، فضلاً عن حماية المدن الكردية المحاذية لإيران والتي تعرضت في سنوات سابقة لقصف إيراني على الحدود، والحماية من احتمالات فرض سيطرة السلطة المركزية في بغداد على الإقليم.
العصائب تتعهد بالرد
جدد زعيم حركة عصائب أهل الحق التي تمتلك أحد أبرز الفصائل الملسحة تهديده للقوات الأميركية في العراق، وفي حين نفى علاقة الفصائل المسلحة بعملية استهداف السفارة الأميركية يوم أمس، مؤكداً أن "ساعة الصفر في عملية الثأر لاغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس لم تنطلق بعد".
وقال الخزعلي في بيان إن "الرد لن يكون أقل من الرد الإيراني على اغتيال سليماني، أما مجرد إطلاق صاروخين أخطآ هدفهما فلا يعني شيئاً".
وأضاف "نحن لا نستهدف البعثات الدبلوماسية مطلقاً، وحالياً لا نستهدف السفارة الأميركية، على الرغم من الوجود العسكري بالدرجة الأساس".
وبيَّن أنه "كنا نأمل من الشعب الأميركي في أن يضغط على حكومته من أجل سحب جنودهم وإعادتهم إلى مواطنهم وتجنيبهم الدماء، وكنا نأمل من الكونغرس الأميركي في أن يكون على مستوى شجاعة مجلس النواب العراقي في اتخاذ القرار المناسب، ولكن هذا للأسف لم يحدث إلى الآن".
قناعة غير متحققة
في المقابل، يرى خبراء أن جميع القوى السياسية تدرك أن التصعيد في الفترة الحالية ستكون له انعكاسات كبيرة على الوضع السياسي والأمني للبلاد، فيما أشاروا إلى أن القناعة في خروج القوات الأميركية من العراق غير متحققة لدى المرجعية الدينية في النجف فضلاً عن الرأي العام.
ويقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية أحمد الشريفي إن "تهديد الفصائل المسلحة مبالغ به، وبعضها لا يعدو كونه تهديداً إعلامياً فقط"، مشيراً إلى أن "التهديد الفعلي للوجود الأميركي غير موجود".
وكشف لـ"اندبندنت عربية" عن مقريبن من مصدر القرار السياسي بأنه "لا توجه من الفصائل المسلحة أو الجهات الخارجية لمهاجمة الوجود الأميركي في العراق حالياً"، لافتاً إلى أن "كل القوى السياسية تدرك أن خيارات التصعيد العسكرية تربك الأجواء السياسية والأمنية".
وأوضح أن "القناعة بخروج القوات الأميركية غير متحققة حتى عند العديد من القوى الشيعية، فضلاً عن عدم رغبة المرجعية والرأي العام العراقي في خروجهم في الوقت الحالي".
قرار غير ملزم
وعن القرار الشهير للبرلمان العراقي، بيّن الشريفي أن "القرار غير ملزم، لأن التحالف الدولي جاء بقرار أممي من مجلس الأمن/ ولا يخرج إلا بقرار أممي وبحسب تقييم وتقدير موقف من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن العراق لم يعد بؤرة لتهديد السلم والأمن الدوليين"، لافتاً إلى أن "القانون الدولي يمتلك الفوقية على القانون المحلي".
ولفت إلى أن "هناك مخاوف من مغادرة تلك القوات حيث لا توجد مقابلها ضمانات للسنة والكرد في قدرات ردع ذاتية لسد الثغرات التي قد يخلفها هذا الانسحاب".
وتابع أن "المخاوف السنية تتمحور حول السيطرة على مناطقهم من قبل فصائل مسلحة بعضها يبحث فعلاً عن تمدد في مجالات حيوية في المدن السنية".
وجود على غرار سوريا
وقال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي باسل حسين أن "أميركا موجودة في العراق لأسباب عدة أهمها ملف محاربة الإرهاب"، مبيناً أن "الانسحاب أمر مستبعد".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه "على الرغم من قرار البرلمان العراقي تستطيع أميركا تبرير وجودها بحجة محاربة الإرهاب على غرار وجودها في سوريا من دون موافقة الجانب السوري".
وكشف حسين أن "مصادر سياسية تتحدث عن أن إيران تضغط على الميليشيات الموالية لها في العراق لعدم الرد والتهدئة".
وأكد أن "احتمالات بقاء القوات الأميركية في المناطق السنية يخيف إيران من احتمالات خسارة تلك المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية والتي تجد لها نفوذ كبير فيها"، مبيناً أن "وجود بعض المليشيات في المدن السنية أكبر منها في المدن الشيعية".
وأضاف أن "القوات الأميركية ستبقى ضمن تسويات مرتقبة بين إيران والولايات المتحدة"، مشدداً على أن "العراق ليس طرفاً في تلك التسويات التي تجري على أرضه".
وكان البرلمان العراقي صوَّت على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد.