Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تفشل الواقيات من أشعة الشمس في حمايتنا؟

مروحة من الأسباب يتصدرها غياب التركيبة المثالية

فكر مرتين قبل التمدد لوقت طويل تحت اشعة الشمس، ولا تتكل على مركبات الوقاية من أشعة الشمس (إيه إيه آر بي)

ثمة شكوى يصعب تجاهلها. إذ ترتفع الأصوات هنا وهناك، لتعبر قلق الجمهور بشأن أخبار "متضاربة" عن قدرة مواد الوقاية من أشعة الشمس في أداء مهماتها، وحماية الناس من مخاطر تلك الأشعة. إذاً، هناك غموض يتوجب توضيحه. بداية، يجدر تذكر أن التأثيرات المضرة التي قد تنجم من التعرض المتطاول لأشعة الشمس، لها مسار معقد وهناك أشياء غير مفهومة تماماً، خصوصاً من قَبَلْ صُنّاع الواقيات. وأنا أعمل في مختبر استطاع تحقيق اختراقات علمية لا تقتصر على الوقاية من سرطانات الجلد، بل تمتد إلى الضرر الذي تحدثه الشمس في الجلد، بما في ذلك التسريع في شيخوخته. سبق أن نشرتُ مقالان عن هذا الموضوع في موقع "اندبندنت عربية"، وأُركّز في هذا المقال على سرطانات الجلد وأسباب فشل الواقيات المستخدمة حاضراً في وقايتنا فعليّاً منها.   

في المختبر، لاحظنا أن الأشخاص المياليون إلى الاتكال على الواقيات الشمسية، غالباً ما يصابون بحروق في الجلد. ويعرف العلماء أن حروق الجلد الناجمة عن التعرض المديد لأشعة الشمس، تندرج ضمن أسباب الإصابة بسرطانات فيه. وقد أشار تقرير صدر عن "مراكز السيطرة على الأمراض" في الولايات المتحدة، إلى تصاعد مستمر في أعداد الأميركيين الذين يصابون بحروق جلدية جراء تعرضهم للشمس منذ العام 2005.

في المقابل، لا يوجد تأكيد علمياً بشأن قدرة الواقيات على الحماية من سرطان "ميلانوما" في الجلد. وقد وجدت دراسة في 2011، أن الأستراليين المعرضون بوفرة لأشعة الشمس، استطاعوا خفض إمكانية إصابتهم بالـ"ميلانوما" إلى النصف، بواسطة الاستعمال اليومي لواقيات تحتوي على "عنصر الوقاية من الشمس" Sunburn Protection Factor (رقم 15)، إضافة الى استخدام القبعات واتّخاذ إجراءات متنوعة اخرى لتجنب التعرض للشمس.  

وبرهنت دراسات إضافية ان الواقيات تعطي حماية من الـ"ميلانوما". وفي مقلب معاكس، أكّدت بعض الدراسات على أن بعض مستخدمي الواقيات يكونوا أكثر عرضة من سواهم، للإصابة بالـ"ميلانوما". وكذلك وثّقت مجموعة من الدراسات التي أُجريَتْ في تسعينيات القرن العشرين، حدوث زيادة في معدل الإصابة بالـ"ميلانوما" بين المعتادين على استخدام مواد الوقاية من الشمس. وبرأيي، يرجع التضارب في المعلومات عن تلك المواد إلى التفاوت في تراكيبها، إضافة إلى أن تأثيراتها على بيولوجيا الجلد قد تكون أبعد مما نعرف عنها.

في ذلك الصدد، خلُصَ أطباء مختصون في الجلد من "جامعة ستانفورد"، بعد أن دقّقوا في البيانات التي جمعتها "مراكز ترصد الأمراض"، أن الذين يتّكلون بصورة كليّة على الواقيات الشمسية يتعرضون للإصابة بحروق شمسية أكثر ممن يستخدمون الواقيات بتقطع لكنهم يحرصون على حماية جلدهم بطرق اخرى تشمل ارتداء القبعات والملابس. وفي السويد، لوحظت زيادة في نِسَب الإصابة بحروق جلدية لدى الأطفال الذين تلجأ أسرهم إلى حمايتهم من أشعة الشمس باستخدام مواد الوقاية منها. وكذلك توصلت دراسات عن استخدام مواد الوقاية من الشمس في الحياة اليومية إلى رصد زيادة في حدوث حروق جلدية لدى من يتكلون على مواد الوقاية من أشعة الشمس أثناء تعرضهم لتلك الأشعة في الأوقات التي تكون كثافة الأشعة فوق البنفسجية فيها، مرتفعة تماماً [= في فترة الظهيرة بين الساعة 11:30/12:30 إلى 12:30/13:30].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذاً، من المستطاع القول إن مواد الوقاية من أشعة الشمس المتوفرة حاضراً، ليست مثالية تماماً. إذ ابتُكِرَتْ تلك المواد أساساً للوقاية من الإصابة بحروق شمسية، وكذلك يجري تصنيفها وفقاً لمؤشر يستند إلى "عنصر الوقاية من الشمس" فيها، ما يعني أن تقييمها يركز على مدى الوقاية التي تعطيها حيال إصابة الجلد بحروق شمسية. وكذلك تجدر الإشارة إلى أن الأشعة فوق البنفسجية من النوع "ب" والمُحمّل بالطاقة، تحرق الجلد مباشرة وتتسبب بضرر مباشر للحمض الوراثي في خلايا الجلد، لكن ذلك النوع لا يمثّل سوى ما يتراوح بين 3% و5% من إجمالي الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى سطح الأرض.

ويضاف إلى تلك الصورة أن الأشعة فوق البنفسجية من النوع "أ" تتوفر بكمية أكبر من نظيرتها من النوع "ب"، وتساويها في مدى الضرر الذي تلحقه بالجلد، لكنها لا تسبب حروقاً فيه. إذ تملك الأشعة فوق البنفسجية "أ" قدرة أكبر من نظيرتها "ب"، في الاختراق العميق للجلد، واستطراداً، فإنها تُحدِثْ أضراراً مختلفة نوعيّاً عن تلك التي تنجم من التعرض للأشعة فوق البنفسجية "ب".

أبعد من ذلك، حتى عندما يجري تصنيف مواد الوقاية من الشمس وفقاً لقدرتها على إعطاء حماية من الأشعة فوق البنفسجية "أ"، فإن ذلك لا يعني سوى أنها تحمي من جزء صغير من تلك الأشعة. ويضاف إلى ذلك أن تعليمات "مكتب الغداء والدواء" الأميركي بشأن مواد الوقاية من الشمس، لا تتضمن شروطاً تتعلق بمستوى الحماية الذي تعطيه حيال الأشعة فوق البنفسجية "أ".

على مدار عقود، افتَرَضَ صُنّاع مواد الوقاية وجمهور مستخدميها أن منع أو إبطاء إصابة الجلد بحروق شمسية يعني أنها توفر حماية من أضرار اخرى تشمل سرطانات الجلد. وحاضراً، تعرف جمهرة من الخبراء أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية "أ" و"ب"، يسهم في الإصابة بالـ"ميلانوما".

وفي أغلب الأحيان، يميل الأفراد الذين يستخدمون بانتظام مواد الوقاية الشمسية، إلى الإكثار من التعرض لأشعة الشمس. وعلى ذلك النحو، فلربما تقيهم تلك المواد من الحروق الشمسية، لكن إطالة زمن التعرض لأشعة الشمس يؤدي إلى تراكم مدى تعرضهم للأشعة فوق البنفسجية "أ"، ما يُحدِثْ أضراراً أبعد غوراً في جلودهم.

كخلاصة، يُفتَرَضْ ان تحتوي التركيبة المثالية لمواد الوقاية من الأشعة الشمسية على حماية متساوية حيال نوعي الأشعة فوق البنفسجية "أ" و"ب"، إضافة الى ضوء الشمس المرئي. إذ يتكفل ذلك بوقاية أصحاب البشرة السمراء من الأمراض المتعلقة بالصبغة الجلدية، كما تحميهم من تكون مواد مؤكسدة تضرر بالجلد وتحفّز ظهور سرطاناته. وفي مختبرنا المختص بعلوم الضوء والمواد، نعمل كفريق علمي على صنع مواد متقدمة في الوقاية من أشعة الشمس المتوفرة بغزارة دوماً في مدينة "سان دييغو" التي تستضيف مختبرنا.

المزيد من آراء