في تسارع واضح لوتيرة التعيينات في مناصب ذات أولوية بالنسبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، جرى إسناد منصب الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية لوزير الاتصال السابق محمد السعيد المقرب من وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، في الوقت نفسه استدعى تبون رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور للتشاور وهو شخصية مقربة من الحراك الشعبي.
وبدأت معالم أولويات الرئيس الجزائري تتضح تدريجاً بتركيزه على سياسة الاتصال برئاسة الجمهورية التي ستكون وفقاً لبيان سابق منها، الرافد الوحيد للمعلومة الرسمية عبر وكالة الأنباء الجزائرية.
وعيّن تبون، وزير الاتصال السابق محمد السعيد (بين العامين 2012 و2013) وزيراً مستشاراً للاتصال ناطقاً رسمياً باسم رئاسة الجمهورية، ويُحسب محمد السعيد على التيار المحافظ، وهو رئيس سابق لحزب "الحرية والعدالة" الذي تأسس بموجب إصلاحات سياسية بدأها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2011 .
كما يوصف محمد السعيد بأحد المقربين من وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، الذي كان جزءاً كبيراً من الحراك يردد اسمه بقوة في فترات سابقة للعب دور سياسي قبل الانتخابات الرئاسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"أبو العباس"
واشتغل محمد السعيد سابقاً مدير المركز الجزائري للإعلام والثقافة في بيروت، وإدارة يومية "الشعب" الحكومية، ثم مديراً عاماً لوكالة الأنباء الجزائرية ومديراً للصحافة والإعلام، والناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية.
كما عمل وزيراً مستشاراً في سفارة الجزائر بالسعودية، ومثّل الجزائر لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان سفيراً لدى دولة البحرين، وحاضَرَ في المعهد الدبلوماسي العماني بمسقط.
وبرز اسم محمد السعيد كوزير للاتصال أثناء "تسيير" تبعات الاعتداء الإرهابي الشهير على منشأة للغاز في "تيقنتورين" بعين أمناس في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر، وتولى السعيد دور الناطق باسم الحكومة في فترة واجهت الجزائر "شكوكاً" من شركاء غربيين لا سيما من بريطانيا واليابان إثر مقتل عدد من رعاياهم في الاعتداء الذي نفذه 32 إرهابياً من جنسيات عدة بعدما تسللوا من الحدود الليبية بتدبير من الإرهابي الجزائري "مختار بلمختار" المعروف بـ"أبو العباس".
استقبال بن بيتور
وفي اليوم نفسه لتعيين محمد السعيد، كشفت الرئاسة الجزائرية عن تلبية رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور (أول حكومة عينها بوتفليقة لكنه استقال بعد فترة بسبب خلافات) لدعوة وجهها إليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وبث ّالتلفزيون الحكومي صوراً للقاء "ودي" بين الرجلين، وقالت رئاسة الجمهورية "اللقاء كان تشاورياً سمح باستعراض الوضع العام للبلاد والوضع الاقتصادي"، كما تضمن اللقاء "آفاق العمل الجاد لتجنيد الإطارات والكفاءات الوطنية وتسخير الإرادات الطيبة خدمة للبلاد".
ثقة كبيرة
ويحظى أحمد بن بيتور بثقة كبيرة بين ناشطي الحراك الشعبي، كما أنه عضو سابق في "حركة مواطنة" التي ناهض قادتها ترشح بوتفليقة لولاية خامسة منذ العام الماضي، كما أن معظمهم من أنصار "فترة انتقالية" ما عرّضهم لانتقادات كبيرة من أنصار الرئاسيات.
ويعتبر أحمد بن بيتور من أبرز الشخصيات الجزائرية تمكناً من الجوانب الاقتصادية، وله دراسات استشرافية عدة توقعت انهيار إمكانيات الخزينة العمومية، وتعتبر موافقته على لقاء تبون على الرغم من كونه أحد أهم خصوم الرئاسيات الماضية مؤشراً إيجابياً في سياق مشروع الحوار السياسي الذي يدعو إليه الرئيس منذ أول يوم من تنصيبه.
واعتاد بن بيتور إصدار بيانات في فترة ما قبل الرئاسيات إلى جانب كل من أحمد طالب الإبراهيمي، وكذلك عميد الحقوقيين الجزائريين علي يحيى عبد النور، ما يجعل من حضوره إلى رئاسة الجمهورية رمزياً إلى حد كبير بما أنه إقرار مبدئي بشرعية تبون من شخصية كانت تتوسط مبادرات تنتقد الظروف التي جرت فيها الرئاسيات.
كما أن شريكي بن بيتور في البيانات السابقة يمثلان تيارين متعارضين تماماً في صفوف الحراك، فالإبراهيمي شخصية أقرب إلى التيار الإسلامي المعتدل، بينما يحسب علي يحيى عبد النور على التيار "الديموقراطي" الممتد في منطقة القبائل خصوصاً، فهو يحظى باحترام كبير في حزب "جبهة القوى الاشتراكية" وعدد من المنظمات الحقوقية لا سيما "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" التي كان يقودها الحقوقي مصطفى بوشاشي سابقاً أحد أبرز متصدري الحراك إلى اليوم.
"مفاتيح الحل"
ويبحث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أساس هذه الخطوات عن "مفاتيح" للوصول إلى عمق الشارع الجزائري بطرفيه، فهو من جهة يقترب من تيار المحافظين الذين دعموا الرئاسيات بشدة، ومن جهة أخرى يبحث عن مدخل إلى النواة الصلبة للحراك من خلال شخصية أو شخصيات رمزية يثق الشارع في مصداقيتها ويمكن أن يأمن إليها مطالبه.
وفي حال استمر تبون على النهج نفسه، وربما توسيع قائمة الشخصيات التي ستتم استشارتها، فإنه بذلك يتجاوز عقدة قديمة تعود إلى بدايات الحراك الشعبي "مَن يمثل من؟" بتوليه هذه المهمة بنفسه، أي اختيار ممثلين ذوي مصداقية بدل العودة إلى نقطة الصفر ما يؤجج خلافات جديدة بين نشطاء المسيرات.
والأرجح، وفق مصادر على اطلاع بأجندة الرئيس الجديد، أن أي نتائج للحوار ستدمج في الدستور المقبل للبلاد، إذ يحاول تبون الإسراع ما أمكن بهذه الورشة، وربما يلجأ إلى منح مناصب لبعض الشخصيات ذات الصدقية في الحراك الشعبي، وتتوقع مصادر أن يكون تبون قد عرض على بن بيتور مثلاً منصب "رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي" وهو هيئة استشارية مهامها إعداد أرقام اقتصادية بعيداً عن الروايات الرسمية.