إذا أردنا أن نأمل في العودة إلى الوسطية، علينا أن نبدأ بالتعاطف. فالسياسة الوسطية الحقيقية تجمع ما بين الأفضل في كلٍّ من اليسار واليمين من خلال فهم أن للدولة دوراً تؤدّيه، لكنها في المقابل تلتزم فكرة أن للأفراد دوراً يجب أن يقوموا به هم أيضا. وعلى نقيض هذا المنحى، فإن متطرّفي اليسار واليمين العاملين في سياستنا اليوم، يركّزون على إلقاء اللوم على الناس بسبب مشاكلهم هم ومشاكل مجتمعهم.
لاحظتُ بنفسي هذا الأمر في نقاشنا العام المتعلّق بالعنصرية. فغالباً ما قام سياسيّونا باستخدام العنصرية سلاحاً من أجل غاياتهم السياسية الخاصّة، وبدلاً من النظر إلى جميع الأشكال على أنها خاطئة، قاموا بإنشاء تسلسلات هرمية للعنصرية خاصّة بهم.
حزب "العمّال" في ممارسات الأعوام الأخيرة، فشل في إدراك أنه يجب ألا تكون فقيراً أو عاجزاً كي تصبح ضحية للعنصرية، ورفض حوادث معاداةٍ واضحة للسامية معتبراً أنها جزء من مؤامرة على قادته. وفي المقابل، انزلق حزب "المحافظين" من الوطنية إلى قوميةٍ تحمل مسحة كرهٍ للإسلام واضحة ومتنامية.
ويبدو أن كلا الحزبين قد نسي المبدأ الأساسي لسياساتٍ مناهضة للعنصرية شاملة وأخلاقية التي تقوم على أننا في مجتمع ديموقراطي لائق، كلّنا متساوون في القدر والقيمة. وعلى هذا المبدأ يجب تأسيس الوسطية.
هذا المبدأ ليس محصوراً بشكل كلّي بالعرق أو بالدين. فالدافع لدينا يجب أن يكون أيضاً مساعدة أطفال الرعاية والأشخاص الذين لا مأوى لهم والأفراد الوحيدين وأولئك الأكبر سنّاً الذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الاجتماعية المناسبة. وسواءٌ كان الناس يعانون من الفقر أو الإعاقة أو النقص في التعليم أو التمييز، فمن مسؤولية الذين هم في السلطة عدم إعفاء أنفسهم من اللوم، بل إيجاد حلول إنسانية تساعد في إنهاء معاناة هؤلاء.
ومع الفراغ من الانتخابات أخيرا، هنالك أسباب تدعو إلى التفاؤل. فقد دعا رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى التعافي. وهو واثق كما أنا، من أننا نستطيع أن ننتقل من هذه الفترة السامّة التي سبّبت الانقسام في سياساتنا. وللقيام بذلك، علينا التأكّد من أن يتمّ إنجاز الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي بطريقة لا تفضي فقط إلى الوفاء بمهمّته الديموقراطية، بل أن يُجرى أيضاً بطريقة تسبّب أقلّ ضرر ممكن للمواطنين. وإذا أردنا العودة إلى سياسة التسامح الوسطية، فيجب أن تكون هذه هي الخطوة الأولى.
وللوصول بالخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي إلى ما يمكن أن يشفي من الانقسامات القائمة، يجب أن يشمل ذلك أيضاً معالجة الخطاب العنصري الذي ارتفعت حدّته منذ بدء حملة الاستفتاء، بما في ذلك داخل حزب "المحافظين" نفسه.
ويمكن أن يكون التحقيق المقبل في جميع أشكال التمييز والتحامل، بما في ذلك الخوف من الإسلام، خطوةً كبيرة إلى الأمام فيما نحن نحاول المضي قدما. ومن السليم أن يشمل التحقيق ليس موضوع الخوف من الإسلام فحسب، بل كذلك العنصرية التي تدلّ على "بيئة معادية" أدّت إلى إلحاق ظلم مروّع بجيل "ويندرش" (جيل الكاريبيّين الذي كانوا يفدون في سفينة "ذي إمباير ويندرش" إلى بريطانيا في الفترة الممتدّة ما بين العام 1947 والعام 1971)، وكذلك المعاداة للسامية والتعصّب ضد المجتمعات المتنقلة.
وإذا فشلنا في حماية أي مجتمع من سوء المعاملة، فإننا نكون قد أخفقنا في تحمّل مسؤوليتنا كحزب أمّة واحدة، يرى أن جميع مواطنيه متساوون في القدر والقيمة.
مع ذلك، يساورني قلقٌ من اختيار رئيس لجنة التحقيق. فقد عبّر سواران سينغ (بروفسور كلّفه حزب "المحافظين" ملفّ الشؤون الدينية والاجتماعية بما فيها موضوع الخوف من الإسلام) عن وجهات نظرٍ تبدو غير متوافقة مع الغرض من التحقيق، بحيث يبدو أنه يتجاهل المخاوف المتعلّقة بالتحيّز باعتبارها مجرّد ضحية. وتدفعه غريزته نحو إعفاء المؤسّسات من المسؤولية وتالياً إعفاء من هم في السلطة من الحاجة إلى إيجاد حل. آمل في أن يعاود التفكير في نهجه ويضع التعاطف والاحترام في مقدّم نقاط انطلاقه.
وما زالت توجد لدى حزب "المحافظين" في ظلّ الأغلبية الجديدة، فرصة للمضي قدما. ويمكن لهذه الفرصة أن تعوّض عن استخدام الأدوات الخاطئة للوصول إلى السلطة عن طريق القيام بالشيء الصحيح في أثناء ممارستها. لدينا لحظة للشفاء، وهذا يعني التأكّد من أن ينطلق المسؤولون عن العملية من موقع إنساني وتصميمٍ على إيجاد حلول تساعد وتشفي.
ويبقى الواقع المحزن المتمثّل في أن السياسة الشعبوية التي يحركها اللوم تفعل فعلها. فهي قد تصنع شعاراتٍ جيّدة وتثير المشاعر وتحقّق الفوز في الانتخابات. لكن سياسة التعاطف تؤسّس لأمة أقوى.
بارونة وارسي عضو في مجلس اللوردات ورئيسة سابقة لحزب "المحافظين".
© The Independent