Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انقسامات وصراعات تصيب أحزاب الجزائر

الأحزاب الجزائرية تعيش حراكاً داخلياً ينذر بمشهد سياسي جديد

الأحزاب السياسية  تعيش حراكاً داخلياً ينذر بمشهد سياسي مختلف (غيتي)

انتقلت عدوى الحراك من الشارع إلى الطبقة السياسية، بعد نجاحه في "طرد" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و"العصابة"، حيث تعيش أكبر التشكيلات السياسية في الجزائر، انقسامات وانشقاقات من أجل القيادة والزعامة، أو بسبب تضارب الأفكار والأهداف، أو جراء الفشل الذي منيت به منذ 22 فبراير (شباط) حتى انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون مطلع الشهر الحالي.

حراك في الأحزاب السياسية

يبدو أن التغيير شد رحاله ليحط وسط الأحزاب السياسية التي باتت تعيش حراكاً داخلياً ينذر بمشهد سياسي جديد، يواكب ما أحدثه الحراك الشعبي الذي أفرز سقوط نظام بوتفليقة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، حيث تعيش أكبر الأحزاب وأقدمها على وقع "صدامات وانقلابات وانشقاقات" من شأنها إحداث تغييرات في الوجوه والتوجهات والسياسات والأهداف.

في سياق متصل، شرعت قيادات من حزب "جبهة التحرير" الحاكم منذ استقلال البلاد عام 1962، في بـ "حملة تنظيف"، عبر تأسيس "لجنة إنقاذ"، تطالب بالرحيل الفوري للأمين العام بالنيابة الحالي، علي صديقي، والتحضير لمؤتمر جامع لـ"تصحيح مسار الحزب". ويقول القيادي حسين خلدون، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي، إنه "يجب تخليص الحزب من العصابة المسيطرة عليه"، داعياً المناضلين إلى الثورة على القيادة الحالية.

"ثورة" داخل الحزب الحاكم

يوضح خلدون أن حل أزمة الحزب يستوجب وبشكل فوري، تجاوز الهيئات القيادية الحالية فاقدة الشرعية والصدقية، و"الذهاب إلى مؤتمر جامع وشامل يصحح كل الإشكالات التي أوصلت الحزب إلى مستوى لا يغتفر، أقل ما يقال عنه إنه كارثي بكل المعايير"، مضيفاً أن "الحراك في الحزب مستمر بقيادة الشرفاء من المناضلين والشباب بوجه خاص، من أجل إنقاذه وتخليصه من وحل العصابة وإعادة الاعتبار للمناضلين الحقيقيين وطرد الخونة والانتهازيين والمرتزقة"، وذلك في سياق التغيير الذي ينشده الشعب الجزائري لبناء الجزائر الجديدة.

ويعتبر دعم حزب جبهة التحرير للمرشح عز الدين ميهوبي، من "التجمع الوطني الديمقراطي" (الحزب الحاكم الثاني)، القطرة التي أفاضت كأس الغضب، بعد الانتكاسات التي مسته منذ بداية الحراك الشعبي، حيث لم يقدم مبادرات لحل الأزمة، وحمّله الشعب مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد في ظل عبد العزيز بوتفليقة، ومن ثم التزامه تجنب الانتقادات والتوتر.

حزب "أويحيى"

من جهة ثانية، يعرف حزب رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى الموجود في السجن، أن التجمع الوطني الديمقراطي، على فوهة بركان، بعد خروج القيادية البرلمانية أميرة سليم، عن صمتها منتقدة الأمين العام بالنيابة عز الدين ميهوبي، المرشح للرئاسيات الماضية.

وقالت إن ميهوبي يحاول تبرير فشله الانتخابي في الرئاسيات، وذلك باتخاذه قرارات تعسفية مجحفة وغير قانونية، في حق إطارات وقيادات من الحزب رفضت ترشحه للاستحقاق السابق، مشيرة إلى أن القانون الداخلي للحزب واضح عبر المادة 33 التي تنص على محدودية صلاحياته، وتؤكد تجاوزه القانون، حيث أن مهمته تقتصر التحضير للمؤتمر الاستثنائي، "لكنه خرق كل الأطر بإقدامه على تصفية الحسابات واتخاذ قرارات ارتجالية بالتعيين والتجميد والإقصاء وغيرها".

وتضيف أميرة "نرفض كل قرارات هذا الشخص جملة وتفصيلاً، لأن قراراتك غير شرعية، وعليك تقديم استقالتك بعد الفشل الذي بلغته"، محذرة من "خطة جهنمية للاستيلاء على الحزب والإبقاء على الانتهازيين والدخلاء".

أقدم حزب معارض برأسين؟

في المقابل، يعيش أقدم حزب معارض في البلاد، "جبهة القوى الاشتراكية"، أسوأ مراحل تاريخه بسبب الانشقاقات والاختلافات، حيث يسير بقيادتين متصارعتين، وتفيد لجنة مكونة من ممثلين وقيادات عن المتصارعين، بأنه بات من الضروري الذهاب إلى دورة لمجلس الحزب للم الشمل وإنهاء الانقسامات وإخراج الحزب من الأزمة وإعادته إلى الدور الذي أسسه من أجله الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد.

تشكيلات جديدة في الأفق

يعتقد المحلل السياسي رابح لونيسي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن الحراك كان يستهدف منذ بدايته إحداث قطيعة مزدوجة مع النظام بآلياته المهترئة وكذلك قطيعة مع الأحزاب التي كان يراها نتاج النظام الفاسد، وقد عارض الأحزاب بأشكال متفاوتة، وركز كثيراً على أحزاب الموالاة، وطالب صراحة في كل المسيرات بذهابهما، أما المعارضة فقد ركزت على من شارك في التيسير، ولو لمدة قصيرة، موضحاً أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة مهدت لإبعاد حزبي السلطة بحكم دعمهما للمرشح ميهوبي الذي حصل على نسبة ضئيلة.

ويرى لونيسي أن "أحزاباً جديدة ستظهر بعد الحراك، وقد بدأت تظهر بوادرها، لكن السؤال الرئيسي الذي يجب علينا طرحه بعمق، هل ما زالت الأحزاب بتنظيمها التقليدي المعروف سواء في الجزائر أو العالم لها تأثير فعلاً، أم أن هناك أشكالاً أخرى من التنظيمات ستظهر؟ والدليل على عدم تأثير التشكيلات السياسية بشكلها التقليدي المعروف، ما نلاحظه من فوز في الانتخابات بخاصة الرئاسيات لمرشحين لا ينتمون إلى أحزاب كما وقع في تونس مثلاً، وقيل إنها ظاهرة عالمية ستتطور بحكم الثورة في تكنولوجيا الاتصالات، فهل سيدرك الجزائريون هذا المعطى الجديد؟".

في حين يوضح المحلل السياسي أن الصراعات داخل الأحزاب عادة ما تدور حول توزيع الريوع والوصول إلى المناصب، ولا علاقة لها بالنضال السياسي، ما أضعف الأحزاب وأفقدها تأثيرها في المواطن.

التغيير الشامل

في سياق متصل، يعتبر توسيع دائرة السلطة من تقاليد الجزائر منذ 1992، ومع تعرض الكتلة التقليدية المساندة للسلطة للتفكك والفشل، يجد الرئيس تبون نفسه في مهمة البحث عن البديل عبر وجوه سياسية جديدة، ما دفعه إلى التريث وربح الوقت، حتى فرز الساحة معطيات جديدة بالإبقاء على حكومة تصريف الأعمال من دون التسرع في تشكيل حكومي جديد.

وفي السياق ذاته، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي محمد دلومي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن التحولات والانشقاقات الحاصلة على مستوى الطبقة السياسية بخاصة الأحزاب التاريخية ممثلة في جبهة التحرير وجبهة القوى الاشتراكية، ومن ثم التجمع الوطني الديمقراطي، أمر طبيعي بحكم ما تعيشه البلاد منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، موضحاً أن المخاض الذي تعيشه التشكيلات، نتيجة حتمية لإرادة الشعب في التغيير الشامل، وهو ما فهمته الأصوات الصامتة أو المهمشة داخل هذه الأحزاب، فأخذت على عاتقها زمام التغيير.

ويقول دلومي إن هذه التغييرات سترافقها تحولات شديدة على مستوى الطبقة السياسية التقليدية، والأكيد أن وجوهاً حزبية عمرت طويلاً ستغادر مكرهة أو راضية المشهد السياسي، ولعل أول من فهم أن الخريطة السياسية في البلاد لن تبقى على حالها علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحريات، الذي قرر الانسحاب من الحياة السياسية وترك العمل للشباب.

وفي ظل التغيير الحاصل في هرم السلطة والمراهنة على الشباب، فإن أحزاباً بوجوه جديدة ستظهر للعلن بعد أن يتم تعديل الدستور وقوانين إنشاء الأحزاب.

المزيد من العالم العربي