أحيا سكان منطقة سيدي بوزيد الذكرى التاسعة للثورة التونسية، كما جرت العادة في 17 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام. وهذا التاريخ في سيدي بوزيد له رمزية خاصة، فهو يوم عطلة في هذه المحافظة الواقعة وسط تونس، حيث تشهد احتفالات متعدّدة يذكّرُ خلالها شباب المنطقة السلطةَ السياسية بأنها جهة مهمّشة وفقيرة من خلال تنظيم المسيرات والفعاليات.
وفي كل ذكرى، يزور المحافظة إما رئيس الحكومة أو رئيس الدّولة ليستمع إلى الناس ويلقي عليهم سيلاً من الكلام الإنشائي المشحون بالعاطفة والإحساس بنبل المطالب من دون أن يتغير واقع الحال بعد تسع سنوات من الثورة.
خطاب مشحون بالتهم
اتجه رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى سيدي بوزيد ممتلئاً بمشاعر الألم والمعاناة، وألقى في النّاس كلمة مرتجلة تحدّث فيها عن مجهولين يتهمهم بإجهاض الثورة من دون أن يشير إلى أي أحد منهم تلميحاً أو تصريحاً.
فمن كان يقصد سعيد بكلامه هذا؟ وهل يعي جيداً أنه ممثل للدولة ومحمول على الانضباط وربط القول بالفعل؟
لقد بنى سعيد حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية على فشل النخب السياسية في صنع ربيع تونس وعدم استجابتها لمطالب الشعب في الحرية والكرامة. وقدم نفسه بديلاً ومنقذاً للبلاد، رافعاً شعار "الشّعب يريد".
تصريح سعيد بأن "الرّابع عشر من ديسمبر أجهض الثورة، وأن عيدها في السابع عشر من ديسمبر سيكون يوم عطلة"، هل هو اتهام لفئة من الشعب يرى أنها تآمرت على أبناء سيدي بوزيد؟ أم أن الرّجل يقصد المنظومة السّياسية التي تنكّرت بحسب تصوّره للشعب الذي أسقط الديكتاتورية وانشغلت عنه بإكراهات السياسة والحكم؟
اتهم سعيد أطرافاً، مشيراً إليهم بضمير الغائب "هم"، بأنهم يحيكون المؤامرات في الظلام. فهل يعقل أن "يشكو" رئيس الدولة إلى شعبه ظلم المؤامرات؟ وهل ينتظر رئيس الجمهورية من التونسيين أن يكشفوا هذه المؤامرات بينما تعجز عن كشفها أجهزة الدولة؟
مشروع سعيد
سعيد أغرق كلمته في "الشعبوية"، متناسياً أنه يمثل رأس السّلطة وأنّ الدولة لها مكانتها الاعتبارية ورمزيتها، ولا يمكن أن يساوم بها للتودد لفئة من المواطنين.
وأضاف أنّ هؤلاء يفتعلون الأزمات من دون أن يتخذ أي إجراء، مذكّراً يأن كرسي الرئاسة لا يغريه، وأنه يرغب في أن يكون بين الجماهير. فهل بدأ سعيد في الكشف عن برنامجه السياسي في تغيير نظام الحكم؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتكز برنامج سعيد الانتخابي على فكرة الحكم المحلي ثم الجهوي ثم المركزي، وهي فكرة تقوم على النظام المجالسي المحلي ثم تتوسّع دائرة الحكم للوصول إلى المركزي.
ويبدو أن سعيد متمسك بهذه الفكرة وهو يغازل الفئات المنهكة التي تعاني ضنك الحياة، طالباً مساندتها لتفعيل مشروعه، إلا أن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في المشهد السياسي السائد، وهو ما لا تقبل به الأحزاب السياسية.
هل يعي رئيسُ الجمهورية أنّ فترة الحملة الانتخابية انتهت؟ أم أنّ الرّجل لا يزال يعيش على إيقاع ووهج الخطابات الرّنانة الحالمة بالغد الأفضل خلال لقاءات الحملة الانتخابية؟
كان من الأجدى أن يصارح رئيس الدّولة التونسيين بمحاسن الحرّية وإكراهاتها وبصعوبات الانتقال الديمقراطي الذي مرّت بها شعوب العالم، التي نحتت مستقبلها بنفسها من خلال العمل ونكران الذات.