وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب المملكة المتحدة في زيارة مدّتها يومين من شأنها أن تعرقل حملة بوريس جونسون المُحكمة تحضيراً للإنتخابات العامة.
وأوضح رئيس الوزراء بشكل لا لبس فيه أنه يأمل ألّا يعلّق ترمب على القضايا السياسية البريطانية خلال زيارته لحضور اجتماع قادة الناتو، ولم تؤكد رئاسة الوزراء بعد عقد اجتماع ثنائي بين الرجلين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن عندما يواجه الرئيس الصحافة بعد الاجتماع يوم الأربعاء في فندق من مقاطعة هرتفوردشاير، لا بدّ أن تتطرق الأسئلة التي ستطرح عليه إلى رأيه في الإنتخابات وفي عملية بريكست المستمرة كما في مسألة عالية الحساسية هي وضع هيئة الخدمات الصحية الوطنية على طاولة البحث ضمن المحادثات التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
كما ستقع على عاتق جونسون مهمة حرجة هي التوسّط من أجل إحلال السلام وإنهاء الحرب الكلامية بين إيمانويل ماكرون ورجب طيب أردوغان في قضية التوغل التركي الأخير داخل الشمال السوري الذي دفع الرئيس الفرنسي إلى التحذير من أنّ الناتو أصبح "ميتاً دماغياً".
وقبل الاجتماع، دعا رئيس الوزراء البريطانية إلى وحّدة الدول الأعضاء الـ29 الذين يجمعهم حلف أنهكته الخلافات بشأن سوريا.
وكتب جيريمي كوربين رسالة إلى الرئيس عشيّة وصوله حثّه فيها على التخلي عن طلبه "بالنفاذ إلى كامل سوق" الخدمات البريطانية العامة كجزء من أي صفقة تجارية. كما دعا كوربين السيد جونسون إلى تعليق المحادثات التجارية حتى توافق واشنطن على حذف أي ذكر للأدوية والمستحضرات الطبية من أهداف التفاوض وتقبل بدور الجهة الناظمة "نيس" في المحافظة على انخفاض أسعار الأدوية التي توفرها هيئة الخدمات الصحية الوطنية وترفض لجوء الشركات الأميركية للمحاكم في الخارج من أجل انتزاع حقّ التعامل مع قطاع الخدمات البريطانية العامة.
وفي الرسالة التي وجّهها إلى ترمب، قال زعيم حزب العمّال إن محتويات السجلّات المسرّبة للقاءات فريق العمل الأميركي-البريطاني المعني بالمفاوضات التجارية، التي كشف عنها الأسبوع الماضي، تثير المخاوف من محاولات "شركات صناعة الأدوية الكبرى" في الولايات المتحدة، تغيير قوانين براءات الإختراع البريطانية بحيث تزيد كلفة الأدوية كثيراً بالنسبة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وقال للرئيس "لا شكّ لدّي في أنك تعلم بأن الانتخابات العامة المقبلة بتاريخ 12 ديسمبر تعني أنّ الرأي العام البريطاني بحاجة للتوضيح الفوري والتأكيد على أنّ هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية لا تدخل فعلياً ضمن المفاوضات التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة ولن تُفرض عليها كلفةٌ أعلى من شركات الأدوية الأميركية".
وقالت روث بيرغن من حركة العدالة التجارية البريطانية "يجب ألّا يستمر العمل من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة ما لم تقدّم لنا براهين فعلية على استثناء هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالفعل من المباحثات، وعلى التزام الولايات المتحدة مكافحة تغيّر المناخ، وعلى وضع آليات مراقبة مناسبة في البلدين. وكلّ اتفاقٍ لا يرقى إلى هذا المستوى يعتبر خيانة للوعود التي قطعتها جميع الأطراف".
وخلال زيارته الأخيرة المملكة المتحدة في يونيو (حزيران) صرّح دونالد ترمب أنّ هيئة الخدمات الصحية الوطنية "على طاولة البحث" ضمن المفاوضات التجارية، لكنّه سرعان ما تراجع عن كلامه بعد موجة الغضب التي أثارتها تصريحاته.
أظهر الرئيس الاميركي في السابق بعض الودّ في دعمه جونسون- وحينها أدلى بتصريح شهير أحرج تيريزا ماي حين قال إن منافسها يبدو عليه أنه سيكون رئيس وزراء جيّد عشيّة لقائه بها. لكن فيما تظهر استطلاعات الرأي أنّ الأغلبية الساحقة من البريطانيين ينظرون سلباً إلى الرئيس الأميركي، يخشى المحافظون من أن يضرّ أيّ دعم يبدر عنه بفرص جونسون الإنتخابية بدل أن يفيدها.
وأعرب جونسون بشكل لا لبس فيه عن تفضيله ألًا يتكلم الرئيس الاميركي عن الانتخابات فقال "تربطنا علاقات وصداقات وثيقة جداً بالولايات المتحدة على كافة الأصعدة الرسمية. لكن الذي لا نفعله عادة، باعتبارنا حلفاء وأصدقاء صدوقين، هو التدخّل في الحملات الإنتخابية للطرف الثاني".
ومع حمله الرحال إلى لندن، كان شاغل ترمب جلسة الاستماع التي تعقدها اللجنة القضائية النيابية يوم الأربعاء ضمن إجراءات مساءلة الرئيس، وهي جلسة رفض محاموه حضورها.
وكتب ترمب على تويتر "سوف أمثّل بلدنا في الناتو المنعقد في لندن فيما يعقد الديمقراطيون أكثر جلسات المساءلة سخافة في التاريخ. إقرؤوا السجّلات، لم يبدر أي كلام أو تصرف خاطئ! إن اليسار المتطرّف يحجّم بلادنا. نظّموا جلسات استماع أثناء انعقاد قمة الناتو!".
وسلّط ترمب الضوء على مقابلة أجراها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، نفى خلالها تطرّقه إلى مسألة تسليم المساعدات العسكرية الأميركية المُحتجزة إلى بلاده كجزء من صفقة "تبادل" مقابل تحقيقه في ادّعاءات حول المصالح التجارية لنجل المرشّح الديمقراطي للإنتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن.
وقال زيلينسكي خلال مقابلته مع صحيفة التايم "لم أتحدّث يوماً مع الرئيس من موقع تبادل الخدمات. هذا ليس أسلوبي ولا أريد لنا أن نظهر بمظهر المتسوّلين".
وردّ ترمب من خلال تغريده "أخبار عاجلة: الرئيس الأوكراني أعلن للتوّ أنّ الرئيس ترمب لم يخطئ مطلقاً مع أوكرانيا ولا خلال تعاملاتنا أو اتصالاتنا الهاتفية".
وسوف يحضر الرئيس الاميركي وغيره من الزعماء حفلة استقبال برّاقة في قصر باكنغهام تستضيفها الملكة مساء الثلاثاء. وعلى لائحة المدعوّين أيضاً جيريمي كوربين الذي قال سابقاً إنه سينتهز فرصة لقاء ترمب لحثّه على إعادة النظر في قراره سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس حول تغيّر المناخ.
ومن المزمع أن يترأس جونسون في وقت سابق من يوم الثلاثاء، اجتماعاً يضمّ السادة رجب طيب أردوغان وإيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مبنى رئاسة الوزراء لبحث الأوضاع في الشمال السوري. وأعرب رئيس الوزراء الشهر الماضي في حديث مع أردوغان عن قلقه إزاء هجوم القوات التركية على منطقة تقع تحت السيطرة الكردية بعد انسحاب القوات الأميركية منها، مما أدى إلى نزوح نحو 300 ألف شخص.
وصرّح الناطق الرسمي باسم جونسون أنّ رئيس الوزراء البريطاني رحّب بتعليق القتال اللاحق في المنطقة واعتبر اجتماع الثلاثاء "فرصة للتباحث في هذه المسألة وفي الصورة الأكبر المتعلقة بالشؤون الأمنية".
وردّاً على الإنتقاد الفرنسي الذي وُجه إليه الأسبوع الماضي، قال أردوغان إنه على السيد ماكرون أن يتأكد ما إذا كان شخصياً "ميتاً دماغياً".
ودعا الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ المملكة المتحدة إلى استضافة اجتماع القادة بمناسبة الذكرى الـ70 على تأسيس الحلف، اعترافاً بدورها الجوهري في تأسيس هذه المنظمة.
ولدى سؤاله عما إذا كان جونسون يشاطر ماكرون رأيه في الفائدة المرجوة من المنظمة على خلفية العدوانية التركية والإنسحاب الأميركي، أشار الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني إلى أنّ "رئيس الوزراء يعتبر الناتو أكثر الأحلاف العسكرية متانة ونجاحاً في التاريخ والحلف يواصل التكيّف مع المخاطر المتغيرة التي نواجهها".
"وهو ركن الأمن الأوروبي والأطلسي وتساهم في حماية مليار شخص. ويرتقب أن يشدد رئيس الوزراء البريطاني على ضرورة رص الأعضاء كلهم الصفوف وراء الأولويات المشتركة كي يواصل الناتو التكيّف مع التحديات المقبلة".
ولفت مكتب رئاسة الوزراء أنه منذ انعقاد قمة الناتو الأخيرة في ويلز في العام 2014، إزدادت الميزانية الدفاعية للدول الأعضاء غير الولايات المتحدة بقيمة 130 مليار دولار (100 مليار جنيه استرليني) إجمالاً، مما يخفف بعض الشيء من استياء واشنطن إزاء اختلال الموازين في تحمّل الأعباء المالية.
© The Independent