Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان و"الجار" الروسي… الدور المضاد للثورة

الرهانات اللبنانية على دور لموسكو في المساعدة على تسوية الأزمة لم تكن في محلها

محتجون لبنانيون في العاصمة بيروت (غيتي)

روسيا "السورية" صارت جارة لبنان. وهي لم تكن غريبة عنه. لا أيام القياصرة وفتح المدارس والدور المشارك في ضمان متصرفية الجبل. ولا أيام الاتحاد السوفياتي ورعاية اليسار من دون زعزعة اليمين، حيث كان أول ڤيتو سوفياتي في مجلس الأمن لمصلحة الاستقلال اللبناني. ولا طبعاً في أيام الرئيس فلاديمير بوتين، الذي أطلق "استراتيجية التخلص من نتائج الحرب الباردة" وعمل على استعادة دور موسكو كقوة عالمية عظمى. ومن الطبيعي في الأزمة الحالية التي يمر فيها لبنان كما قبلها، أن يبحث أطراف الأزمة عن دور روسي مساعد: الطرف الرافض لأي دور أميركي والمرتاح للدور الإيراني والمطالب بالتوجه إلى روسيا والصين. والطرف الصديق للغرب الأميركي والأوروبي والمتمسك بأفضل العلاقات مع الأشقاء العرب. فالمعادلة صارت ثابتة ومكرسة منذ التدخل العسكري الروسي في حرب سوريا: حيث تتراجع أميركا تتقدم روسيا. والمشهد بالغ التعبير، أقله في الشكل: زحام عربي وإيراني وتركي وإسرائيلي وأوروبي وأميركي في موسكو، وحتى في سوتشي التي يفضل بوتين استقبال زعماء العالم فيها.

لكن الرهانات اللبنانية على دور روسي ناشط في المساعدة على تسوية الأزمة لم تكن في محلها بالنسبة إلى الذين توقعوا دعم ما يطالب به الثوار من إصلاحات جذرية. فالسفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين نظر إلى الثورة الشعبية السلمية العابرة للطوائف والمناطق والتي أعادت الروح إلى الوطنية اللبنانية، فرأى "أن الثورة المهرجانية الفولكلورية يمكن أن تتحول إلى أشياء مأسوية". وليس ذلك من المفاجآت، ولا بالطبع ما حدث من اعتداءات على الثوار في بيروت والجبل وصيدا وصور والنبطية وبعلبك قامت بها مجموعات من حزب الله وحركة أمل تهتف "شيعة، شيعة، شيعة"، رافعة أعلاماً حزبية ومذهبية. فالموقف الإستراتيجي الروسي، منذ بدء "الثورات المخملية" في البلدان التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي أو في المعسكر الاشتراكي، هو رفض الثورات ودعم "الستاتيكو". في ليبيا، وقف الروس ضد الثورة التي أسقطت نظام معمر القذافي، واتهموا الغرب الأميركي والأوروبي الذي تدخل عسكرياً إلى جانب الثوار بالخداع وتجاوز ما سمح به قرار مجلس الأمن الذي وافقت عليه موسكو. و"عقدة ليبيا" تحكمت بالموقف الروسي حيال الثورة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، والثورة السورية التي صارت حرباً. وهم استخدموا قوتهم العسكرية وموقعهم في مجلس الأمن لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد. وهم يقفون في فنزويلا مع الرئيس نيكولاس مادورو ضد الثورة الشعبية.

والسؤال هو: ما الذي تستطيع روسيا تقديمه للذين يطالبونها بدور تطلبه أصلاً لنفسها؟ والجواب الشائع هو أن الدور في حد ذاته مفيد في إدارة النظام الدولي والنظام الإقليمي. فالأحادية الأميركية على قمة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة قادت إلى مزيد من غطرسة القوة وارتكاب أخطاء استراتيجية صبت في مصلحة خصوم أميركا كما حدث في غزو أفغانستان والعراق، حيث الرابح إيران. و"لا أحد يحب قوة عظمى، ولو كانت فرنسا مكان أميركا لبدت هيمنتها أفظع"، كما قال مسؤول فرنسي كبير. والتعددية القطبية على قمة العالم تريح الشعوب نسبياً، لجهة نوع من التوازن بين أدوار أميركا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي. وهذا ما يسمح بتنوع الخيارات لدى عواصم البلدان الأخرى.

غير أن الواقع أشد تعقيداً. فمن يطلب التوجه إلى الصين وروسيا بدل أميركا يأتيه الرد من بكين وموسكو: لا نريد ولا نستطيع أن نكون البديل من أميركا. استراتيجية بوتين هي "زرع الشوك على طريق أميركا"، ولكن من أجل الاعتراف به كشريك ومعاملته من الند إلى الند. حجم التجارة بين أميركا والصين يتجاوز ملياري دولار يومياً. حتى إيران، فإن هدفها من "الممانعة" هو رفع العقوبات الأميركية عنها، وطموحها هو التعامل الاقتصادي مع أميركا وضمان أن تعترف واشنطن بالمصالح الإيرانية في المنطقة، بالتالي بنفوذها الإقليمي. وإذا كان فيليب روجييه يقول في كتاب تحت عنوان "العدو الأميركي" إن العداء لأميركا "مرض فرنسي"، فإن العداء لأميركا يدفع اليسار إلى الدفاع عن بوتين الذي يمارس القمع حتى ضد القوى الوسطية قبل اليسارية.

ذلك أن الدخل القومي لروسيا هو 1.6 تريليون دولار مقابل 18 تريليوناً لأميركا، و16 تريليوناً للصين، و34 تريليوناً للاتحاد الأوروبي. وليس في روسيا اليوم ما كان في روسيا القيصرية من أدب وفن وموسيقى، ولا ما كان في الاتحاد السوفياتي من جاذبية أيديولوجية. فالنظام الرأسمالي هناك هو ما يسمى نظام "الشلة" أو "الكليبتوكراسية" أو "الأوليغارشية" أو حكم الجماعة المسماة "سلوفيكي". وما يراه الصحافي الإيطالي سفرنيني في مقال نشرته "النيويورك تايمز" هو "أن روسيا تفتقر إلى القوة الناعمة واللغة والثروة والمهارات".

وقدر لبنان هو الانفتاح على الغرب والشرق. وخياره هو رفض أخذه إلى أي محور في الصراعات الإقليمية والدولية.

المزيد من آراء