كشف مقتل 13 عسكريا فرنسيا في تحطم مروحتين في مالي عن مدى خطورة تصاعد المد الإرهابي في أفريقيا، خاصة في منطقتى الساحل والصحراء اضافة إلى شمال أفريقيا. وتشهد المنطقة تصعيدا خطيرا في العامين الأخيرين لنشاط الجماعات الإرهابية المحلية المرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم داعش. ومنذ هزيمة داعش في سوريا والعراق قدم مقاتلون من خارج دول المنطقة مثلما حدث في بوركينا فاسو التي سيطروا فيها على منطقة مناجم الذهب.
وكانت السلطات تحظر التنقيب عن الذهب في تلك المنطقة إلا أن "أجانب على موتوسيكلات" قدموا اليها منذ أكثر من اربع سنوات حيث يستفيد هؤلاء من عائدات تنجيم الذهب في تجنيد عناصر للتنظيمات او شراء السلاح.
وأدى نشاطهم في بوركينا فاسو إلى مقتل العشرات في عمليات متتالية، كان اخرها في اكتوبر الماضي حين قتل 20 شخصا على الاقل في هجوم ارهابي في تلك المنطقة في محافظة سوم شمال بوركينا فاسو. ونتيجة عمليات الترويع والخطف نزح أكثر من 300 الف شخص إلى مناطق اكثر امنا في شرق او جنوب البلاد.
اما مالي، التي تعاني من توطن الارهاب فيها، فتتعرض أيضا لتصعيد في العمليات الارهابية وكان اخرها مطلع الشهر حين قتل اكثر من 50 عسكريا في هجوم ارهابي تبناه تنظيم داعش.
في مثلث مالي بوركينا فاسو النيجر تنشط جماعة داعش الساحل، وانضم اليهم مجموعة منشقة عن بوكو حرام الناشطة أساسا في نيجيريا
من الشرق إلى الغرب
كان الأشهر بين الجماعات الإرهابية في افريقيا جماعة الشباب في الصومال الموالية للقاعدة، ويمتد نشاطها الإرهابي إلى كينيا ودول مجاورة في شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، فإن جماعة بوكو حرام في نيجيريا اكتسبت شهرة إعلامية خاصة بعد إعلان ولائها لداعش.
ولم تكن جماعة "القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي"، وهي فصيل من تنظيم القاعدة قوية في السنوات السابقة على 2015 ـ بمعنى كمية ونوع عملياتها الإرهابية في المغرب والجزائر وتونس. لكنها أخذت في تعزيز صفوفها وأصبحت متواجدة في ليبيا التي تشكل حاضنة مثالية للجماعات الارهابي سواء الموالية للقاعدة او داعش.
أما في دول الصاحل والصحراء، فقد قتل الآلاف وشرد الملايين في السنوات العشر الأخيرة نتيجة عمليات الارهاب التي تقوم بها جماعات اما موالية للقاعدة او داعش. ولم تحظ تلك العمليات بتغطية إعلامية مناسبة، خاصة مع الاهتمام بفظائع داعش في العراق وسوريا منذ 2014.
وفي مثلث مالي بوركينا فاسو النيجر تنشط جماعة داعش الساحل، وانضم اليهم مجموعة منشقة عن بوكو حرام الناشطة أساسا في نيجيريا. وتتركز العمليات الارهابية لتلك المجموعة الجديدة في منطقة بحيرة تشاد (نيجيريا، النيجر، تشاد، الكاميرون).
والأخطر في تلك المنطقة هو تجمع لتنظيمات إرهابية تشكل في مارس 2017 يسمى "جماعة نصرة الاسلام والمسلمين" يضم المرابطون وأنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا والفصيل الصحراوي من القاعدة في بلاد المغرب. ويدين هذا التجمع بالولاء لزعيم القاعدة ايمن الظواهري. بينما بوكو حرام، وداعش ليبيا وجماعات أخرى تدين بالولاء لتنظيم داعش.
ومع تحول ليبيا إلى بؤرة لجماعات مختلفة وعناصر من القاعدة وداعش، أصبحت المنطقة الممتدة من درنة ومصراتة في الشمال حتى مالي وجنوب الجزائر وكذلك مال تشاد والنيجر ساحة للنشاط الارهابي الذي يستقطب عناصر محلية وأجنبية.
وامتد نشاط الجماعات الارهابية من الشرق إلى الغرب، من الصومال حتى موريتانيا، مع منفذ بحري على المتوسط يتمثل في ليبيا ومنافذ بحرية في الساحل الغربي والقرن الأفريقي.
أما ليبيا، التي كانت نقطة تجمع للإرهابيين من شمال افريقيا وشبه الجزيرة في طريقهم إلى سوريا والعراق عبر تركيا، فقد أصبحت بعد هزيمة داعش في سوريا والعراق نقطة تجمع "طريق العودة" لهؤلاء الارهابيين.
القاعدة وداعش
مع إن صورة الجماعات الإرهابية في افريقيا تبدو كانها جماعات متباينة الولاء أما لتنظيم القاعدة أو لتنظيم داعش، إلا أن الجذر الأساسي لكل تلك الجماعات الإرهابية هو الفكر الذي تبناه تنظيم القاعدة تطويرا لخط المظلة الرئيسية لكافة التنظيمات الارهابية: تنظيم الإخوان.
في دراسة مطولة للباحث ببرنامج التطرف في جامعة جوروج تاون د. أسعد المحمد أعدها للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي – يتحدث عن الفوارق بين القاعدة وداعش من حيث تحديد الأهداف والعدو القريب والعدو البعيد، والتنافس بين التنظيمين في إعادة التجميع وريادة حركة العنف المسلح. لكن رغم اختلاف النهج إلا أن الهدف الاستراتيجي واحد: إقامة دولة خلافة للأمة! وهذا ما يمكن أن يجمع الاشتات الآن خاصة في منطقة توصف بأنها "ارض بلا صاحب" في جنوب ليبيا شرقا وغربا.
وتخلص الدراسة إلى ترجيح أن يلجأ داعش للاقتراب من النهج التدريجي للقاعدة في بلوغ الهدف، دون التخلي طبعا عن تكتيكاته الأكثر عنفا ووحشية. وهذا هو المؤشر على ما يجري الآن في افريقيا من التقاء لتلك الجماعات المختلفة، خاصة في ليبيا.
توحد الارهاب وضرورة التحالف
إذا كانت جماعات الارهاب تتجمع الآن في تلك المنطقة وتتجه نحو التوحد فإن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب يبدو وكأنه اكتفى بالنصر على داعش في سوريا والعراق. ولعل غياب توحيد الجهود بين الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان تعمل قواتهما في أفريقيا لمكافحة الارهاب دليل على أن تنظيمات الارهاب تسبق في عملية التجميع وتوحيد الجهود.
لدى فرنسا قوة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل هي قوة فرخان وقوامها 4500 عسكري. وفي أكتوبر (تشرين الأول) بدأت فرنسا جهودا لتكوين قوة أوروبية لمكافحة الارهاب في المنطقة. وتدعم فرنسا مجموعة جي 5 ساحل فورس (خمس دول هي موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).
في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أن فرنسا تتوقع نشر القوة الجديدة، "تاكوبا" في مالي في 2020 وأن "أكثر من عشر دول أوروبية أبدت استعدادها للمشاركة". لكن قيادة أفريقيا للقوات الأمريكية اكتفت بالقول إنها تساعد الجهود الفرنسية لكن القوات الامريكية لن تكون جزءا من القوة المقترحة، تاكوبا.
على مدى عشرة أيام في النصف الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي شنت الولايات المتحدة عدة غارات باستخدام المسيرات (MQ9-Reaper) من القاعدة الامريكية في النيجر على جنوب غرب ليبيا فقتلنت 43 من عناصر داعش الأرهابية. حسب قول الأدميرال هايدي بيرج مدير استخبارات القيادة الامريكية في افريقيا فان القاعدة في بلاد المغرب ناشطة ايضا في ليبيا، وتستغل هي وداعش المجال لتجنيد عتاصر جديدة.
لكن يبدو أن واشنطن أصبحت تدرك أهمية توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، وإن لم تبد هناك خطوات عكملية حتى الآن. ففي وقت سابق من نوفمبر (تشرين الثاني)، قال رسل تريفرز، القائم بأعمال رئيس المركز الوطني لمكافحة الارهاب، أمام الكونجرس إن "التهديد الشامل من الإرهابيين لم يتراجع بل إنه يتصاعد في بعض المناطق" .. "الجماعات الرئيسية بما فيها داعش والقاعدة تنتشر في مناطق جيدة وتعزز شبكتها بما يزيد من قوة الحركة الارهابية وقدرتها على تهديد المصالح الأمريكية". مشيرا إلى أن التوتر في بعض البلدان يشكل حاضنة لتلك الجماعات، وذكر بالتحديد مصر ومالي ونيجيريا وليبيا وسوريا واليمن.
وتسعى الولايات المتحدة لتشكيل تحالف ضد الإرهاب في 2020 يركز بالأساس على إفريقيا، كما ذكر المسؤولون الأميركيون منتصف نوفمبر. فبعد اجتماع وزاري للتحالف ضد الإرهاب في واشنطن قال السفير ناتان سيلز مدير مكتب مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الامريكية إن الوزراء ناقشوا الحاجة لاستمرار الضغط على داعش خارج نطاق تواجدها الأصلي (سوريا والعراق). وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال إنه تم التوصل إلى اتفاق "على المستوى العملي بأن غرب أفريقيا ومنطقة الساحل ستكون منطقة الاهتمام للتحالف خارج نطاق داعش الأصلي".
وبينما تسعى القوى الداعمة للإرهاب لنقل بؤرته الجديدة إلى افريقيا لا يزال التحالف الدولي، بقيادته الامريكية ورافده الاوروبي، في طور النقاش. ولعل الأمر يتطلب حزما أكبر لمواجهة محاولة تجميع الإرهابيين في مهدها قبل أن يفاجأ العالم بداعش جديد أكثر وحشية وعنفا مركزه ليبيا ويمتد نشاطه من القرن إلى الساحل في أفريقيا.