المشهد بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزّة يبدو كأنه على صفيح ساخن، مع إعادة تفعيل المواجهة بين الشبان الثائرين، في مخيمات مسيرة العودة وكسر الحصار، والجيش الإسرائيلي، المتمركز خلف ترسانة قتالية كبيرة.
تفاهمات برعاية مصرية
كان الحراك الليلي من الأدوات الأولى التي قرّرت الهيئة العليا لمسيرة العودة إعادة تفعيلها من جديد، بعد تنصّل إسرائيل من التفاهمات الأخيرة التي عقدت برعاية مصرية، التي أدت إلى توقف كلّ أدوات التظاهر والالتزام بالمشاركة الشعبية في خيام المسيرة فحسب، مقابل كسر الحصار عن القطاع على مرحلتين.
فعلياً، تدخل الجانب المصري والأممي بعدما وصلت مسيرات العودة إلى ذروتها، ودخلت في جولات تصعيدية عدّة، استخدمت فيها صواريخ من المقاومة الفلسطينية، بينما قصفت الطائرات الإسرائيلية عدداً من المناطق المدنية في غزّة.
المرحلة الأولى من كسر الحصار كانت تتمثل في تسهيل دخول الوقود الخاص بشركة الكهرباء، والسماح بدخول الأموال القطرية، وتوسيع مساحة الصيد إلى 12 ميلاً، بدلاً من ثلاثة أميال، وفتح المعابر الحدودية، بما في ذلك معبر رفح مع الجانب المصري.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر، أنّ المرحلة الثانية تتمثل في تغذية القطاع كهربائياً عبر شركة تعمل على الغاز، والسماح بالسفر عبر ميناء غزّة البحري، وزيادة نسبة مساحة الصيد وفق الاتفاقيات الموقعة، وإنشاء منطقة تجارية في معبر رفح البري.
لكن، ووفق نائل أبو عودة، رئيس المكتب السياسي في "حركة المجاهدين" في قطاع غزّة، تنصّل الإسرائيليون من هذه التفاهمات، وأطلقوا النار في اتجاه المتظاهرين، واستخدم القناصة القوة المباشرة والمميتة في وجه متظاهرين كان كثير منهم أطفالاً، ولم يُعمل على تخفيف الحصار من خلال تطبيق البنود المتفق عليها. ما دفع هيئة المسيرة إلى الإعلان عن نيتها استخدام أدوات جديدة في التظاهر السلمي، لإجبار إسرائيل على تطبيق بنود التفاهمات الأخيرة.
وأضاف أبو عودة أنّ "الهيئة أبلغت الجانب المصري بأنّ المنطقة على شفير حرب كبيرة، ومواجهة ملحمية في كل أشكالها الشعبية والعسكرية، في حال استمر الاحتلال في التنصّل من هذه التفاهمات".
وكشف أبو عودة أنّ هيئة المسيرة تعمل على زيادة الزخم الشعبي، من خلال زيادة عدد المشاركين في المسيرات الشعبية السلمية، "لتثبت للعدو والعالم أنّ التسويف والمماطلة الإسرائيليّين لن يسقطا الحق الفلسطيني".
ابتكار أساليب جديدة في المواجهة
وأوضح، أنّ قيادة الهيئة العليا تركت للشعب الفلسطيني في غزّة حرية ابتكار أساليب جديدة في المواجهة مع الاحتلال ضمن مسيرات العودة، مع الحفاظ على سلمية وشعبية هذه الأدوات. ووفق أبو عودة، فإنّ أولى هذه الأدوات ستكون الحراك الليلي، وهو أحد الطرق الشعبية في التظاهر والتعبير عن رفض الظلم والحصار على قطاع غزّة. والمقصود بالحراك الليلي مشاركة عدد من الشبان ضمن مخيمات مسيرة العودة بالألعاب النارية وإشعال النار بأشكال مختلفة أمام الجندي الإسرائيلي، واستخدام المفرقعات الصغيرة بالقرب من الحدود.
وأضاف أبو عودة أن "الأداة الثانية هي إعادة تفعيل الحراك البحري، بعد توقفه فعلياً لأسابيع لتتمكن مصر من ضبط التفاهمات وتنفيذها من جانب الاحتلال". وتقوم فكرة الحراك البحري على تسيير مراكب في عرض الأبيض المتوسط، بالقرب من موقع زيكيم العسكري الإسرائيلي، بمشاركة عدد من المواطنين بطرق سلمية، وتعدّ هذه المنطقة المخيم السادس لمسيرات العودة.
وتابع أبو عودة: "ستعمل وحدة قطع السلك (أي قطع السياج الحدودي) عبر أدوات بسيطة من جديد، على الحدود الشرقية للقطاع، وفي مناطق لن يتوقعها الاحتلال، وستلحق به هذه المجموعة أضراراً كبيرة، لتكشف زيف قوة جيشه".
وأشار أبو عودة إلى "إعادة تفعيل وحدة الكاوتشوك، التي تعدّ أكبر الوحدات من حيث الحجم والأهمية في المواجهة مع الاحتلال". وتعمل هذه الوحدة على تجميع إطارات السيارات القديمة، وجلبها إلى مخيمات المسيرة، ومن ثمّ حرقها أمام ثكنات الجنود، بهدف تضليل القناصة الإسرائيليين عبر ستار دخاني كثيف يعيق الرؤية، ويمنعهم من إطلاق النار في اتجاه المتظاهرين، لحمايتهم.
ووفق أبو عودة، ستعمل المسيرة على إعادة تفعيل وحدة "البلالين" الحارقة، والطائرات الورقية المشتعلة الذيل، لتهبط في الأراضي الزراعية الإسرائيلية وتحرقها، "ما سيكبد الاحتلال خسائر كبيرة".
انطلاق المسيرات
بدأت قصة هذه المسيرات في 30 مارس (آذار) 2018، عندما أعلنت الهيئة العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار انطلاق فعالياتها على الحدود الشرقية للقطاع، واختارت ذلك المكان لالتحامه جغرافياً مع الجانب الإسرائيلي، على طول 41 كم. وأعلنت الهيئة آنذاك افتتاح خمسة مخيمات في مختلف محافظات غزّة، لتأمين المشاركة الشعبية السلمية والاحتشاد فيها.
انطلقت الفعاليات بمشاركة شعبية واسعة، ورافقها زخم إعلامي عربي ودولي، وفق قيادة المسيرة، ما أعاد إلى القضية الفلسطينية مكانتها على أجندة الاهتمام الدولي.
استمرّت المسيرات حتى يومنا، واستخدم الجيش الإسرائيلي فيها الغاز المسيّل للدموع، فضلاً عن إطلاق النار الحيّ والمباشر في اتجاه المتظاهرين، وقتل الصحافيين والمسعفين والأطفال.
وسقط في هذه المسيرات أكثر من 250 قتيلاً، وأصيب حوالي 25 ألف شخص، 13750 منهم نقلوا إلى مستشفيات القطاع لتلقي العلاج، فيما تلقى الآخرون العلاج ميدانياً.