Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موقف جونسون متناقض من الانفاق العام

رئيس الوزراء البريطاني يعد بنثر المال على "هيئة الصحة الوطنية" والشرطة وفي الوقت نفسه يلوم حزب العمّال على زيادة الإنفاق

رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، وجيريمي كوربين زعيم الحزب العمالي (إندنبندنت)

غريبٌ هو الفرق الذي تحدثه سنتان من الزمن. ففي الانتخابات العامة التي أجريت العام 2017، قالت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي لممرضةٍ كانت تكافح لتتحمل البقاء أعواماً من دون تلقي أي زيادة في أجرها "لا توجد شجرة نقود سحرية يمكننا هزّها فجأة، فتعطي الناس كلّ ما يريدون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذه الانتخابات، يهزّ المحافظون والعمّال الشجرة بشدة إلى درجة التسبب بزعزعة جذورها. فقد اعتاد المحافظون إرضاخنا، من خلال الكلام عن "خطتهم الاقتصادية طويلة الأجل" التي تقضي بالحدّ من العجز.  لدى المحافظين حالياً خطة إنفاق طويلة الأجل، ويتصرّف الحزبان كما لو أن العجز قد تبدد بطريقة سحرية. لكنه في الحقيقة ما زال حاضراً بقوة، فالفجوة بين الإيرادات الحكومية والإنفاق بلغت 41.5 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية التي انتهت في مارس (آذار) الماضي.

ولطالما واظب "المحافظون" على التحذير من أن الانفاق المفرط الذي يقترحه حزب العمّال سيعيد بريطانيا إلى أيام سبعينيات القرن الماضي السيئة، حين كانت المملكة المتحدة بمثابة "الرجل المريض في أوروبا" إلى أن تماثلت للشفاء على يدي رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر. لكن المحافظين انضموا اليوم إلى العمّال في اقتراح مستوى غير مسبوق من الإنفاق العام منذ تلك الأيام. ففي الانتخابات الحالية، التزم المحافظون بقاعدة مالية للإنفاق اليومي على غرار تلك التي اقترحها حزب العمّال في العام 2017 وهاجموها في حينه معتبرين أنها مسرفة. وينظر فريق رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى تحسين الخدمات العامة وزيادة الأجور على المستوى الوطني كجزءٍ مهم من حملته الهادفة إلى استمالة ناخبي حزب العمّال التقليديين في شمال البلاد ووسطها، لأن مسألة بريكست لا تكفي وحدها لكسب أصواتهم.

 

اكتشف المحافظون متأخرين أن أسعار الفائدة بلغت أدنى مستوياتها التاريخية، كما دأب حزب العمّال على المجادلة  منذ فترة طويلة، فعملوا على تبديل أهدافهم المالية وذلك للسماح بإنفاق نحو 20 مليار جنيه إسترليني سنويا على البنية التحتية من خلال زيادة الاقتراض. هذا الإجراء المتأخر هو موضع ترحيب. ووعد حزب العمّال هو الآخر بصرف مبلغ إضافي مقداره 55 مليار جنيه إسترليني سنوياً على إنفاق استثماري كهذا.

 

ولا شك في أن موقف حزب العمال حيال التقشف كان مقنعاً أكثر من ذاك الذي تبناه المحافظون الذين لن يعترفوا بذلك، بطبيعة الحال. فكما هي الحال بالنسبة إلى موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يريد بوريس جونسون أن يفعل الشيء ونقيضه في آن، أي كما يقول المثل الإنجليزي أن "يأكل كعكته وأن يحتفظ بها في الوقت نفسه". وهو يريد صرف المال على "خدمة الصحّة الوطنية" والمدارس والشرطة، في وقت يهاجم فيه حزب العمّال الذي يعد الناخبين بمزيد من الإسراف في الإنفاق على الخدمات العامة.

ضمّ الخطاب الافتتاحي للحملة الانتخابية الذي ألقاه بوريس جونسون يوم الأربعاء الماضي، جملة تلقي الضوء على نواياه الحقيقية، وصف فيها مشروعه بأنه "على طريقة المحافظين المؤمنين بوحدة المجتمع و ‘الأمة الواحدة‘، معقول ومعتدل لكنه يخفّض الضرائب". وخلال الانتخابات لاختيار زعيم حزب المحافظين، تعهّد جونسون برفع المستوى الأول من معدل الضريبة البالغ 40 نقطة من 50 ألف جنيه إسترليني إلى 80 ألفاً في السنة، الأمر الذي سيكّلف نحو 9 مليارات جنيه إسترليني، ويخرج الأشخاص ذوي الدخل المنخفض من شبكة الضرائب.

ويشعر بعض أعضاء مجلس الوزراء، بمن فيهم وزير المالية ساجد جاويد، بالقلق من أن التخفيضات الضريبية الكبيرة لا تنسجم مع وعود المحافظين بزيادة الإنفاق على الخدمات العامة. فسرعان ما سيشعر الناخبون بأن المبالغ لم تغير في واقع الحال، وسيغامر المحافظون بفقدان صدقيتهم لجهة نضج سياساتهم المالية.

 

وتدور معركة في الكواليس بين جونسون وجاويد حول ما ينبغي إدراجه في بيان حزب المحافظين الانتخابي عن التخفيضات الضريبية. ويشهد مجلس الوزراء ايضاً نقاشاً حاداً حول وجوب تقديم البيان الانتخابي التزاماً مكلفاً بشأن الرعاية الاجتماعية من عدمه. ومعلوم أن هذه الرعاية خدمة وطنية تمولّها الضرائب. ويبدو أن وزير المالية يتّجه نحو الفوز بجولة المصارعة هذه، فيما يحاول كبح غرائز جونسون وهي " أنفق ثم أنفق وأنفق". وقد أسرّ لي أحد الوزراء بأن "من الصعب علينا أن نشنّ هجمات على حزب العمّال عندما يرانا الناس في حرب مزايدةٍ معه".

ويبدو حزب العمّال أكثر صدقاً من حزب المحافظين، باقتراحه زيادة الضرائب بدلاً من خفضها، على فئة الـ 5% من أصحاب المداخيل الأعلى. ويرى "معهد الدراسات الضرائبية والمالية" أن فائض الموازنة المتوقّع في الفترة ما بين 2022 و2023، الذي يمكن استخدامه لزيادة الإنفاق أو تخفيض الضرائب، والبالغ 37 مليار جنيه إسترليني، قد صُرف سلفاً بالكامل بسبب التزامات الإنفاق والتغييرات المحاسبية. وحذّر من أنه لن يكون هناك أي مجال لإنفاق إضافي كبير على الخدمات من دون زيادة الضرائب.

ويحتاج الناخبون إلى مزيد من التدقيق في خطط الأحزاب كلها، لكن رئيس الوزراء يريد أقل قدر من التمحيص عندما يتعلق الأمر بخطط المحافظين. فقد أُجبر "مكتب مسؤولية الميزانية" على إلغاء تحليله المتعلّق بالمالية العامّة في اللحظة الأخيرة يوم الخميس الماضي. وأُفيد رسمياً، أن أوساط حكومية عليا اعتبرت أن نشر التقرير سيمثل انتهاكاً لقواعد نزاهة الخدمة المدنية خلال الانتخابات.

ومع ذلك، كان من المرجح أن "مكتب مسؤولية الميزانية" قد أفاد سلفاً أن المالية العامة قد شهدت هذه السنة تراجعاً من شأنه أن يعرّض وزير المالية جاويد لخطر الإخفاق في تحقيق هدفه المالي السابق. هكذا، أُسقط هذا الهدف من الحساب في الوقت المناسب. لكن تقرير "مكتب مسؤولية الميزانية" يجب أن يُنشر.

وينبغي كذلك أن تتخلى وزارة المالية عن رفضها الكشف عن الأثر الاقتصادي الذي ستُحدثه صفقة بوريس جونسون بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فكل ما سمعناه من جاويد هو بيان يؤكد أن "الصفقة تصبّ بشكلٍ واضح في مصلحتنا الاقتصادية". ومع ذلك، فقد دفعت اتفاقية التجارة الحرّة المحدودة المقترحة بـ "بنك إنجلترا" إلى خفض توقعاته بشأن النمو.

ويستحق الناخبون المزيدٍ من المعلومات حول الأثر الذي ستتمخض عنه الصفقة التي يسعى جونسون إلى الحصول على تفويض شعبي لإبرامها. وربما تكون الحقيقة غير ملائمة إلى حدّ كبير.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات