لعل الكلمات التي رددها بوضوح جيري براون، الحاكم السابق لكاليفورنيا، لم يسبق أن كان لها الأثر نفسه من قبل: "سبق أن قلت منذ أعوام أن ما ترونه اليوم هو بمثابة الوضع الطبيعي الجديد والخطير للغاية. ليس ذلك إلا بداية لسلسلة طويلة من الأهوال المرعبة المتوقع حدوثها على مدى العقود المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع مواصلة رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا، مواجهتهم لموجة كبيرة من الحرائق العنيفة التي دامت 3 أسابيع وامتدت إلى جميع أنحاء الولاية، تحول الانتباه إلى معرفة الأسباب الكامنة وراء اشتداد حرائق الغابات هذه السنة. السبب الرئيس الذي اتفق عليه العملاء هو تغير المناخ. بارك ويليامز، عالم المناخ الحيوي في جامعة كولومبيا، تحدّث في نيويورك عن الظروف المناخية المتغيرة التي ينتج عنها ارتفاع في مستوى الحرارة والتبخر والجفاف، وقال إنها هي التي تسبّب اندلاع مزيدٍ من الحرائق. وتوقع أن يستمر هذا الاتجاه من دون الجزم في احتمال تكرار هذه الحرائق كل سنة في ظل هذه التقلبات الطبيعية: "ما نحن على يقين منه هو أنه كلما ازداد الجفاف ازدادت المساحات القابلة للاشتعال. الحرائق تحدث دائماً لكن المختلف الآن هو مستوى الحرارة التي تزداد اليوم بنسبة درجتين أو ثلاث درجات، ما يكفي لتسجيل فارق ملحوظ."
وفيما يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفضه الاعتراف بأن التغير المناخي هو من صنع الإنسان، ومع خروج جاي إنسلي من السباق الرئاسي هذا الخريف، وهو "الديموقراطي" الوحيد الذي خاض انتخابات الرئاسة تحت عنوان مواجهة التغير المناخي، يحاول سكان كاليفورنيا وغيرها من الولايات الغربية التوصل إلى حلول لمواجهة هذا التحدي، ليس فقط هذه السنة، لكن على امتداد السنين والعقود المقبلة.
وفي سياق متصل، ردد كتّاب الافتتاحيات في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" كلمات الحاكم السابق في مقابلة له مع اليومية السياسية الأميركية "بوليتيكو"، حين قال إن "التغير المناخي تسبّب في إحراق كاليفورنيا. فهل أنتم متنبّهون لهذا الواقع؟"
وأضافوا "إن أحداً لا يستطيع أن يدّعي صراحة أن تلك كانت مفاجأة، إذا ما نظرنا إلى الحرائق المدمّرة والمتوالية على مدى الأعوام الأخيرة. ومع ذلك، فإن الدهشة تكون دائماً هي الطاغية." وطرحوا السؤال: "كيف انحدرت الأمور بهذه السرعة إلى هذا السوء في كاليفورنيا؟ ليأتي الجواب بالتالي: "إنه التغير المناخي. الواقع الذي لم تتقبّله بعد مجتمعاتنا."
العوامل التي سببت اندلاع الحرائق في مختلف أنحاء كاليفورنيا وتحديداً في منطقتين منها - أحدهما بالقرب من سان برناردينو وأصبح يُعرف باسم "حريق التل"، والآخر كان حريق "كينكيد" في الشمال – قد تكون مختلفة هذه السنة عن تلك التي كانت وراء سائر الحرائق الأخرى.
وفي موازاة ذلك، كانت شركة "باسيفيك للغاز والكهرباء" - وهي أكبر شركات كاليفورنيا التي تقدم هذه الخدمات - في موضع حرج أثار الجدل بقرارها بقطع إمدادات الطاقة عن آلاف السكان سعياً للحؤول دون تسبب الخطوط المعطلة بمزيد من الحرائق.
وكانت هذه الشركة التي تأسست قبل نحو 90 عاماً، قد تقدمت في وقت سابق من هذه السنة بطلب إشهار إفلاس، لمواجهة التزامات ومسؤوليات ناتجة عن سلسلة من الحرائق المدمّرة التي هشّمت شمال الولاية في العامين 2017 و2018، إضافة إلى مسؤوليتها عن حريق كامب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مدينة " بارادايز". هذا الحريق الذي يُعدّ الأكثر تدميراً في تاريخ كاليفورنيا، قضى على 85 شخصاً وأتى على أكثر من 150 ألف فداناً من الأراضي.
وإزاء المسبّبات المحدّدة للحرائق، بحسب ما أشار إليه بعض الخبراء، فقد أدى أخيراً حادث التصادم لسيارة تابعة للشرطة خلال إحدى مطارداتها، إلى نشوب حريق في حي "جوروا فالي"، في جنوب غرب منطقة سان برناردينو - وقد عُزي السبب الأكثر عموماً إلى ظروف الجفاف والحرارة الآخذين في الارتفاع.
ويقول ويليامز وزملاؤه في دراسة بحثية نُشرت هذا الصيف في مجلة "مستقبل الأرض" Earth's Future: "ازداد معدل حرائق الغابات السنوي في كاليفورنيا منذ أوائل السبعينيات بمقدار خمسة أضعاف، وتخللتها حرائق كبيرة مدمّرة للغاية في العامين 2017 و2018". وربطوا ذلك بزيادة مساحة منطقة حرائق الغابات في فصل الصيف بنسبة 8 أضعاف، وجفاف أنواع الوقود التي يعززها ارتفاع درجات الحرارة من المصدر البشري."
ويرى خبير المناخ الأميركي مايكل مان، وهو مدير "مركز علوم نظام الأرض" في جامعة ولاية بنسلفانيا، أن تغير المناخ يلعب دوراً حيوياً في تعرض غرب الولايات المتحدة للحرائق بحيث ارتفعت نسبتها بمقدار 5 أضعاف، وتزايد خطر تعرض الأراضي للحرق، فيما ازداد معدل انتشار الحرائق في الغابات بنسبة 4 أضعاف منذ الثمانينات.
ويؤكد مان أن هنالك سلسلة من التراكمات التي ساهمت في تهيئة الظروف لاندلاع حرائق أكثر كثافة وأسرع انتشاراً في الغابات، بدءاً من ارتفاع درجات الحرارة إلى تواتر مواسم الجفاف الطويلة، ونشوء نظم مناخية مرتبطة بإجراءات الحدّ من تدفق النفاثات المائية.
وردا على سؤال حول طرق مواجهة مثل هذه الحرائق، أجاب مان: "طالما لا نزال نمعن في إطلاق انبعاثات غاز أكسيد الكربون في الجو، وتكوين ظروف مناخية أكثر حرارةً وجفافاً في كاليفورنيا، فلا شك في أننا سنشهد تفاقماً في نسبة حرائق الغابات. ويشير إلى أن الحل الفعلي الوحيد يكمن في تقليل استهلاك الوقود الأحفوري الذي تنتج عنه غازات الدفيئة المسبّبة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض.
وفي العام الماضي، أفادت مجموعة من أبرز علماء المناخ أن العالم أمامه بالكاد 12 عاماً لاتخاذ خطوات عملية وإجراء تغييرات هائلة في البنية التحتية للطاقة العالمية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفضه إلى مستويات معتدلة. وقال الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة: "لا توجد سابقة تاريخية موثقة".
ولطالما كانت كاليفورنيا تدرك فداحة تأثير الرياح القوية والجافة التي تعُرف باسم رياح "سانتا آنا" أو "ديابلو." ويتوقع العلماء أن تغيّر هذه الرياح هي الأخرى نمطها.
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز،" قالت جانين غوسمان موراليس، وهي باحثة ما بعد الدكتوراة في "معهد سكريبس لعلوم المحيطات" في جامعة كاليفورنيا، إن الرياح قد تصبح أقل تواترا. وتشير أبحاثها إلى أن "الولاية قد تكون على عتبة موسم من النيران في فترة لاحقة، وأن نافذة حرائق الغابات آخذة في التوسع لتمتد إلى فصل الشتاء."
يوم الجمعة الماضي، حمل رجال الاطفاء بعض الأخبار السارة. فقد أتاح هدوء الطقس مجالاً للطواقم لتعزيز جهودها في احتواء حرائق الغابات والرياح في جميع أنحاء الولاية تقريبا، على الرغم من أن ما يسمى بتحذيرات "العلم الأحمر" تشير إلى أن خطر الحريق بسبب الرياح والظروف شديدة الجفاف ما زال قائما.
وعلى الأثر، تم السماح لنحو 20 ألف شخص من سكان مقاطعة سونوما في شمال غرب سان فرانسيسكو، بالعودة إلى ديارهم حتى مع استمرار الحريق الذي أرغمهم على إخلائها.
وتقول بريندا كاتيلاني، من سكان بلدة وندسور، لوكالة "آسوشيتيد برس" فيما كانت تتفحص قطع الجمر المحروق والأوراق المتناثرة خارج باحة منزلها: "عندما غادرنا يوم الأحد، لم نكن نعتقد أننا سنعود. إننا محظوظون للغاية."
© The Independent