أعلنت الولايات المتحدة رسمياً بدء عملية انسحابها من اتفاقية باريس حول المناخ، ما استتبع ردود فعل دولية أسفت للقرار الأميركي وعبّرت عن قلقها إزاء هذه الخطوة، لا سيّما الصين وفرنسا.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان، إن الولايات المتحدة بدأت الاثنين "عملية الانسحاب من اتفاقية باريس. طبقاً لبنود الاتفاقية، أبلغت الولايات المتحدة رسمياً الأمم المتحدة انسحابها منها. وستدخل هذه الخطوة حيز التنفيذ بعد عام من الإبلاغ".
وقرّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب المضي قدماً في الانسحاب من الاتفاق على الرغم من الأدلة المتزايدة على حقيقة التغير المناخي وتأثيراته، إذ سجّلت درجات الحرارة في سبتمبر (أيلول) وللشهر الرابع على التوالي معدّلات قياسية أو قاربتها.
"انتخبت لتمثيل سكان بيتسبرغ وليس باريس"
وينص التبليغ على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، الذي فاوض بشأنه سلف ترمب باراك أوباما، بعد عام من الآن أي في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وحتى اليوم، تُعدّ الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي انسحب من الاتفاقية التي وقعتها 197 دولة بما فيها كوريا الشمالية.
وكان ترمب صرّح في الأول من يونيو (حزيران) 2017 أنه "آن الأوان للانسحاب من اتفاقية باريس"، قائلاً "انتخبت لتمثيل سكان بيتسبرغ وليس باريس". وفي الواقع وعلى الرغم من إعلان ترمب، لا يزال الأميركيون يحضرون الجلسات للتأثير في النقاشات التقنية حول تطبيق الاتفاقية، في حال قررت واشنطن يوماً ما العودة إليها.
ووفق النص الذي تفاوض بشأنه أوباما نهاية عام 2015، لم يكن ممكناً لأي دولة الانسحاب من الاتفاق قبل الذكرى الثالثة لتطبيقه في الرابع من نوفمبر 2019، أي الاثنين.
ردود دولية
وفي ضوء القرار الأميركي، أعربت كل من الصين، أول بلد في العالم مسبّب لانبعاثات غازات الدفيئة، وفرنسا عن أسفهما لهذا الإعلان.
وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ، في إيجاز صحافي روتيني، الخطوة الأميركية، قائلاً "نأمل في أن تتحمّل الولايات المتحدة مزيداً من المسؤولية وأن تقوم بالمزيد للإسهام كقوة دفع في عملية التعاون المتعدّد الأطراف، بدلاً من إضافة طاقة سلبية". وأضاف "نعتقد أن التغيّر المناخي تحدٍّ مشترك تواجهه البشرية جمعاء. على كل أفراد الأسرة الدولية التعاون يداً بيد".
وأعربت فرنسا أيضاً عن "أسفها" لقرار الولايات المتحدة. وبينما كانت خطوة واشنطن متوقعة، قال قصر الإليزيه في بيان "نحن نأسف" للقرار، مضيفاً أن هذا يجعل "الشراكة الفرنسية الصينية أكثر من ضرورية حول المناخ والتنوّع البيولوجي"، في الوقت الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقوم بزيارة رسمية إلى الصين.
كذلك اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن انسحاب واشنطن رسمياً من اتفاقية باريس للمناخ ضربة "جدية" لهذه المعاهدة لمكافحة التقلبات المناخية وأنه يقوّض "الاتفاقية بشكل جدي للغاية لأنها دولة رائدة في انبعاث" غازات الدفيئة، مضيفاً أنه "من الصعب حتى التحدّث عن اتفاقية مناخية في غياب أكبر اقتصاد في العالم".
ترحيب الجمهوريين ورفض الديمقراطيين
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، رحّب الجمهوريون المحافظون بالإعلان. لكن رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي رأت في ذلك "قراراً جديداً ضد العلوم، ينسف مستقبل الأرض ومستقبل أولادنا". ودان الحزب الديمقراطي هذه الخطوة، معتبراً أنها "إهانة للبشرية". وغرّد جو بايدن، الخصم المحتمل لترمب في الاقتراع الرئاسي عام 2020، "هذا عار".
وقال السناتور الديمقراطي باتريك ليهي "هذا ليس سوى تطبيق لوعود انتخابية غير منطقية بهدف كسب ود صناعة الطاقة الأحفورية". فيما رأى أندرو ستير، رئيس "وورلد ريسورسز إنستيتيوت"، أن القرار الأميركي "اتُّخذ مع رؤية ولّت، تعود إلى القرن الماضي عندما كنا نظن أن التحرّك المناخي مكلف ويقضي على وظائف".
السبب الرسمي للانسحاب
أمّا السبب الرسمي للخطوة الأميركية، فيعود إلى اعتبار واشنطن أن الاتفاق ظالم بحق الولايات المتحدة، على الرغم من أن فحوى نصّه يفيد بتحديد الدول بحرية أهدافها لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي الهدف الذي أعلنه أوباما كان أقل طموحاً من الدول الأخرى.
وفي بيانه، تذرّع بومبيو بـ"العبء الاقتصادي غير العادل المفروض على العمال والمؤسسات ودافعي الضرائب الأميركيين". وبذلك، سيتمكن ترمب من إثبات وفائه بوعوده لناخبيه.
ولم يؤثر قرار ترمب في دول أخرى لتحذو حذوه، كما كان يخشى البعض في بلدان كأستراليا والبرازيل. حتى إنه حرّك جهات أميركية غير فيدرالية كولايات يحكمها ديمقراطيون ومدن ومؤسسات تعهّدت بالحيادية في إنتاج الكربون بحلول عام 2050 أو بتحرّكات أخرى، من شأنها التعويض جزئياً عن الجمود الفيدرالي.
لكن نتائج انتخابات عام 2020 قد تكون حاسمة في هذه القضية. فقال ديفيد ليفاي من مركز "ادري" للأبحاث لوكالة الصحافة الفرنسية "في حال فاز ترمب في الانتخابات لولاية جديدة من أربع سنوات، ستكون العواقب مختلفة تماماً". وتعهّد خصوم ترمب الديمقراطيون بالعودة إلى الاتفاقية في حال تولّوا زمام الحكم في 20 يناير (كانون الثاني) من عام 2021.