بعد 13 يوماً من احتجاجات شعبية هزت البلاد، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالة حكومته، مساء الثلاثاء 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، "استجابه لنداء الشارع". فبعد أن سلم رئيس الجمهورية ميشال عون الاستقالة رسمياً، أطل الحريري من بيت الوسط قائلاً، "إن شاء الله نخرج من هذا المأزق، ومرتاح أنني قدمت شيئاً للشعب اللبناني"، آملاً في "أن يكون البلد بألف خير ونكون مع بعضنا البعض، الله يحمي لبنان".
ونقل بعض الزوار عن الحريري ارتياحه للقرار الذي اتخذه، معتبراً أنه "جاء في الوقت المناسب"، وهو يشدد على ضرورة العمل على تهدئة الشارع.
بيت الوسط يعج بالشخصيات السياسية
وعقب إعلان الاستقالة، غص بيت الوسط بالشخصيات السياسية، إضافة إلى عدد من الوزراء والنواب، تضامناً مع الحريري ولدعم موقفه الذي أحدث "صدمة إيجابية في الشارع اللبناني".
ومن بين الوافدين، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي وصل إلى "بيت الوسط" والتقى الحريري، معلناً عن تضامنه معه في "موقفه الوطني الكبير الذي عبر عنه في استقالته". وقال المفتي دريان إن "استقالة الرئيس الحريري تضع المسؤولين كافة أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية في الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه وكرامة اللبنانيين في عيشهم الكريم".
وأضاف "استقالة الرئيس الحريري تشكل صدمة إيجابية لكل المسؤولين اللبنانيين من أجل التفاهم على حلول إنقاذية، تخرج البلاد من المآزق والأزمات التي يعاني منها المواطنون".
تأييد واسع
وتعليقاً على الاستقالة، قال رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، إن "الحريري اصطدم برفض التغيير الحكومي وعدم قبول كل مطالبه فاضطر للاستقالة"، وأضاف "لا نريد أن يكون لبنان مكاناً لتصفية الحسابات الدولية، وأي خطأ في الحسابات سيجرّنا إلى المجهول".
وتابع "آن الأوان لأن نخرج من بعض الأنانيات الحزبية، وننفذ خطوات جديدة من شأنها إخراج لبنان من الخطر المالي الذي يهدده".
وتحدث جنبلاط عن إمكانية إعادة تسمية الحريري رئيساً للوزراء، قائلاً "كل كتلة نيابية تسمي من تريد، نحن ككتلة مؤلفة من تسعة نواب، سنسمي الحريري، وآنذاك فليأخذ المجلس النيابي مجراه الطبيعي".
واعتبرت وزيرة الداخلية ريا الحسن، أن استقالة الحريري "كانت ضرورية لمنع الانزلاق باتجاه الاقتتال الأهلي".
حكومة جديدة
وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بدوره، "حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك"، وأضاف "المهم الآن الذهاب إلى الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من أزمتنا الحالية، ألا وهي تشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين مشهود لهم بنظافة كفهم واستقامتهم ونجاحهم، والأهم اختصاصيون مستقلون تماماً عن القوى السياسية".
وختم "من جهة ثانية، أدعو المؤسسات الأمنية المعنية إلى الحفاظ على سلامة المتظاهرين حيثما وجدوا في لبنان بعد الاعتداءات الشنيعة التي تعرضوا لها اليوم في وسط بيروت".
الحريري "رجل دولة"
أما النائب سامي الجميل رئيس حزب الكتائب اللبناني، فأوضح أن "وحدها استقالة فورية للحكومة وتشكيل حكومة حيادية من اختصاصيين ممكن أن ترد ثقة الناس والمجتمع الدولي بالدولة، بالتالي إنقاذ الوضع الاقتصادي والنقدي".
الأمر نفسه أكده عضو كتلة "تيار المستقبل" النائب محمد سليمان، الذي غرد قائلاً "من جديد يثبت الرئيس سعد الحريري أنه رجل دولة، ومن جديد يقدم مصلحة البلد على مصلحته، ومن جديد يتلاقى الرئيس الحريري مع الناس ومطالبهم بوجه قوي".
كذلك، كتب الوزير السابق اللواء أشرف ريفي على حسابه على "تويتر"، قائلاً "ربح الرئيس الحريري نفسه وأهله، وخسر حزب الله حكومة كرست الوصاية والفساد، وحاول إبقاءها بالعنف والقمصان السود".
أضاف "نقف خلف انتفاضة الشعب اللبناني، في نضاله الصعب. هذه التسوية سقطت وهذا العهد أوقع لبنان في كارثة. إلى التغيير، حمى الله لبنان ووفّق اللبنانيين بإعادة تشكيل سلطة السيادة والوطنية والنزاهة".
رؤساء الحكومات السابقين
وكان رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، عقدوا اجتماعاً، مباشرة بعد إعلان الحريري استقالته.
وقالوا في بيان مشترك "لقد استجاب سعد الحريري للنداء الذي أطلقه معظم اللبنانيين... لقد تحلى بإرث والده وشجاعته وحكمته... حانت اللحظة ليتحمل الكل مسؤولياتهم باتجاه حركة إنقاذية وطنية، تتجاوب مع مطالب الناس وتحافظ على السلم الأهلي وتقي لبنان من الانهيارات السياسية والاقتصادية والوطنية".
الرئيس قرر التريّث...
ووسط التساؤلات حول إمكانية قبول عون الاستقالة، أفيد بأن رئيس الجمهورية قرر التريّث لدرس كتاب الاستقالة، ولن يصدر الثلاثاء أي بيان طلب تصريف الأعمال عن رئاسة الجمهورية. وبحسب مصادر مقربة من الرئاسة فإن الحريري لم ينسق مع رئيس الجمهورية بشأن استقالته على الإطلاق، وهو ما أكده أيضاً نواب من تكتل "لبنان القوي"، الذين لفتوا إلى "أن خطوة الحريري كانت مفاجئة".
وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الياس بو صعب إن "استقالة الحريري جاءت من دون التنسيق حول ما بعدها، وهو ما نعتبره خطأ وخطوة في المجهول في هذا الظرف الدقيق". وأضاف "لم يفاوض أحد التيار الوطني الحر في خيارات التعديل أو التغيير الوزاري، كما لم تطرح معه فكرة الاستقالة، وإن كانت قد أتت من ضمن الأطر الدستورية".
واعتبر عضو تكتل "لبنان القوي" النائب نقولا صحناوي بدوره، أن "خطوة الحريري مفاجئة لأنها تعرض البلد الى مخاطر كبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية، وجاءت من دون تنسيق"، وتابع "الرئيس عون فتح الباب إلى تعديل الحكومة وكان ينتظر مد اليد له لنصل إلى اتفاق يتماشى مع المطالب الشعبية بصفحة جديدة ومكافحة الفساد". ورأى أن "قول الحريري إنه وصل إلى طريق مسدود هو أيضاً مفاجأة، خصوصاً أن المشاورات مع عون لم تحصل".
استقالة نهائية
وفي شأن متصل، أكدت مصادر الحريري أن "استقالته نهائية ونافذة والأمر واضح في كلمته وفي كتاب الاستقالة الذي تقدّم به إلى رئيس الجمهورية ميشال عون". وأشارت إلى أنه "ليس هناك في الدستور ما يقول إنه بإمكان رئيس الجمهورية رفض الاستقالة". واعتبرت هذه المصادر أن "الأهم الآن هو العمل على تهدئة الشارع وعلى جميع الفرقاء أن يركّزوا على ذلك".
قطع الطرق احتجاجاً
ورفضاً لاستقالته، قطع عناصر من تيار "المستقبل" عدداً من الطرقات في بيروت بالإطارات المشتعلة، وشهدت بعض المناطق العكارية حركة "عفوية" تضامنية، حيث أقفل عدد من الطرقات بالسيارات لبعض الوقت، كما تجمع عدد من أبناء بلدة مشمش وسط الشارع الرئيسي متضامنين.
وعلى الأثر، شهدت شوارع لبنان انتشاراً كثيفاً لعناصر الجيش والاستخبارات والأمن العام ومكافحة الشغب خوفاً من أي تصعيد.
وتعليقاً على قطع مناصريه الطرقات، تمنى رئيس الوزراء اللبناني "أن يمتنع مناصروه عن أي تحرك في الشوارع والتعاون مع الجيش لتسهيل تنقل المواطنين".