لم يكن أحد يتوقع أن تهتف طرابلس لإسقاط رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، فيما الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، تتمسك ببقائه على رأس الحكومة الحالية. هكذا يعلّق مصدر سياسي قريب من تيار المستقبل، مضيفاً أن الحراك الشعبي غيّر المعادلات السابقة، بخاصة في الساحة السنية التي لطالما وقفت إلى جانب الحريري. ويشير المصدر إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بدا أخيراً وكأنه حارس هيكل منظومة السلطة، وفق معادلة الرئاسة رئاستي، والحكومة حكومتي، والمجلس مجلسي، أمّا الشارع، فهو الآن خصمي الذي يجب إجهاضه.
يلفت المصدر إلى أن الحريري بات في مكان بعيد من بيئته الحاضنة يدفع ثمن التسوية الرئاسية، وأن شعبيته باتت في أدنى مستوياتها في مختلف المناطق السنية، معرباً عن خشيته من احتمال الانفلات الأمني في الشارع السني، خصوصاً في طرابلس وعكار والبقاع، حيث ترتفع نسبة البطالة إلى أرقام قياسية.
ويعتقد أن خروج لبنان من الأزمة في ظل استمرار الحكومة الحالية بات شبه مستحيل، إذ إن استحقاقات لبنان الدولية في شهر مارس (آذار) المقبل تُقدَّر بـ 3 مليار دولار وقد استطاع الحريري الاتفاق مع جمعية المصارف على تأمينها مقابل تفعيل مؤتمر "سيدر" الذي ينعش الاقتصاد اللبناني بضخ 2.4 مليار دولار عبر مشاريع استثمارية. ما شكّك المصدر نفسه بحصوله في ظل الحكومة الحالية كون المجتمع الدولي يرسم علامات استفهام حول الثقة بها.
شروط الحاكم
ويضيف أن معلوماته تشير إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يستطيع السيطرة على تفلّت سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية خلال 72 ساعة بعد إعادة فتح المصارف وأنه قادر على إعادة سعر الصرف الى 1506 ليرات لبنانية للمبيع و1510 ليرات للشراء، شرط إحداث صدمة سياسية تُعيد المحتجين إلى منازلهم، ما يُسهم في فتح الطرقات وإعادة العمل بالعجلة الاقتصادية في طول البلاد وعرضها.
الحريري "رهينة"
في هذا السياق، يوضح القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش أن حزب الله لا يدافع عن الحريري، إنما يدافع عن وجوده داخل الحكومة التي يعتبر أنها تعطيه الغطاء الشرعي لمشاريعه الإقليمية وتريحه في المعادلة الداخلية وهو غير جاهز لتغييرها في الوقت الحالي، خصوصاً أنه لا يضمن إبقاء حلفائه، في حال تغيير المعادلة الحكومية، في حقائب أساسية كالدفاع والخارجية.
وعن السبب الذي يدفع الحريري إلى التمسك بالحكومة، يشير علوش إلى أن هاجسه هو عدم الوقوع في الفراغ والتخوف من عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة في وقت قريب، ما قد يؤدي إلى تراكم الأزمات الاقتصادية والأمنية، معتبراً أن الحريري "رهينة"، إذ يمسكه الجميع بـ"اليد التي تؤلمه" ، "فلا هو قادر على التراجع عن التسوية الرئاسية التي أبرمها مع الرئيس ميشال عون منذ ثلاث سنوات، ولا هو قادر تجاه مطالب الحراك الشعبي".
ويكشف عن أن نحو 40 دولة، منها فرنسا، أيّدت فكرة التعديل الوزاري أو استقالة الحكومة الحالية بعد الاتفاق مسبقاً على حكومة تكنوقراط جديدة، مشيراً إلى أن هذا المخرج يصطدم بموقف الرئيس عون وحزب الله الرافضَيْن لحكومة تكنوقراط، كون الحزب يسعى إلى حكومة سياسية تخدم مصالحه وليس حكومة تقنية تفعّل العجلة الاقتصادية وخالية من التوجه السياسي.
الحريري أسقط الطائف
في المقلب الآخر، يشير مراقبون إلى أن تيار المستقبل بات هشاً في الشارع، خصوصاً مع خروج "الصقور" وابتعادهم عن الحريري، في إشارة واضحة إلى التململ من السياسات التي انتهجها في السنوات الماضية والتي أدت إلى تنازلات عن مكتسبات رئاسة الحكومة والطائفة السنية، فدفع البعض إلى الاعتبار أن الحريري عدّل اتفاق الطائف بالممارسة لصالح مشروع المثالثة الذي يناسب حزب الله، إذ باتت التنازلات عرفاً لا يمكن استرجاعه ولو لم يكن هناك تعديل في النصوص الدستورية والقانونية، ووزارة المالية تشكّل مثالاً واضحاً على ذلك، فباتت وكأنها حقاً سيادياً للطائفة الشيعية.
ويرى المراقبون أن كتلة الحريري النيابية باتت خالية من الأسماء البارزة التي كان لها صوت صارخ بوجه حزب الله، ففي مدينة صيدا مسقط رأس الحريري الأب، يغيب الرئيس فؤاد السنيورة عن تيار المستقبل، علماً أنه كان صمد وحكومته لأكثر من عامين بوجه حصار حزب الله للمقر الحكومي واتخذت حكومته حينها قرارات جريئة، منها قرار المحكمة الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في بيروت، فقد خرج الوزير السابق نهاد المشنوق بعيداً من كتلة المستقبل، بسبب رفضه عدداً كبيراً من التسويات التي يراها كارثية على تيار المستقبل والطائفة السنية.
أما الكارثة الأكبر، فكانت في الشمال وتحديداً في عكار وطرابلس معقل الطائفة السنية، حيث تخلّى الحريري عن أبرز صقور تياره. ففي عكار، الوزير السابق معين المرعبي مصدوم من استسلام الحريري، والنائب السابق خالد الضاهر منكفئ، والوزير السابق أشرف ريفي مستاء ممّا يعتبرها الحالة المزرية التي وصلت إليها الحريرية السياسية، وهم جميعاً يؤيدون الحراك المدني بشكل مباشر أو غير مباشر.
الانقلاب على الحلفاء
مصدر معارض للحريري يستغرب استسلامه الكامل لإرادة حزب الله وسكوته عن تمسك الحزب بحكومته التي بات فيها الحريري مجرد واجهة ومتراس أمامي للنفوذ الإيراني في لبنان، مضيفاً "لا نرى الرئيس الحريري قوياً وصلباً سوى بهجومه على حزبَيْ القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، وهو الذي وصل إلى رئاسة الحكومة على أكتاف سمير جعجع ووليد جنبلاط". ويشير إلى قيادة وليد جنبلاط ثورة 14 آذار وحيداً عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري واضعاً دمه على كفه، مذكّراً بموقف جعجع الشجاع عندما حاصره حزب الله في منزله في بيروت، حيث وقف إلى جانبه وقدم له كل الدعم الممكن.
ويستغرب المصدر كيف انقلب الحريري على حلفائه وعلى قاعدته الشعبية ومواقفه، ووضع نفسه في الخانة المعاكسة تماماً، مشبّهاً الحريري بالسجين الذي عشق جلاّده.