Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمَ لن يشارك لبنان في مؤتمر وارسو؟

ينطلق الموقف اللبناني الرافض من ثوابت أُدخلت إلى السلوك الدبلوماسي اللبناني لاسيما بعد اشتعال الأزمة السورية عام 2011

الرئيس اللبناني ميشال عون ملتقياً مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية دايفد هايل في قصر بعبدا في 16 يناير 2019 (دالاتي ونهرا)

تطرح عدم مشاركة لبنان في اجتماع بولندا أسئلة حول ازدواجية معايير الدبلوماسية اللبنانية وجدوى سياسة "الابتعاد من المحاور".

أبلغ لبنان عبر الدوائر الدبلوماسية المعنية، سفارة بولندا في بيروت، رفضه الدعوة التي وجهتها إليه وارسو لحضور الاجتماع الوزاري الدولي الموسّع الذي دعت إليه الولايات المتحدة في 13 و14 فبراير (شباط) الحالي، وضمّت قائمة المدعوّين 79 دولة (باستثناء إيران وتركيا وقطر) إلى منظمتين دوليتين هما الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى المنسقَين الأمميَين لسوريا واليمن.

ولا يبدو الرفض اللبناني مستغرباً بخاصة بعد الإطلاع على جدول أعمال المؤتمر، الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في العاصمة الإماراتية أبو ظبي إبان جولته الخليجية أخيراً، ويتضمن، قبل توسيعه ليشمل سوريا واليمن، المواضيع الآتية:

معالجة التحديات الإنسانية وشؤون اللاجئين في المنطقة، الحدّ من تطوير الصواريخ وانتشارها، مكافحة التهديدات السيبيرانية الناشئة ومكافحة الإرهاب والتمويل غير المشروع.

مبررّات الرّفض

وينطلق الموقف اللبناني الرافض من ثوابت أُدخلت إلى السلوك الدبلوماسي اللبناني لاسيما بعد اشتعال الأزمة السورية عام 2011، إذا قرر لبنان انتهاج سياسة الابتعاد من المحاور لمنع الاستقطاب بين مجموعاته الطائفية والسياسية، وسط صراع حادّ بين المحاور الإقليمية المؤثرة في الدّاخل اللبناني. وتقول أوساط دبلوماسية لبنانية متابِعة، إن الرفض اللبناني أتى من منطلق ابتعاد لبنان من سياسة المحاور والتمسّك بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمكن سرد سوابق عدّة في هذا السياق، أولها امتناع لبنان عن التصويت لمصلحة العقوبات ضد إيران في عام 2010، حين كان عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، علماً أنه كان يمثّل المجموعة العربية، إضافة إلى رفضه التصويت ضدّ بيان صدر عن الجهة ذاتها يدين عنف النظام السوري ضد المتظاهرين في بداية الثورة.

كذلك لا يمكن لبنان تجاهل وجود "حزب الله" المرتبط بإيران على أراضيه وما ستشكله مشاركته من مشاكل في الداخل اللبناني، ويمكن التذكير بما قاله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إثر الإعلان عن المواضيع التي سيبحثها المؤتمر، إن "بولندا لا يمكنها أن تمحو عارها باستضافتها اجتماعاً مماثلاً"، مذكّراً بأن "إيران أنقذت أكثر من 100 ألف بولندي لاجئ في الحرب العالمية الثانية".

ولم يوفّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جهداً ليشرح أهمية ذلك المؤتمر في كبح إستراتيجية إيران، متوجهاً بالتهديد إلى "حزب الله"، إذ قال في خطاب ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي، "في لبنان يحافظ حزب الله على حضور أساسي، لكننا لن نقبل بهذا الستاتيكو (الوضع). إن حملة العقوبات الشرسة التي نقودها ضد إيران هي موجهة أيضاً نحو هذا التنظيم الإرهابي وقادته... في لبنان تعمل الولايات المتحدة الأميركية من أجل خفض تهديد ترسانة حزب الله الصاروخية، التي تستهدف إسرائيل، وفي إمكانها أن تصل إلى كل النقاط داخل ذلك البلد. والعديد من هذه الصواريخ مجهزة بنظام توجيه متقدّم، وفّرتها إيران، وهذا أمر غير مقبول. إيران تعتقد أنها تملك لبنان لكنها مخطئة".

في المقابل، استغرب مراقبون عدم مشاركة لبنان في هذا الاجتماع، في ظل طرح ملف اللجوء على طاولة النقاش في حضور مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سوريا "غير بيدرسون".

وصرح مصدر دبلوماسي إلى "اندبندنت عربية" طالباً عدم كشف اسمه، "يرفض لبنان أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها باستخدام الساحة السورية لتصفية الحسابات الإقليمية في الشرق الأوسط"، متسائلاً:" لمَ لم يُدرَج ملف اللجوء الفلسطيني والقضية الفلسطينية على طاولة المحادثات؟". ويبرَّر الرفض اللبناني بوجود التباسات واضحة حول ثلاثة ملفات: السوري والإيراني والفلسطيني.

كما يستحضر الدبلوماسي اللبناني الخطاب الأميركي، مشيراً إلى أن المؤتمر المذكور يسعى إلى بناء تحالفات إقليمية، خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إبان زيارته إلى المملكة العربية السعودية في مايو (أيار) 2017. وكان يُفترض إطلاقه في أكتوبر (تشرين الأول) 2018.

ويُتوقع أن "يشهد عام 2019 استمرار الولايات المتحدة في البحث عن تحالفات عسكرية في المنطقة للتقليل من انخراطها العسكري المباشر، وفي هذا الإطار يُحتمل أن تركز واشنطن على إنجاح مبادرة تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي، ومحاولة إزالة المعوقات التي تعترض إنشاءه"، وفق ما ذكر التقرير الإستراتيجي السنوي الذي صدر أخيراً عن "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة".

 هذا التحالف غير معروف الشكل بعد، ووسط تشبث لبنان بحال العداء مع إسرائيل التي لا تزال تحتل جزءاً من أراضيه، يستحضر الحديث عن "ناتو عربي" في العقل الدبلوماسي اللبناني، إمكانية وجود هندسات أمنية وعسكرية معينة يُتداول بها في اجتماعات مغلقة في عواصم غربية، ووصلت تقارير عنها إلى بيروت.

إزدواجية دبلوماسية؟

لكنّ رغبة لبنان في الابتعاد من سياسة المحاور، يستحضر سؤالاً عن سبب مشاركته سابقاً في التحالف الغربي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. ويجيب المصدر الدبلوماسي اللبناني ذاته أن "لبنان لم يشارك في عمليات التحالف العسكرية لكنّه اكتفى بالتنسيق الأمني والعسكري بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والغربية في مكافحة داعش، فكان تعاون ثنائي بين لبنان ودول عدة من أعضاء التحالف، في إسهام أمني متعدد الأطراف، مع التذكير بطرد الجيش اللبناني التنظيم الإرهابي من جرود عرسال ما شكل مساهمةً مهمة صبّت ضمن الجهود الدولية".

وبالنسبة إلى مكافحة تمويل الإرهاب، يقول المصدر الدبلوماسي إن "لبنان يقوم بما ينبغي عليه لمكافحة تمويل الإرهاب ضمن التزاماته الدولية والاتفاقيات ذات الصلة والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، بغية تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وليس ضرورياً أن يحضر مؤتمراً دعت إليه دولة كي يؤكد الوفاء بالتزاماته".

زاسبيكين: المؤتمر لا يصب في جهود السلام

في المقابل، كان لروسيا موقف صارم تجاه الاجتماع في وارسو. وزار السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين منذ أسبوع تقريباً وزير الخارجية جبران باسيل، وأدلى بتصريح وصف فيه الدعوة إلى اجتماع بولندا بـ "المستغربة". وقال زاسبيكين "من المستغرب أن نسمع الدعوات إلى الإنقاذ ومثالاً على ذلك الدّعوة إلى مؤتمر في وارسو، من الواضح تماماً أنه سيكون ضدّ إيران، ويختلف ذلك تماماً عن رؤيتنا للعيش المشترك ولتنقية الأجواء في المنطقة كهدف أساسي".

وقال زاسبيكين لـ "اندبندنت عربية" "لن تشارك روسيا في هذا الاجتماع لأنه يهدف إلى إنشاء تحالف وجبهة ضد إيران، متجاهلاً المشكلة الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط والمتمثلة بالصراع العربي - الإسرائيلي". ويشرح زاسبيكين ثلاثة أسباب لعدم المشاركة الروسية "أولها، أن اجتماعات مماثلة لا تسهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، المرتكز على مبدئَي عدم التجزئة والأمن. أما السبب الثاني، فهو أنه لن يكون بوسع الوفود صناعة قرار لأن المنظمين سيلخصون نتائج المؤتمر. أما السبب الثالث، فهو أنه تقرر عقد المؤتمر من دون الأخذ في الاعتبار آراء قوى إقليمية وغير إقليمية، من دول وازنة، كما أن الأمم المتحدة لا تشارك في رعاية المؤتمر". وختم السفير الروسي ملاحظاته بالقول "نحن نؤمن بأن تسويق فوبيا إيران، ورسم خطوط فاصلة في الشرق الأوسط، يأتيان بنتائج عكسية".

المزيد من العالم العربي