ملخص
بحسب رئيس بلدية جنين نضال عبيدي، فإن "الدمار الكارثي الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في المدينة وحيها الشرقي ومخيمها يقدر بنحو 500 مليون شيكل (135.2 مليون دولار)"، مشيراً إلى أن خسائر المحافظة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى ما قبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة تقدر بنحو 100 مليون شيكل (27 مليون دولار).
ما إن انسحب الجيش الإسرائيلي فجر أمس الأول الجمعة من مدينة جنين شمال الضفة الغربية وساد الهدوء مخيمها وبدأ السكان الذين نزحوا منه بالعودة تدريجاً، هرع الفلسطينيون من بين أكوام الركام لتفقد الدمار وإحصاء الخسائر التي خلفتها العملية العسكرية الأخيرة على مدى 10 أيام، ومن بين 53 اقتحاماً للمدينة منذ عام تقريباً، يُعدّ هذا الدمار الأوسع والأكثر تعقيداً منذ 2002.
وبدأ الجيش الإسرائيلي في الـ28 من أغسطس (آب) الماضي، عمليات عسكرية واسعة النطاق في مواقع عدة بأنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك جنين التي يسكنها ما يقارب 50 ألف فلسطيني بزعم "مكافحة الإرهاب" من دون الإعلان رسمياً عن انتهاء عمليته العسكرية التي أطلق عليها "المخيمات الصيفية".
وأكد الجيش في بيان عقب الانسحاب أنه قضى على 14 مسلحاً فلسطينياً من بينهم قائد حركة "حماس" في جنين وقائد حركة "الجهاد الإسلامي" في منطقة طولكرم، وتوقيف واعتقال أكثر من 30 مشتبهاً فيهم، مشيراً إلى أنه نفذ "أربع ضربات جوية ودمر نحو 30 عبوة ناسفة مزروعة على جانب الطريق، وفكّك عدداً من مواقع البنية التحتية للإرهاب، بما في ذلك منشأة تخزين أسلحة تحت الأرض ومختبراً يستخدم لتصنيع المتفجرات".
وقالت القناة الـ13 الإسرائيلية، إن الجيش خسر خلال العملية العسكرية جندياً برتبة رقيب أول، قتل في اشتباك مع اثنين من أبرز مسلحي حماس"، في حين أكدت وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله أن 39 شخصاً قتلوا أثناء العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، من بينهم ثمانية أطفال واثنان من كبار السن، موضحة أن 21 قتيلاً سقطوا في منطقة جنين.
خسائر فادحة
ووفقاً للتقييم الأولي للأضرار، أفاد الدفاع المدني الفلسطيني بأن الجيش دمر خلال عمليته العسكرية أكثر من 25 كيلومتراً من شوارع وأحياء مدينة جنين ومخيمها، في حين أكدت بلدية جنين أن التدمير طاول أكثر من 70 في المئة من البنية التحتية الحيوية و20 كيلومتراً من شبكات المياه والصرف الصحي وأسلاك الاتصالات والكهرباء، وأن هناك أضراراً لحقت بالمنازل والمحال التجارية، وروى فلسطينيون أنهم شاهدوا الجيش الإسرائيلي وهو يتعمد تجريف الشوارع على عمق مترين.
وبحسب رئيس بلدية جنين نضال عبيدي، فإن "الدمار الكارثي الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في المدينة وحيّها الشرقي ومخيمها يقدر بنحو 500 مليون شيكل (135.2 مليون دولار)"، وأشار إلى أن خسائر المحافظة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى ما قبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة تقدر بنحو 100 مليون شيكل (27 مليون دولار)، مؤكداً أن إعمار جنين بدأ فور انسحاب الجيش من المدينة، موضحاً أن الحكومة الفلسطينية ستحتاج إلى مساعدات خارجية لإعادة الإعمار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة جنين ثائر عباهرة، مشاهد الدمار في شوارع جنين عقب انسحاب الجيش بـ"المروعة"، مضيفاً أن عشرات المنشآت والمحال التجارية والاقتصادية تم تحطيمها خلال العملية بصورة غير مبررة.
وذكرت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية أنه إلى جانب خسائر بالملايين طاولت اقتصاد مدينة جنين شمال الضفة الغربية، اضطرت منشآت اقتصادية عدة إلى تقليص عدد العاملين فيها أو الإغلاق لفترات طويلة نتيجة الاقتحامات المتكررة للمحافظة وصعوبة توزيع البضائع وتراجع الحركة الشرائية بسبب الحواجز الإسرائيلية بين المدن.
ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينية (أونروا) تعاني جنين أعلى معدلات البطالة والفقر، وأكدت غرفة تجارة وصناعة جنين أن إغلاق حاجز الجلمة (شمال جنين) تسبب بخسائر وصلت إلى 24 مليون دولار في المنشآت الاقتصادية، إذ يعتمد اقتصاد المدينة على تسوق "فلسطينيي 48".
الأكثر دموية
وعقب الانسحاب، اتهمت وزارة الخارجية الفلسطينية إسرائيل عبر بيان نشرته على منصة "ميتا" بإعادة "إنتاج جرائمها الوحشية ومشاهد الدمار والتخريب التي ارتكبتها في قطاع غزة ونقلها إلى الضفة الغربية المحتلة كما يحصل في محافظتي جنين وطولكرم ومخيماتهما"، في حين أكدت "أونروا" أن الأسبوع الماضي وحده كان "الأكثر دموية للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023"، قائلة في منشور لها عبر منصة "إكس" إن "العنف والدمار في الضفة الغربية يتزايدان بصورة مستمرة في ظل استمرار الحرب على غزة"، وشددت على أن هذا الوضع "غير مقبول ويجب أن يتوقف فوراً".
في حين قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في منشور على "إكس" إن "هذه التطورات الخطيرة تغذي الوضع المتفجر أصلاً في الضفة الغربية المحتلة وتقوض السلطة الفلسطينية بصورة أكبر" وأضاف أنه "في نهاية المطاف، لن يؤدي ذلك إلا إلى إنهاء الاحتلال والعودة لعملية سياسية ذات مغزى من شأنها أن تؤسس لحل الدولتين ومن ثم إنهاء العنف"، داعياً إسرائيل إلى "احترام القانون الدولي وممارسة أقصى درجات ضبط النفس"، وجاء ذلك في وقت أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن الجيش الإسرائيلي رفض وصول بعثة تقييم أممية إلى مدينة جنين.
في المقابل، رد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون على غوتيريش قائلاً إن "إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في انتظار الهجمات الانتحارية ومشاهد انفجار الحافلات والمقاهي في مراكز المدن"، في إشارة إلى الانتفاضة الثانية التي شهدت موجة من الهجمات الفلسطينية في إسرائيل أوائل سنوات الألفين وشملت عدداً من التفجيرات واستخدام الأحزمة الناسفة.
وحث البيت الأبيض إسرائيل قبل أيام على "اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية أرواح المدنيين في الضفة الغربية"، لكنه لم يدعُ الجيش إلى وقف عملياته العسكرية، وقال بيان صادر عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لموقع "تايمز أوف إسرائيل"، "نحن ندرك الحاجات الأمنية الحقيقية لإسرائيل التي تشمل مكافحة النشاط الإرهابي في الضفة الغربية، ونظل أيضاً قلقين للغاية حيال الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية ونواصل حث تل أبيب على اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية أرواح المدنيين فيها".
اقتلاع الجذور
وفي وقت حذرت القناة الـ12 الإسرائيلية نقلاً عن مصادر أمنية، من أن نشر القوات في الضفة الغربية يأتي على حساب خطة كانت تهدف إلى نقل القوات إلى الشمال قرب الحدود مع لبنان، أكدت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن القيادة الوسطى بالجيش الإسرائيلي حذرت هي الأخرى من أن اتساع القتال في الضفة الغربية سيضع عبئاً على قوات الجيش، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال إن عملية "جز العشب" ضد الجماعات المسلحة في الضفة الغربية قد تصل إلى مرحلة "اقتلاع الجذور"، بعد تقييم أجراه في الضفة الغربية مع كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، أفاد فيه بأن "تصاعد الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هو قضية نحتاج إلى التركيز عليها في كل لحظة"، مؤكداً أن "ارتفاع الإرهاب الذي يأتي على شكل سيارات مفخخة وإطلاق نار في كل مكان يجب أن يتوقف وأن هذه المنظمات الإرهابية التي تطلق على نفسها أسماء مختلفة، سواء في نور شمس أو طولكرم أو الفارعة أو جنين، يجب القضاء عليها وعلى كل إرهابي، أو اعتقاله إذا استسلم. ولا يوجد خيار آخر، بل استخدام كل القوات، وكل من هناك حاجة إليه، بكل قوة"، وأوضح غالانت أنه أمر الجيش بتنفيذ غارات جوية "حيثما كان ذلك ضرورياً" من أجل "تجنب تعريض الجنود للخطر".
ويرى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنه ينبغي التعامل مع التهديد في الضفة الغربية تماماً مثل التعامل مع قطاع غزة، مردفاً في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس" أن الجيش الإسرائيلي يشن عملية عسكرية مكثفة في مخيمي جنين وطولكرم للاجئين الفلسطينيين ضد ما سماها "البنى التحتية الإرهابية الإسلامية الإيرانية التي أقيمت هناك".
ومنذ هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، كان النقاش بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكبار المسؤولين في الجيش يرتكز على افتراض أن الضفة الغربية ستظل جبهة ثانوية، إلا أن صحيفة "هآرتس" أشارت إلى أن حجم القتال فيها وعدد الهجمات التي تنطلق منها يؤكد أنها تشكل مسرحاً رئيساً للحرب، خصوصاً بعد أن تطور بعضها وتمكنت من الوصول إلى وسط إسرائيل.
ووفقاً لمحللين وخبراء، فإن التحذيرات الإسرائيلية والدولية المتلاحقة من أن الوضع في الضفة الغربية يمكن أن ينفجر بصورة شاملة في أي لحظة، نابعة بالأساس من شعور الفلسطينيين بخيبة أمل تجاه السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية وضعفها في حمايتهم من هجمات المستوطنين والجيش المتصاعدة باستمرار، بل إن كثراً يرونها أداة مساعدة لإسرائيل.