ملخص
تؤكد الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء الهولندية أن الأطفال المولودين في هولندا لأبوين مغاربيين والمعروفين أيضاً باسم "الجيل الثاني" هم أكثر فئة تختار مغادرة هذا البلد الأوروبي مقارنة بباقي الجاليات.
الضياع بين هويتين قد يدفع أبناء المهاجرين أحياناً إلى اختيار هوية والتخلي عن الأخرى لأجل بناء هويتهم بصورة مستقلة عن ثقافة الوالدين، لكن هل ينجح ذلك دائماً وهل يمكن للمرء أن يشفى مما يطلق عليه "أزمة الهوية" في حالة تخلصه من جذوره وأصله؟
"أزمة الهوية" هذه ستدفع خديجة الهولندية من أصول مغربية إلى تصالح مع جذورها المغربية بعد أكثر من 32 عاماً لتسافر من أمستردام إلى تازة بحثاً عن الشفاء من مرض "الهوية الممزقة" وتتصالح مع جذورها وثقافتها. ففي كل مرة تتحدث عن ذكرياتها وطفولتها قبل مغادرة المغرب وهي صغيرة رفقة والدها ووالدتها إلى أمستردام في هولندا تنهمر الدموع من عينيها.
تركت خديجة بيت عائلتها في عام 1992 ومعه كل ما يربطها بالمغرب، إذ تروي "في مرحلة من حياتي ابتعدت عن المغرب وثقافته وكل شيء يربطني به. عندما تركت بيت عائلتي كنت أشعر بالسخط وبالغضب من والدي ووالدتي اللذين كانا يمثلان بالنسبة إليّ المغرب".
بناء هوية هولندية
علاقة خديجة بوالدها جعلتها تشعر بالكراهية إزاء جذورها وتركز على بناء هوية هولندية، وفي هذا الصدد تقول، "لقد ركزت على حياتي، كنت أعمل بجد وأدرس، نجحت في أن أدرس في الأكاديمية الهولندية للتعليم، وأصبحت أستاذة وبعد ذلك أصبحت أستاذة متخصصة في التعليم العلاجي، لقد مولت دراستي ولم يعلني أحد، كنت أعمل بجد واندمجت في المجتمع الهولندي بصورة جيدة".
على رغم أنها حققت نجاحها المهني واندماجها في المجتمع الذي كبرت فيه ستواجه خديجة مرضاً نفسياً بسبب أزمة الهوية والجذور، لأن رفضها الهوية المغربية لأكثر من 30 عاماً سيتحول إلى رغبة ملحة لمعرفة هويتها واقتفاء أثر ذكرياتها وهي طفلة صغيرة في تازة.
"شعرت بحبهم لي"
فتحت خديجة حساباً على منصة "تيك توك" تقدم فيه نصائح عن نظام التعليم في هولندا لتصدم بكم الرسائل التي وصلتها من الجالية المغربية في هولندا. وتحكي، "كنت أشرح لهم طبيعة نظام التعليم في هولندا، وألتقي بأمهات لديهن مشكلات مع التمييز ضد الأطفال المهاجرين وأساعدهم على حل مشكلاتهم، مع الوقت أصبح لدي علاقات مع عائلات مغربية، كانوا يرحبون بي، شعرت بحبهم لي وبعناقهم، لقد تركت أهلي بسبب الكره لأكتشف حب هؤلاء المغاربة واحترامهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من خلال العلاج النفسي وأيضاً علاقاتها الجديدة مع المغاربة، أصبح لخديجة رغبة في العودة إلى مدينة تازة، تحكي بنبرة حزينة، "في السابق لم أكن أقدم نفسي على أنني مغربية، كنت أقدم نفسي أني من جذور عالمية، لكن بفضل العلاج النفسي واشتغالي على نفسي، أصبحت فخورة بجذوري وأغني باللهجة الريفية المغربية وأرتدي ملابس مغربية... ببساطة تركت ذاكرتي تقودني لتلك المناطق التي عشت فيها طفولتي في مدينة تازة".
"يهاجر المغاربة الهولنديون أكثر من غيرهم"
ليست خديجة وحدها من تشعر بشوق لجذورها بل هناك كثيرون في هولندا، بحسب دراسة أجرتها وردة بيلاباس وبيترا دي يونج وهما باحثتان في جامعة إيراسموس روتردام في هولندا، التي تقول "يهاجر المغاربة الهولنديون أكثر من غيرهم من الجنسيات الأخرى إلى البلد الأصلي".
بحسب الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء الهولندية، فإن الأطفال المولودين في هولندا لأبوين مغاربيين، المعروفين أيضاً باسم "الجيل الثاني" هم أكثر فئة تختار مغادرة هولندا مقارنة بباقي الجاليات.
"الشوق إلى الوطن"
تختلف الأسباب الكامنة وراء البحث عن جذور بين الإحساس بالإقصاء أو الرغبة في التصالح مع الماضي، لكن عالمة الاجتماع الهولندية جاكومين برينس ترى، "أن قصة الجيل الثاني هي قصة أبناء ولدوا من آباء هاجروا وتركوا كل شيء خلفهم، وحاولوا بناء حياة جديدة في مجتمع مجهول بالنسبة لهم، وهي أيضاً قصة الحرمان من الملابس الجديدة والرحلات المدرسية والعطلات الطويلة في المغرب، والارتباك بسبب الصراع بين الأجيال".
وتقول برينس، "في ظل توافد اللاجئين يجب على المجتمع الهولندي أن يتعلم من قصص الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة، لأن قصتهم لها جوانب عدة، ولكنها تضم جوانب عالمية مثل الحب والآباء والعار والشوق إلى الوطن. إن توضيح كيفية بناء الجسور بين الهويات يساعد على إدماج الأجيال المقبلة من المهاجرين، وليس فقط من هم من أصل مغربي".
بناء الهوية لدى الطفل في الهجرة
بحسب دراسة عن "عملية تكوين الهوية لدى أطفال المهاجرين" في جامعة ستيفن أف أوستن ستيت في تكساس بالولايات المتحدة، "فإن الأطفال الذين يهاجرون إلى بلد مضيف ليس لديهم حق الاختيار في هذه العملية، فهم لا يختارون الهجرة، وهذا ما يؤثر في طريقة تفسيرهم للهجرة التي يمكن أن تكون مؤلمة".
وتشير إلى أنه "بالنسبة لطفل فإن تجربة الهجرة صادمة، وعليه أن يعمل على بناء هويته، خصوصاً أنه لا يزال في سن صغيرة، وهو يشعر أن تجاربه في البلد الأصلي مختلفة عن تجاربه في البلد الأم، مما يخلق لديه ارتباكاً وفوضى في داخله، وفي هذه الحالة عليه أن يقبل بتجاربه السابقة باعتبارها أجزاء من الذات ويسمح للتجارب الجديدة بالتأثير في الذات الحالية بطريقة منسقة، فعملية بناء الهوية عليها أن تعتمد على التجربتين بشكل متساوٍ وليس رفض التجارب السابقة".