ملخص
الخطوة الإريترية بابتعاث وفد عسكري بحري إلى ميناء سواكن السوداني تأتي بعد أيام من تردد معلومات عن حدوث نكسة في علاقات البلدين.
أثار رسو أربع بوارج عسكرية إريترية في السواحل السودانية حالاً من الجدل في الأوساط السياسية داخل الخرطوم وأسمرة في آن واحد، خصوصاً أن الخطوة أتت مفاجئة للمراقبين، ومن دون إعلان مسبق، وفي وقت يشهد فيه السودان حرباً مفتوحة بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
واعتبر مراقبون للشأن السوداني أن الخطوة الإريترية بمثابة تعبير عن العلاقات القوية بين البلدين، في حين رأى محللون سياسيون أنها تحمل رسائل إلى دول إقليمية، حاولت خلال الفترة القليلة الماضية، لعب أدوار معينة في المشهد السوداني المشتعل.
وكان في استقبال الوفد العسكري الإريتري كبار قادة القوات البحرية السودانية، فيما قال رئيس الوفد العسكري نائب قائد أركان القوات البحرية الإريترية العقيد أحمد محمد علي إن الوفد وصل في الظروف الصعبة التي يمر بها السودان، لتأكيد وقوف بلاده مع الجار الكبير، معرباً عن أمله أن يتجاوز مرحلة الحرب.
كما أكد موقف بلاده القائم على رفض التدخلات الأجنبية، منوهاً إلى "متانة العلاقات بين قيادتي البلدين" المبنية على المصالح المشتركة، علاوة على تواصل الزيارات بين مسؤولي البلدين التي تشير إلى بناء الحلف الاستراتيجي القوي الذي يصب في خدمة مصالح الشعبين في إريتريا والسودان.
وتأتي الخطوة الإريترية بابتعاث وفد عسكري بحري إلى ميناء سواكن السوداني، بعد أيام من تردد معلومات عن حدوث نكسة في علاقات البلدين، إثر قرار استبعاد أسمرة لخالد عباس القائم بالأعمال السوداني المعتمد لديها واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، من دون تقديم إيضاحات حول هذا الشأن، مما خلق جدلاً واسعاً حول واقع علاقات البلدين.
وفي حين علقت الخرطوم على خطوة الاستبعاد بقولها "ننتظر إيضاحات من أسمرة حول أسباب الاستبعاد"، لم يعلق الجانب الإريتري على الأمر. ولم يصدر أي بيان رسمي يميط اللثام عن الخطوة المفاجئة، بخاصة أن إريتريا ظلت تؤكد وقوفها بجانب الجيش السوداني في حربه ضد "الدعم السريع".
دلالات الزيارة
يرى الصحافي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي خالد محمد طه أن زيارة وفد البحرية الإريترية إلى ميناء سواكن في هذا التوقيت بالذات له دلالات مهمة، لجهة ما يمر به السودان من حرب طاحنة، فضلاً عما يتصل بالأحداث الساخنة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكداً أن الخطوة بلا شك تسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين عبر بوابة التعاون والتنسيق العسكري والأمني.
ورأى طه أن الوفد الإريتري الزائر من المتوقع أن يناقش مع نظرائه السودانيين ملفات عدة من بينها العلاقات الثنائية وتعزيز الجهود المشتركة في مكافحة القرصنة والتهريب وغيرها من القضايا البحرية والأمنية، علاوة على التحديات الداخلية التي تواجه السودان وما يتصل بها من مواقف القوى الإقليمية في السياق الجيوسياسي الراهن في المنطقة.
ونوه بأن ثمة تاريخاً من التنسيق المشترك بين الطرفين، بخاصة خلال العقود الثلاث الماضية، إذ نفذا مهمات مشتركة في ملفات عدة مثل حماية الجرف القاري وسلامة البيئة البحرية ومكافحة التهريب والقرصنة وغيرها.
تنسيق أمني وعسكري
ولاحظ المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن العلاقات بين إريتريا والسودان، اتسمت بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023 بالتعاون المتبادل والتفاهم، خصوصاً بعد تفاقم الأزمات وتداعيات الحرب التي يمر بها السودان. وعلى رغم غياب معلومات موثقة تفيد بوجود أو نشوء (حلف استراتيجي عسكري) رسمي بين البلدين، فإن المرجح أنها تشمل تنسيقاً فنياً وعسكرياً أو دعماً في بعض الحالات، ومن بينها تدريب عناصر تابعة لعدد من الفصائل السودانية المقربة من الجيش، وفق إطار معلن قائم على حماية المدنيين العزل في شرق السودان في حال تمدد الحرب ووصولها إلى الولايات الشرقية المتاخمة لإريتريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح طه أن أسمرة لم تخف موقفها تجاه الحرب القائمة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ومن المحتمل أن تكون قدمت أشكالاً متنوعة من الدعم للجيش الذي يشمل الجانبين العسكري والفني، مشيراً إلى أنه ولطبيعة النظام في أسمرة فإن مثل هذا التعاون يظل سرياً، نظراً إلى حساسيته ولطبيعة المتغيرات الجارية في المشهد السوداني، مما يصعب معه الحديث عن وجود حلف عسكري بين الطرفين، وعلى رغم عن ذلك فإن من الواضح أن الرؤية الإريترية لواقع النزاع في السودان تتماهى مع السردية الرسمية لمجلس السيادة.
متغيرات إقليمية
وفي رده على سؤال يتعلق بتوقيت زيارة الوفد العسكري الإريتري التي أتت في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان والتحسن النسبي الذي شهدته علاقات البلدين، يقول الصحافي خالد محمد طه "من الضروري النظر إلى دلالات زيارة الوفد البحري بمنظور شامل، لا يتوقف فقط عند التجاذبات الإقليمية القائمة، بما في ذلك التقارب السوداني - الإثيوبي، إذ ظل التنسيق الإريتري - السوداني قائماً بعيداً من تأثيرات القوى المحلية والإقليمية والترتيبات المتعلقة بالتحالفات، والخطوات التي شهدناها أخيراً في محاولة لإجراء مراجعات تجاه المشهد السوداني من بعض الدول كإثيوبيا والإمارات وغيرها من الدول".
ويتابع أن زيارة البحرية الإريترية تزامنت مع استبعاد القائم بأعمال السفير السوداني لدى أسمرة، مما يفسر بأنها تحمل رسائل واضحة مفادها بأن موقف إريتريا تجاه الأزمة السودانية لم يتغير، بل إنها لا تزال تساند طرف القوات المسلحة السودانية (الجيش) وليس أي طرف آخر، وعلى رغم استبعادها للقائم بأعمال السفارة بتعريف "شخص غير مرغوب به" فإن تنسيقها مع الخرطوم لا يزال يجري على أعلى مستوى.
ويرى أن ثمة دلالات متعددة قد تشير إلى أن الزيارة جزء من استراتيجية إقليمية أوسع تحاول أسمرة، من خلالها تعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة، بخاصة في ظل التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. وأضاف "قد تتصل بعض تلك الأهداف بتعزيز العلاقات العسكرية والتحالفات في مواجهة نتائج التحولات في العلاقات السودانية - الإثيوبية، أي محاولة لتعزيز التعاون الأمني والعسكري لموازنة تأثير التحالفات الجديدة، إضافة إلى بعث رسائل سياسية محددة للقوى الإقليمية والدولية، خصوصاً مع حديث رئيس الوفد العسكري الإريتري عن وقوف بلاده ضد التدخلات الخارجية كافة في الأزمة السودانية".