Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا خيار مريحاً لأوروبا ومرشحو الرئاسة الأميركية يثيرون قلق حلفائهم

أقرت الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة بأن مركز الثقل في العلاقات الدولية ينتقل إلى آسيا بسبب صعود قوة الصين

يثير جي دي فانس قلق الأوروبيين (رويترز)

ملخص

في حين تشعر أوروبا بالقلق أكثر تجاه عودة ترمب المحتملة، فإن دبلوماسيين من دول أوروبية عدة يجادلون بأن توجه الولايات المتحدة نحو آسيا أصبح أكثر عمقاً في السياسة الخارجية الأميركية، وقد بدأ خلال العقد الماضي وتواصل خلال إدارة بايدن - هاريس الديمقراطية.

باتت أوروبا أكثر علانية وصراحة في شأن قلقها حيال المشهد السياسي الأميركي وتأثيره في العلاقات عبر الأطلسي، ففي تعليقات لا لبس فيها، حذر وزير خارجية بولندا راديك سيكورسكي أن الأوروبيين بحاجة إلى يكونون أكثر استعداداً للتغيير في العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن يتجهوا نحو إنفاق مزيد على الدفاع، بغض النظر عن الرئيس الأميركي الذي سينتخب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. 

وفي حين أكد سيكورسكي في تعليقاته لمجلة "بوليتيكو" الأميركية الأسبوع الجاري أن الولايات المتحدة ستظل شريكاً إستراتيجياً للاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن الفائر بسباق الرئاسة، لكنه أوضح أن الدول الأوروبية "ليس لديها خيار" سوى أن تتحمل مزيداً من المسؤولية عن أمنها الجماعي، بالنظر إلى أن واشنطن ستواصل التركيز على آسيا. 

وتعكس تصريحات وزير خارجية بولندا القلق الأوروبي من مرشحي الرئاسة الأميركية الجمهوري والديمقراطي سواء، إذ يتوقعون أن تقلل الولايات المتحدة استثماراتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولا سيما إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس بالسباق.

نائب ترمب

ويتزايد الترقب الأوروبي في شأن النائب الشاب الذي اختاره ترمب، وعما ستكون عليه ميوله على صعيد السياسة الخارجية، فعندما انتخب عام 2022، ركز فانس بشكل كبير على القضايا المحلية في ولايته أوهايو، كما أنه لم يخدم في أية لجنة تتعلق بالأمن القومي أو العلاقات الخارجية، وفقط يمكن من خلال تصريحاته للصحافة أو خطاباته التعرف على آرائه ووجهات نظره في الشأن الخارجي، وهى نفسها التصريحات التي لم يحبها الأوروبيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الزميل لدى مركز "ديسفينس بريوريتس" دانييل ديبيتريس إن فانس لا يخجل من التعبير عن استيائه من ميل أوروبا إلى الاعتماد على الولايات المتحدة، وهو الموضوع الذي أثاره ترمب باستمرار.

وفي ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا على وجه التحديد، يتحدث فانس بصوت عال عن معارضته لمزيد من المساعدات الأميركية لكييف، ليس لأن لديه انجذاباً نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل لأنه يعتقد أن الأمر يشبه بإلقاء الأموال في جحر الفئران.

وكتب فانس في صحيفة "نيويورك تايمز" في أبريل (نيسان) الماضي أن الحاجات العسكرية لأوكرانيا واسعة النطاق، لدرجة أن المجمع الصناعي الدفاعي الأميركي لا يمكنه مواكبتها، وكلما زادت الأسلحة والذخائر التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا كلما قلت قدرتها على تقديمها لتايوان، الجزيرة الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي يريد الرئيس الصيني شي جينبينغ ضمها للبر الرئيس الصيني.

ومثل ترمب، يعتقد فانس اعتقاداً راسخاً أن الولايات المتحدة تنفق كثيراً في أوروبا، في وقت ينبغي أن يحظى شرق آسيا بأكبر قدر من الاهتمام من مؤسسة السياسة الخارجية والدفاع الأميركية. 

وفي فبراير (شباط) الماضي قال فانس خلال "مؤتمر ميونيخ للأمن" إن "على الولايات المتحدة أن تركز أكثر على شرق آسيا، وسيكون هذا هو مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى الأعوام الـ 40 المقبلة، وعلى أوروبا أن تنتبه إلى هذه الحقيقة".

وفيما طالب ترمب مراراً الدول الأوروبية ببذل مزيد من الجهد للإسهام في موازنة حلف شمال الأطلسي من خلال زيادة إنفاقها العسكري، قال فانس خلال المؤتمر إن "ترمب يصدر في الواقع نداء تنبيه، ليقول إن على أوروبا أن تلعب دوراً أكبر في أمنها"، مضيفاً أن كمية الذخائر التي تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا بصورة واقعية إرسالها إلى أوكرانيا محدودة للغاية، بسبب القدرة التصنيعية.

ومع ذلك شدد فانس على أنه لا يريد أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلف شمال الأطلسي أو أوروبا، لكن الأمر يتعلق بحاجة الولايات المتحدة للتركيز أكثر على شرق آسيا.

ووفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية فإنه خلال حدث تجمع فيه عدد من السفراء الأجانب والدبلوماسيين الآخرين في واشنطن، ساد موضوع اختيار ترمب لجي دي فانس على الأحاديث في ما بينهم، وقال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين للصحيفة إن "أوكرانيا في ورطة"، إذ يثير اختيار فانس مخاوف في جميع أنحاء أوروبا، فمن دون مساعدة أميركية قوية لأوكرانيا سيكون لدى كييف نفوذ أقل في أي محادثات سلام مع موسكو، أو قد تخسر الحرب تماماً.

ميل أميركي عام نحو آسيا

ومع ذلك لا يرى المراقبون في واشنطن أن موقف فانس متطرف، وفي حين تشعر أوروبا ربما بالقلق أكثر من عودة ترمب المحتملة، فإن دبلوماسيين من دول أوروبية عدة يجادلون بأن توجه الولايات المتحدة نحو آسيا أصبح أكثر عمقاً في السياسة الخارجية الأميركية بدأ خلال العقد الماضي وتواصل خلال إدارة بايدن - هاريس الديمقراطية، وقد اعترفت الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة بأن مركز الثقل في العلاقات الدولية ينتقل إلى آسيا بسبب صعود قوة الصين، وما يقابله من صعود طموحات الصين في المنطقة. ومع نقل الولايات المتحدة مزيداً من اهتمامها ورأسمالها الدبلوماسي ومواردها العسكرية إلى الشرق، فسيكون لزاماً على الأوروبيين أن يعوضوا بعض النقص في الحفاظ على الأمن والاستقرار في قارتهم.

وخلال إدارة بايدن عُزز تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، وأطلق بهدف مواجهة توسع نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما كان "تحالف أوكوس" الذي أطلق في سبتمبر (أيلول) 2022 سبباً في إغضاب أوروبا من بايدن، إذ اُتهم كبار قادة الاتحاد الأوروبي الرئيس الأميركي بعدم الولاء للتحالف عبر الأطلسي، وطالبوه بتوضيح سبب تضليله فرنسا وشركاء أوروبيين آخرين في شأن إقامة شراكة إستراتيجية جديدة مع المملكة المتحدة وأستراليا في المحيطين الهندي والهادئ.

و"أوكوس" هو تحالف دفاعي ينطوي على مجالات تعاون تتعدد بين تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحرية تحت الماء والصواريخ الفوق الصوتية، وأدى إلى تخلي أستراليا عن صفقة بقيمة 66 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية تعمل بالديزل، إذ أعلنت كانبيرا خطة لبناء ما لا يقل عن ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية باستخدام التكنولوجيا الأميركية والبريطانية في شراكة أمنية ثلاثية، وهو ما أثار غضب الإليزيه، إذ أعربت فرنسا عن غضب واسع حيال التصرف الأميركي حتى إن بعض وسائل الإعلام اعتبرت لهجتها غير دبلوماسية، بعدما اتهمت الولايات المتحدة بـ "طعنها في الظهر" وبريطانيا بـ "الانتهازية"، وسحبت سفراءها من واشنطن وكانبيرا.

وصرح دبلوماسي إسكندنافي آنذاك أن ألمانيا "تشارك فرنسا القلق حيال تجاهل الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي في هذه المسألة"، وهي نقطة أكدها الزعيم الألماني لـ "حزب الشعب الأوروبي" المحافظ المهيمن في البرلمان الأوروبي، مانفريد ويبر.

هاريس اختيار "فاشل"

وثمة قلق أوروبي آخر يتعلق بكامالا هاريس من الناحية الشخصية، إذ كشفت مجلة "بوليتيكو" عن نظرة المسؤولين الأوروبيين لها باعتبارها "شخصية باهتة واختياراً فاشلاً" من الحزب الديمقراطي لتكون مرشحته، ووفق المجلة في طبعتها الأميركية فإن عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل قالت في محادثة خاصة قبل انعقاد إحدى جلسات اللجنة في فبراير (شباط) الماضي، بينما لم تكن مدركة أن الميكروفون مفتوح، "كان ينبغي عليهم إعداد مرشح آخر بديل لكاميلا هاريس منذ البداية. إنها لن تفوز أبدا بالانتخابات، وأعني أن هذا أمر ميؤوس منه"، وكان تعليق شنابل التالي قاطعاً حين قالت "أنا لا أعرفها حتى لأنها كانت بعيدة إلى حد كبير".

وبينما وصف البنك المركزي الأوروبي الإثنين الماضي هذه الاقتباسات بأنها مضللة، قائلاً إن شنابل "لا تعلق أبداً علنا على الأحداث السياسية"، ففي المحادثات الخاصة انتقد أشخاص آخرون مطلعون على أسلوب هاريس في الدبلوماسية خطاباتها، متذكرين أنها كانت تميل إلى القراءة من نص مُعد بطريقة متقنة، وقال اثنان من المسؤولين الذين التقوا هاريس خلال "مؤتمر ميونيخ الأمني" ​​في وقت سابق من هذا العام لصحيفة "بوليتيكو"، إنها بدت شخصية مختلفة، ومن ناحية كانت مداخلاتها العامة مكتوبة بدقة عالية، بينما خطاباتها ألقيت عبر الملقن مع قليل من التلقائية.

ومثال آخر على ذلك وهو ظهورها المثير في "مؤتمر الذكاء الاصطناعي" في المملكة المتحدة عام 2023، فقد صعدت هاريس على خشبة المسرح متأخرة، على أنغام الموسيقى الرئاسية، وألقت خطاباً وصفه أحد الحاضرين لصحيفة "بوليتيكو" بأنه مبتذل، وكان بعيداً من موضوع المؤتمر الرئيس، وفي حين وصفت الحكومة البريطانية مشاركة هاريس بأنها إيجابية، لكنها في السر لم تكن متأثرة بظهورها، وأبلغت مسؤولي البيت الأبيض بمشاعرها.

التكيف ومعالجة التصورات

وإضافة إلى تعليقاته الصحافية، أعد مكتب وزير خارجية بولندا مذكرة من خمس ورقات حول العلاقات عبر الأطلسي، والتي شاركها مع نظرائه في دول الاتحاد الأوروبي خلال لقاء في بروكسل الأسبوع الجاري، وتحث الوثيقة قادة أوروبا على تكييف سلوكهم بسرعة مع التحول المقبل، ولكن أيضاً على العمل بصورة جماعية لتبديد التصورات السلبية حول العلاقة عبر الأطلسي التي ترسخت، وأبرزها على الجانب الجمهوري.

ومن بين قضايا أخرى تصفها المذكرة، يتعين على زعماء ومسؤولي الاتحاد الأوروبي أن يعالجوا التصورات، سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، بأن أميركا تتعرض للاستغلال من شركائها التجاريين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. 

وفي حين يظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري العالمي الأكبر للولايات المتحدة، فإن العجز الأميركي المتزايد في تجارة السلع مع أوروبا يغذي هذه الرواية، ومن ثم تحتاج النخب على ضفتي الأطلسي إلى "تعلم كيفية التحدث" مع الجمهور حول المنفعة المتبادلة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على المستويين الاقتصادي والإستراتيجي.

المزيد من تقارير