ملخص
بعزيمة فولاذية وإيمان راسخ تفتح حورية قرايري كل صباح باب جمعيتها الخيرية "الخنساء أم اليتامى" بمدينة سطيف شرقي الجزائر لتجتمع مع طاقمها الشبابي لوضع خطة للعمل الخيري حسب المواسم والفصول.
يعرف قسم كبير من الناس القصيدة الشهيرة التي رثت فيها الخنساء أخاها صخراً وملأت عبرها الدنيا بكاءً ونحيباً... وربما تنطبق على مئات "الخنساوات" اللاتي فقدن إخوتهن أو أولادهن لأسباب معينة، لكن منهن من حولت الحزن والبكاء إلى بهجة ترتسم على وجوه الناس وإحداهن جزائرية تسمى "حورية" التي فقدت ثمانية أبناء... تعرف على قصتها مع "اندبندنت عربية".
بعزيمة فولاذية وإيمان راسخ تفتح حورية قرايري كل صباح باب جمعيتها الخيرية "الخنساء أم اليتامى" بمدينة سطيف شرقي الجزائر، لتجتمع مع طاقمها الشبابي لوضع خطة للعمل الخيري بحسب المواسم والفصول (كسوة الأيتام، كبش العيد، توزيع الأدوات المدرسية، ختان الأطفال وغيرها).
وتقول حورية "قبل تأسيسي للجمعية الخيرية، كان لدي ميل كبير لفعل الخير وسط الناس، وقمت بمبادرات فردية عدة". ولا يزال سكان المنطقة يستذكرون أول مبادرة خيرية لحورية عندما رممت دار العجزة ببلدية صالح باي، جنوب ولاية سطيف، في مبادرة لقيت استحساناً.
ويلقب سكان مدينة سطيف الجزائرية السيدة حورية قرايري، بـ"أم اليتامى" لتكفلها بمن فقدوا أولياءهم كأولوية بالنسبة لها، مما جعلها امرأة فريدة من نوعها في المدينة يهب المحسنون لمساعدتها مع كل إعلان عن عمل خيري لعزيمتها في مساعدة اليتامى والمعوزين ولقيادتها قوافل الخير لتجول بها في القرى والمداشر النائية.
6 طبعات للزواج الجماعي... بانتظار المزيد
وتستعد السيدة حورية مع قدوم كل فصل صيف لتحضيرات العرس الجماعي لتزويج الشباب وكأنهم أبناؤها، فتتكفل بكل تفاصيل التجهيزات للزفاف، من تأثيث غرف العرسان إلى دفع المهر، وصولاً إلى دعوة المعازيم، وإقامة الفرح.
وفي يوليو (تموز) الجاري نظمت السيدة قرايري عرساً جماعياً لتزويج ثمانية عرسان، في حفل بهيج أقيم في إحدى قاعات الأفراح، ليضم إلى قائمة الأعراس الجماعية التي بادرت بها "جمعية الخنساء أم اليتامى" منذ أربعة أعوام، إذ تمكنت منذ افتتاح جمعيتها من تزويج أكثر من 100 عريس وعروسة بمساعدة المحسنين والمحسنات ورجال الأعمال. وقالت السيدة قرايري، "نظمنا 6 طبعات من العرس الجماعي وأطمح لمزيد فهذه الفعالية الخيرية تشعرني بالسعادة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من رحم الألم
من يرى "أم اليتامى" منهمكة بصناعة الفرح والابتسامة على وجوه الآخرين قد لا يصدق أن وراءها قصة عظيمة بطعم الألم، فهذه السيدة فقدت ثمانية أولاد، واحداً تلو الآخر. وترفض التوسع في التفاصيل كثيراً في سرد قصتها، لأنها تحيي بداخلها جراحاً دفينة تحاول تجاوزها وتقبلها مع مرور السنوات، وإن كانت تصطدم بها مع كل رحلة تقودها إلى المقبرة لزيارة أبنائها الذين دفنوا جنباً إلى جنب على رغم تباعد تواريخ الوفاة بينهم، "وكأن الله جمعهم في مكان واحد لحكمة منه".
وعن قصة الفقد تقول حورية، إن أسباب الوفاة مجهولة وقد تكون غريبة في بعض الأحيان في غياب التفسيرات، فمنهم من مات عند الولادة ومنهم من فارق الحياة بعد مدة قصيرة، فأولادها يولدون بصورة طبيعية لكن سرعان ما يصابون بحمى غير طبيعية وتتغير بينتهم الجسمانية في ظرف وجيز.
ومنهم من أصيب بضيق في التنفس وفارق الحياة مباشرة، لكن الواقعة التي ظلت راسخة في مخيلتها هي تلك الطفلة التي ولدت من دون أن تفتح عينيها لثلاثة أيام وبمجرد أن فتحتهم نظرت إلى وجه أمها التي كانت إلى جانبها ثم ماتت.
ولم تتوقف حوادث الألم عند هذا الحد فابتليت "أم اليتامى" بالمرض، فأصيبت بالمرض الخبيث على مستوى الرأس مما أجبرها على إجراء عملية جراحية أفقدتها حاسة السمع والشم والذوق، وبعد أعوام من كل ما جرى فقدت حورية قرايري زوجها في زمن كورونا بعدما كانت تستند إليه للتخفيف من أوجاعها.
رغم كل هذه الجراح ترفض هذه السيدة العظيمة كما يسميها كل من عرفها، تكتيف الأيدي، وتستمر في التقدم وترك أثر في المجتمع، بل تجزم أن العمل الخيري عوضها كثير ويزرع فيها الأمل عند نفاذ وقود الصبر، وطموحها يتزايد يوماً بعد آخر لتوسيع دائرة الخير ومسح دمعة كل يتيم يذكرها بأبنائها الذين فقدتهم، وعزاؤها أن يكون اللقاء في جنة الفردوس.