ملخص
منذ هرب السجناء شهدت ولاية الخرطوم ومناطق عدة في الأقاليم حالاً من الفوضى والانفلات الأمني ونهب للمواطنين والمتاجر في الأحياء، وتعرض عدد كبير من المحال التجارية للكسر.
تسببت حرب الخرطوم التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023 في فرار الآلاف من سجون العاصمة، إذ اقتحمت قوة مسلحة بعد أسبوع من اندلاع القتال مقار السجناء في مركز الهدى الإصلاحي وسوبا وكوبر، وكذلك دبك والجريف وسجن النساء في أم درمان وحررت النزلاء عنوة تحت تهديد السلاح.
وتواجه الشرطة السودانية تحديات عدة في شأن ملف إعادة القبض على نحو 15 ألف سجين منهم مدانون بالإعدام وأصحاب سوابق ونزلاء جرائم الاتجار بالمخدرات، والمتخلفون عن تسديد شيكات مصرفية وغيرها من المنازعات المالية والمعروفون في السودان باسم "يبقى لحين السداد"، فضلاً عن هرب آخرين من الولايات التي شهدت نزاعاً مسلحاً.
تبادل الاتهامات
واتهم الجيش السوداني قوات "الدعم السريع" بالإغارة على السجون لتحرير السجناء عنوة، بينما سارعت القوات لتبرئة ساحتها ونفت الاتهام، قائلة إنها "نبهت سابقاً من إجراءات توزيع زي قواتها على عناصر وصفتهم بالفلول لتنفيذ أعمال إجرامية وإلصاق التهمة بـ’الدعم السريع‘".
وأشارت إلى إطلاق سراح قادة النظام السابق بقيادة عمر البشير وعشرات من رموز الإسلاميين الذين يحاكمون بتهم تقويض النظام والاستيلاء على الحكم خلال عام 1989.
خطوات وتدابير
إلى ذلك كلفت وزارة الداخلية السودانية لجنة لتقييم أوضاع السجون بولاية الخرطوم، وطافت اللجنة على المقار الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة ووقفت على الأضرار التي لحقت بالسجون ومدى صلاحيتها لمزاولة العمل، إلى جانب تحديد المواقع التي تحتاج إلى صيانة.
وفي هذا الصدد قال والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة إن "استئناف الشرطة والنيابة والمحاكم لأعمالها في الولاية يجب أن تعقبه خطوات أخرى من بينها الضرورة الماسة للسجون من أجل حجز المحكومين والمنتظرين، في ظل سياسة تطبيع الحياة وتمكين أضلع العدالة من القيام بمهامها بالكامل".
وأشار حمزة إلى أن "هناك اتصالات مع إدارة السجون في السودان لتحديد سجون للمحكوم عليهم ووسائل ترحيلهم"، مشدداً على حرص الولاية على توفير حاجات المحاكم والقضاة وتهيئة بيئة العمل.
استعادة السجلات
وفي شأن جهود الشرطة السودانية للبحث وإعادة القبض على آلاف السجناء، قال وزير الداخلية خليل باشا سايرين إن "الوزارة تمكنت من استعادة سجلات السجناء والمحكومين كافة وستوضح خطة لإعادتهم إلى السجون".
وأضاف "لدينا تدابير فاعلة وقوات السجون ممثلة في رئاستها محتفظة بكل السجلات المتعلقة ببيانات النزلاء الذين فروا وتم حصر الأسماء في قوائم السفر، والموجودون داخل البلاد سيعودون إلى السجون بالتنسيق والجهود الكبيرة بين قوات الشرطة وأقسامها".
وتابع "بالنسبة إلى السجناء الذين غادروا البلاد ستتم إعادتهم عبر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ’الإنتربول‘".
تعهدات الشرطة
ومنذ هرب السجناء شهدت ولاية الخرطوم ومناطق عدة في الأقاليم حالاً من الفوضى والانفلات الأمني ونهباً للمواطنين والمتاجر في الأحياء، وتعرض عدد كبير من المحال التجارية للكسر وسرقة كميات كبيرة من المنتجات المختلفة، فضلاً عن هرب آلاف السجناء خارج البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية العميد فتح الرحمن محمد توم أن "أكبر التحديات التي تواجه الشرطة في القبض على الفارين من السجون انتشارهم داخل البلاد، والسودان مترامي الأطراف وما زالت هناك مناطق تشهد نزاعات مسلحة، وكذلك مغادرة عدد منهم خارج البلاد".
وطمأن محمد توم المواطنين بقدرة الشرطة "من خلال آلياتها وخبرتها وخططها الواضحة في إعادة كل الفارين إلى السجون حتى تستقيم العدالة".
إجراءات ومجهودات
المحامي والمستشار القانوني محمد عثمان موسى قال إن "تحديات عدة تنتظر الشرطة حال توقف الحرب، وبخاصة القبض على الآلاف السجناء الذين فروا من زنازين العاصمة الخرطوم وبعض المدن التي شهدت نزاعاً مسلحاً".
وأضاف أن "بقاء كثير منهم خارج أسوار السجون سيقود حتماً إلى تفشي الجرائم وعمليات النهب والسرقات وتجارة المخدرات بصورة أكبر مما كانت عليه في السابق، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة ستنعكس على الأمن المجتمعي وستروع المواطنين بظهور تفلتات وسطو على المنازل".
وأوضح موسى "حتى في حال استقرار البلاد فإن محاولة البحث والقبض عليهم ستكون مهمة شاقة وعسيرة، خصوصاً بعد هرب عدد منهم خارج السودان".
وأفاد المحامي والمستشار القانوني بأن "خطوات القبض وإعادة السجناء تتطلب مجهودات كبيرة، لكنها ليست مستحيلة بما للشرطة السودانية من خبرات في هذا المجال البحثي والجنائي".
آثار نفسية واجتماعية
ولن تتوقف خطورة إطلاق سراح السجناء في مرحلة ما بعد الحرب عند تفشي الجرائم ومضاعفة الأوضاع الاقتصادية فحسب، بل تتعدى ذلك إلى آثار نفسية ومجتمعية.
وترى المتخصصة النفسية والاجتماعية ناهد مبارك أن "أي محتجز يحتاج إلى رعاية خصوصاً بعد خروجه من السجن، لأن السلوك الإجرامي يصنف كعادة من الصعب التخلي عنها مباشرة بعد الخروج".
ولفتت إلى أن "كثيراً من السجناء يمكن أن يعودوا إلى دائرة الإجرام حال استقرار الأوضاع في البلاد، لأن عدم القبض عليهم يشجعهم على ارتكاب عدد من عمليات النهب وتجارة المخدرات، خصوصاً في ظل الواقع الاقتصادي المتأزم".
وعدت مبارك أن "إمكانية حدوث جرائم قتل وثأر من قبل المحكومين بعقوبة الإعدام ضد ذوي الضحايا وارد بدرجة كبيرة، مما يهدد الأمن والأمان"، وكشفت عن آثار نفسية محتملة على الأطفال في الأحياء السكنية بسبب رؤية المجرمين والمغتصبين يتجولون بكل حرية بعد أن أفلتوا من العقاب، وربما يدفعهم الواقع الجديد إلى ممارسة أفعالهم من دون رادع أو محاسبة.
أحداث مماثلة
تعرضت سجون السودان من قبل لاقتحامات من مواطنين، لكن لم يسبق أن أفرغت تماماً من السجناء.
وحين سقطت حكومة الجنرال الراحل إبراهيم عبود خلال "ثورة أكتوبر" (تشرين الأول) 1964، حاصر الانقلابيون سجن كوبر وأطلقوا سراح النزلاء الموقوفين على ذمة قضايا سياسية، لا المحكومين في قضايا جنائية.
وتكررت الواقعة بعد سقوط نظام المشير جعفر النميري في أبريل 1985، إذ دخل مسلحون سجن كوبر أيضاً وأطلقوا عشرات من طلاب وأساتذة الجامعات وفنانين وأدباء ومزارعين كان نظام النميري زج بهم في السجن قبل سقوطه.