ملخص
أثار التقارب بين تركيا والنظام السوري الذي توصل إليه بوساطة روسية – إيرانية، سلسلة من الأحداث الدامية في الأيام القليلة الماضية بالمناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة السورية المدعومة من قبل أنقرة، في ظل قلق على مصير الأهالي في الشمال السوري.
مرت الساعات الـ48 الماضية ثقيلة على أهالي الشمال السوري في المناطق التي يطلق عليها وصف "المحررة" وهي الأراضي الخاضعة للمعارضة السورية الموالية لتركيا، في ظل التطورات الأخيرة وأحداث الشغب المؤهلة بالتصاعد مع كل ما يحدث من تقارب بين النظام السوري وأنقرة بعد أعوام طويلة من القطيعة، وانعكس ذلك على الأرض نفوراً من جانب المعارضة تجاه الأتراك، أحد أكبر داعمي المتمردين طوال فترة الصراع الأهلي المسلح.
الشغب والاحتجاج
واندلعت الاحتجاجات الشعبية بكثافة على نحو غير مألوف، فالحديث عن تطبيع بين تركيا والنظام السوري إضافة إلى الحملات العنصرية تجاه السوريين اللاجئين في تركيا وبخاصة في ولاية قيصري، أشعلت غضباً لدى القاطنين في الشمال وهاجم المحتجون مكاتب الولاة الأتراك والشاحنات وأحرقوا العلم التركي، وتأججت التظاهرات وأعمال العنف وتبادل إطلاق النار.
وطاولت الاحتجاجات مدناً ريفية في عفرين وجنديرس وإعزاز والباب وغيرها، وامتدت إلى مدينة رأس العين حيث عمد مسلحون من فصيلي "أحرار الشرقية" والحمزات إلى حرق سيارة عسكرية تركية، بينما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان (ومقره لندن) حصيلة ضحايا الاشتباكات في سبعة أشخاص، ستة منهم لقوا مصرعهم في مدينة عفرين بينما سقط آخر في جرابلس بعد تبادل إطلاق نار مع حرس نقاط تركية خلال احتجاجات يوم الإثنين الأول من يوليو (تموز) الجاري.
الكلمة والرصاص
وفي غضون ذلك يغيب أي دور لقادة المعارضة السورية الموالية لتركيا في حين تشتعل الساحات من قبل المسلحين والمدنيين الرافضين لتركيا وسياستها الخارجية. وتشير المعلومات الواردة إلى أن "الجيش الوطني السوري" (المعارض) أعلن وقوفه إلى جانب الجيش التركي، وبث خطابات تطالب المتظاهرين بـ"ضبط النفس" في حين بث مقطعاً مصوراً يظهر فيه مقاتلين يرفعون علم المعارضة السورية إلى جانب العلم التركي.
وترددت عبارة "ضبط النفس" كثيراً على ألسنة قادة ورؤساء الهيئات السياسية والعسكرية من مبدأ حقن الدماء واحتكاماً للغة العقل، واستنكرت المعارضة عبر رئيس "الائتلاف الوطني السوري" هادي البحرة "حملات بعض العنصريين من تحريض وبث خطاب الكراهية، والإشاعات المغرضة تجاه اللاجئين السوريين في تركيا وبلاد اللجوء الأخرى، وأعمال الشغب التي استهدفت سائقي الشاحنات التركية"، مطالباً بضرورة "الابتعاد من الخطابات والأعمال التحريضية وعدم الوقوع في فخ استخدام نفس خطاب الكراهية".
ودعا البحرة في بيان صحافي إلى "عدم إتاحة الفرصة لزعزعة الأمن والاستقرار في المناطق المحررة وفي تركيا"، مؤكداً أهمية ما صدر من تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استنكر الحملات وأعمال الشغب.
وأكد رئيس "الائتلاف الوطني السوري" تحرك السلطات التركية ضد مثيري الشغب وعملها على ضمان سلامة المواطنين واللاجئين والمقيمين في تركيا، بينما أثارت احتجاجات السوريين في الشمال غضب المسؤولين الأتراك، وجزم وزير الداخلية التركي علي يرلي "سنقاتل بحزم السوريين الذين أنزلوا العلم التركي في الشمال السوري وهاجموا الجيش التركي".
ولا يستغرب عضو "الائتلاف الوطني السوري" عن "المجلس الوطني الكردي" شلال كدو في تصريح لـ"اندبندنت عربية" التطبيع بين أنقرة والنظام، معتبراً قرار عودة العلاقات بين الطرفين "ليس مفاجئاً"، إذ مر بمراحل تفاوض عدة و"تركيا ليست الدولة الوحيدة التي تعيد العلاقات بل سبقتها دول مهمة وكبيرة، بالتالي من غير المستبعد أن نرى مصالحة بينهما".
وسبق أن دارت مفاوضات بين سوريا وتركيا عبر الوسيطين الروسي والإيراني وعقدت اجتماعات بين قادة الأمن والاستخبارات والجيش أفضت إلى اجتماع دبلوماسي حضره وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد، لكن قطار التفاوض توقف حين طالب الجانب السوري بعودة الأراضي التي احتلتها تركيا كاملة خلال الصراع المسلح الدائر منذ عام 2011، ومن المعروف أن الجيش التركي توغل عبر ثلاث عمليات عسكرية (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) من عام 2016 إلى عام 2019، في أراض سورية بذريعة تأمين الأمن القومي التركي من خطر وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.
وذكر رئيس "الائتلاف الوطني السوري" البحرة خلال تغريدة له عبر منصة "إكس" أن الحل يكون عبر "إقناع السوريين داخل سوريا والنازحين والمهجرين والنازحين أنه بات لهم دولة وفيها دستور ينفذ ويحترم، وقوانين تضمن أمنهم الخاص وأمن المجتمع. دولة يمكنهم البقاء فيها أو العودة إليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أصحاب القرار
وحيال ما يحدث هدد الرئيس التركي المتظاهرين الغاضبين في الشمال ممن أحرقوا العلم التركي. وأشار في كلمة له عقب اجتماع حكومته إلى "وجود أياد خارجية ومؤامرة"، مضيفاً أن "تركيا في حاجة إلى حوار مع دول الجوار". جاء ذلك تزامناً مع تصريح صحافي لمستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف اقترح فيه على المسؤولين في أنقرة تسريع عملية المصالحة مع النظام السوري، قبل اتحاد العناصر المعارضة في الشمال السوري ضد الوجود التركي.
ولفت الناشط الحقوقي السوري محمد السيد عمر إلى "غياب أي دور للمعارضة السياسية خلال اندلاع التظاهرات الغاضبة بوجه الأتراك، فبدت الاحتجاجات عفوية وغاضبة"، وأبدى استغرابه من ابتعاد من وصفهم بقيادات المعارضة من الساحة الشعبية. وأضاف السيد عمر أن "أي خيار تتخذه قيادة المعارضة سيكون محرجاً فإن وقفت مع الحراك الشعبي فلن تسلم من أنقرة، إذ إنه معروف جيداً أن الدعم العسكري والإنساني والمساعدات في التنمية بيدها ومن طريقها، إضافة إلى وجود قواعد عسكرية ونقاط وتمركز لقطع من الجيش والأمن والاستخبارات التركية، وفي حال وقفت مع تركيا فتكون بنظر المحتجين من مدنيين وعسكريين ابتعدت من المطالب الشعبية".
وفي المقابل ذكر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن أن "الأتراك هددوا باعتقال كل من يتظاهر ضدهم... مع مخاوف حقيقية في ظل قطع الإنترنت والاتصالات، من شن حملات قمع ضد من يعارض السياسة التركية".
وتفيد معلومات من مصادر أهلية عن تجمع مئات العائلات السورية على المعابر الحدودية قادمين من تركيا وبخاصة من ولاية قيصري، للعودة إلى البلاد بعد تعرضهم لحملة عنف غير مسبوقة بينما الأصوات التركية تطالب بترحيل ملايين السوريين إلى بلادهم.
وفي المقابل دعا المجلس الكردي الديمقراطي (مسد) إلى "عقد مؤتمر وطني في سوريا" بعد الاحتجاجات الأخيرة وجاء في بيان المجلس أن "الحوار المسؤول والمنفتح هو السبيل لتجاوز مأساتنا".
ومع كل ما يحدث ومهما بدا أن التفاهم بين النظام وأنقرة يكتمل مع تطورات على الأرض عبر فتح الطرق والمعابر الحدودية، إلا أن الاحتجاج الشعبي خصوصاً من المعارضين يمكن أن يربك ويؤخر هذا التقارب، ومع أن الأيام الثلاثة الماضية بدت دامية لكن قابل الأيام يحمل المجهول لأرض الشمال السوري.