Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان "كان" يرحب بفيلم "نورة" وبعده الإنساني

المخرج السعودي توفيق الزايدي يرغب في تقديم القصص المحلية إلى العالم

ملخص

لقي فيلم "نورة" للمخرج السعودي توفيق الزايدي ترحيباً في "مهرجان كان"، ووجد فيه النقاد والجمور مناسبة مهمة للاطلاع على خصائص السينما السعودية وعلاقتها بالجماعة والمكان، في ظل التحولات الثقافية الجديدة.

"السينما توسع حدودها"، قال المدير الفني لمهرجان "كان" السينمائي (14 إلى 25 أيار) الجاري، تييري فريمو، وهو على مسرح "دوبوسي" لتقديم "نورة" لتوفيق الزايدي، أول فيلم سعودي يُعرض في هذا المهرجان، عبارة شاعرية من وحي "اقتحام" السعودية خلال الأعوام الأخيرة ميدان الفن السابع إنتاجاً وعرضاً، لتنضم إلى البلدان التي تغذي المهرجان بأعمال تستحق المشاهدة. وعند الإعلان عن البرنامج فوجئ بعضهم من اختيار "نورة" في "كان" لكونه شارك سابقاً في "مهرجان البحر الأحمر" وفاز بجائزة أفضل فيلم سعودي، وهو ما يتعارض مع سياسة "مهرجان كان" الذي لا ينتقي الا الأفلام غير المعروضة، ولكن فات هؤلاء أن المهرجان يسمح أحياناً بعرض الفيلم في بلد المنشأ، وثمة أفلام كثيرة كانت نافست على "السعفة الذهبية" بعد عرضها في صالات بلدانها. 

وخلال تقديم الفيلم صباح أمس أمام صالة مكتظة ضمن عروض "نظرة ما"، قال الزايدي الذي ينجز مع "نورة" فيلمه الروائي الطويل الأول، إن المهرجان أتاح له فرصة ليحكي "قصصاً محلية أمام العالم"، وهو يؤمن أن كل إنسان يحمل قصة في داخله يجب أن تروى إلى العالم، والمخرج يعرف أن العالم يرغب في معرفة المزيد عن السعودية التي ظلت غائبة عن الشاشات طوال عقود، وها هي تطل من أهم منبر سينمائي في العالم.

الفيلم الذي صُور في منطقة العلا يعود بنا للتسعينيات ليروي قصة فتاة اسمها نورة (ماريا بحراوي) تعيش في قرية لا يحدث فيها الكثير، ولا تملك نورة سوى الحلم عبر تصفح المجلات التي تأتي بها من حانوتي القرية، تتصفحها وتتمنى لو كانت حياتها مشابهة لحياة من يتصدرون أغلفتها، لكن مجيء مدرس من المدينة (يعقوب الفرحان) إلى القرية بقرار من الدولة يقلب الأشياء رأساً على عقب، في الأقل بالنسبة إليها.

الوعي الجمالي

يحاول المدرس الذي يملك أيضاً موهبة الرسم بث الوعي في نفوس الأطفال الذين يلتحقون بصفه على رغم أنه يلقى معارضة شديدة من الأهالي بعد قراره تعليمهم الرسم، أما نورة فكل ما ترغب فيه هو أن يرسمها هذا الأستاذ، مما يثير شكوك الشاب الذي يستعد للزواج منها. لا توجد أية علاقة تتخطى العلاقة الإنسانية بينهما، وكل ما في الأمر أن نورة تجد في الأستاذ فسحة أمل تهرب من خلالها إلى العالم الذي سيجعلها تنعم بمزيد من الحرية بعيداً من الضغوط الاجتماعية.

المشاهد التي ترينا الأستاذ وهو يرسم نورة المنقبة كاشفة عن عينيها أمامه، تلعب على هامش التناقضات بين رغبة الإنسان ورغبات محيطه، مما يصنع بعض الاختلاف في هذا الفيلم الذي يقارب موضوعه مقاربة خجولة.  هذا فيلم يحمل خطاباً يسهل التقاطه، وهو يدور على المواجهة الهادئة بين أنصار الانفتاح والعصرنة من جهة، والمتمسكين بالتقاليد وحراسها من جهة ثانية، شخصية المدرس تحمل رمزية واضحة، ويقول الزايدي إن هذه الفترة من تاريخ السعودي طويت.

"اليوم تغيرت الأشياء لكنها استمرت 35 عاماً، وكان على الموسيقيين إيقاف حياتهم المهنية بسبب الضغوط التي كانوا يتعرضون لها، وهذا فيلم يشيد بهؤلاء الأشخاص الاستثنائيين الذين تمكنوا من الحفاظ على زخمهم الإبداعي على رغم أنه كان ينظر إليهم على أنهم هامشيون أو طليعيون من قبل المجتمع الذي عاصرهم، وقد ألهمنا هؤلاء ونالت أعمالهم على مر الزمن الاعتراف الدولي، وعلى المستوى الشخصي أنا شغوف بالفنون منذ عمر الـ12 سنة، ولطالما حاولت أن أفهم لماذا كانت ممنوعة في بلدي، وقد انضممت إلى الموجة الأولى من المخرجين السعوديين من خلال أول أفلامي القصيرة عام 2006، ولم تكن هناك بعد دور سينما في السعودية وظل الناس يذكرونني ألا جدوى من الذهاب إلى السينما، مما جعلني أعتقد ألا جدوى من محاولة إنجاز الأفلام، وعندما بدأت أبحث عن أفكار لفيلمي الأول أتيحت لي فرصة لقاء بعض الفنانين الذين خضعوا للرقابة خلال الثمانينيات والتسعينيات، وتركت قصصهم صدى في داخلي وتماثلت معها، وأعتقد أن هناك دائماً جانباً إبداعياً فينا ينتظر التعبير عن نفسه".

كلام الزايدي إضافة مهمة لفهم خلفيات القصة والسياق الاجتماعي الذي تجري فيه الأحداث، إذ إن المشاهدة وحدها لا تكفي للاحاطة بكل الجوانب، خصوصاً أن الفيلم فقير بها، أما من لا يملكها فسيبقى "نورة" عنده مجرد قصة نسوية على الموضة، منفصلة عن الواقع الأوسع الذي لا نراه في الفيلم إلا في شكل خجول ومن خلال ما يتيحه السيناريو. 

تكتسب قصة نورة رمزية معينة لكونها تتزامن مع انفتاح السعودية على السينما، فجزء كبير من الفيلم هو عن مكان الصورة في المجتمع، سواء عبر المجلات التي تتصفحها الفتاة أو اللوحة التي يحاول الأستاذ رسمها لها، فالصورة تبث الذعر في نفوس من يريد إبعادها وحظرها، نورة ببراءتها والأستاذ بطليعيته يصححان المفاهيم، ولو أن هذا الأمر لن يكون سهلاً في بيئة محافظة تحارب ما تجهله، واليوم كل هذا أصبح في الوراء كما يقول المخرج، لكن طيف هذه المرحلة سيظل يلهم الأفلام انطلاقاً من رغبة في تفكيكها وفهمها، خصوصاً أن السينما كثيراً ما تنكب على المواضيع الشائكة بعد مرور وقت عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفيلم مشغول بجودة سينمائية ويتوجه خصوصاً إلى جمهور غربي يملك ما يلزم من فضول، فيلم كلاسيكي السرد ينهل من البساطة والهدوء ليشق طريقه وسط حقل ألغام، وتدوير الزوايا يفرض نفسه تبعاً إلى حساسية ما يطرحه، فالزايدي يعرض المشكلة من الخارج بلا أي نقاش حول الجذور، وربما لم يأت الآوان بعد، أو لم تكن تلك رغبات المخرج في الأصل، وقد نأخذ على الفيلم جرعة زائدة من اللطف الحريصة على عدم الاصطدام، وعموماً لا يبتعد الفيلم كثيراً عن "وجدة" لهيفاء المنصور الذي يتحدث عن المرحلة العمرية نفسها، ولكن بدلاً من الفتاة والدراجة ثمة فتاة ولوحة. 

ينطلق الزايدي من مبادئ الحرية والانفتاح لكن المادة التي في حوزته تبدو محدودة أحياناً، خصوصاً إذا قورنت مع ما تقترحه أفلام المهرجان الكثيرة الأكثر تعقيداً، أسلوباً وسرداً وطرحاً، وقد يشد الفيلم الجمهور الغربي لما يحمل من كلام عن مجتمعات يجهل تفاصيل عيش أفرادها وقضاياهم التي لا تشبه قضاياه، ولكن سيحتاج إلى بذل جهود أكبر لإقناع المشاهد السعودي أو العربي الذي يعرف هذا كله جيداً، ومع ذلك تبدو لافتة رغبة الزايدي، في أول محاولة إخراجية له، في التحدث عن الفن كأداة للنهوض بالمجتمع وبث الوعي، وهو الذي يأتي من بيئة أحبت الفنون حتى في ظل حظرها، وهذا الترابط الضمني بين عمل سينمائي وتجربة المخرج المعيشة نوع من رهان يجوز تطويره من أجل السينما السعودية نفسها.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما