تمكنت مسيرات طلبة الجزائر، كل ثلاثاء، من خطف أضواء كانت مسلّطة على تظاهرات أيام الجمعة، وباتت محل اهتمام وتخوف في آن واحد، خصوصاً بعد تحول شعاراتها وهتافاتها ومطالبها من تغيير النظام ومحاكمة العصابة إلى استهداف قائد الأركان أحمد قايد صالح والتشكيك في نيات المؤسسة العسكرية... ورفض انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول).
التصقت مسيرات الثلاثاء بالطلبة، على الرغم من أنها لم تعد كذلك بعدما اقتحمتها فئات المجتمع. وقد جاءت مسيرات الثلاثاء الماضي لتكشف عن تغير لافت في هويتها وهي التي كانت ترافق مسيرات الجمعة، في شعاراتها ومطالبها وهدوئها وتنظيمها، إذ راحت في سياق جماعة "الناقمين على الجيش، ورافضي الانتخابات، المتهجمين على قايد صالح"، وهي الجماعة المحسوبة على ما يُعرف بـ"البديل الديمقراطي"، ما فتح باب الاستغراب من التحول الطلابي والتشكيك في اختراق "حصل" في لحظة غفلة أو اندفاع.
وردّد آلاف من الطلبة والمواطنين شعارات مناوئة للسلطة الفعلية في البلاد ولقائد الأركان، مشدّدين على رفض إجراء الانتخابات المقررة في 12 ديسمبر، بعيداً مما كانت عليه الحال في المسيرات الـ29 الماضية التي عرفت شعارات ولافتات ومطالب تعبّر عن حقيقة الفئة الجامعية أو النخبة المستقبلية، ما يكشف عن "اختراق" جماعات عدة المسيرات الطلابية. ومن تلك الفئات، كبار السن والعاطلون من العمل، إضافةً إلى أن الفوضى تسلّلت إلى تنظيم تلك التظاهرات.
تغيير في الشعارات واللافتات... وتساؤلات
ذكّر المحلل السياسي مومن عوير، لـ"اندبندنت عربية"، بدور مسيرات الطلبة في دعم الحراك الشعبي منذ بدايته، خصوصاً في الأشهر الأولى، عندما كان أكثر تنظيماً وتأطيراً وتأثيراً، قبل أن يُخترق، مضيفاً أنّ مسيرات الطلبة مسّها هذا الاختراق، ولو بدرحة أقل من حراك الجمعة. وأشار إلى أنه بالعودة إلى الشعارات واللافتات التي تُرفع كل ثلاثاء، بما فيها تلك الرافضة للعدالة وعمل القضاء على الرغم من الجهد الكبير الذي يبذله منذ بداية الحراك، فإن تساؤلات تُطرح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عوير أن مسيرات الطلبة، بخاصة في العاصمة، تعرضت لعملية اختراق في الفترة الماضية، من فئة تحمل أفكار ما يُسمون بـ"البديل الديمقراطي" ذاتها، داعيا إلى "ضرورة حماية مسيرات الطلبة من الطلبة أنفسهم، وإلى عدم فتح المجال أمام الدخلاء الذين يعملون على توجيهها، بما يخدم مصالحهم و توجهاتهم الضيقة".
بين استهداف الجيش وتغيير النظام... الانقسام
انقسمت مسيرات الطلبة إلى تيارين بعد اختراقها، فئة ترفع شعارات "السلطة للشعب"، وأخرى تطالب بـ"رحيل قائد الأركان قايد صالح"، ما يوحي باقتراب موعد تصادم غير محسوم العواقب، خصوصاً في ظل التشدد الذي تبديه جماعة "نريدها دولة مدنية وليس عسكرية"، على اعتبار أن نظراءهم يرفعون "دولة نوفمبرية باديسية"، الأمر الذي أشارت إليه الإعلامية أسماء صبرينة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية". وأضافت أن مشاركة رؤوس "البديل الديمقراطي" دون سواهم من الشخصيات السياسية والحزبية في مسيرات الطلبة، ليست بريئة ومن ورائها نيات ضيقة، الطلبة ليسوا مستعدين لقبول نتائجها.
تحذيرات
وأوضحت صبرينة أنه حان الوقت لترك شباب الجزائر يقرر لوحده وقد رفض الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتها، مثلما رفض النظام، يوم 22 فبراير (شباط). وسألت "من طلب من هؤلاء التحدث باسم الطلبة، ومن فوّضهم الدفاع عن مطالبهم لولا البحث عن التموقع وخلق توتر يسمح لهم بالضغط على المؤسسة العسكرية بعصا الطلبة؟". وخلصت إلى القول إن "الذين يستهدفون المؤسسة العسكرية وبعد فشلهم في مسيرات الجمعة، لجأوا إلى مسيرات الطلبة التي بات يهددها الفشل، بعدما أصبحت غير طلابية".
وكان قائد الأركان قايد صالح أكد أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها بفضل قوة إدراك الشعب لخفايا أجندة بعض الأطراف المعادية للجزائر، التي لا تمت بأي صلة لصالح الشعب الجزائري، مضيفاً أن الأطراف المعادية تدرك أن إجراء الانتخابات يعني بداية فتح أبواب الديمقراطية بمفهومها الحقيقي، وهذا ما لا يعجب تلك الشرذمة التي تتصرف بمنطق العصابة المتمثل في تطبيق مبدأ التغليط والاختباء وراء شعارات أصبحت اليوم مفضوحة أمام الرأي العام، هذه الشعارات التي تتغنى بالديمقراطية من جهة، وتبذل كل ما في وسعها بهدف عدم بلوغها من جهة أخرى. وأشار إلى أن هذه الفئة تعيش أزمة حقيقية، وجدت نفسها من خلالها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بما يفرزه الصندوق وإما العيش بمعزل عن الخيار الشعبي، وتلك نتيجة لا تتقبلها إطلاقاً.