Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

درس باتيلي... لماذا لا يعيش لليبيين مبعوث أممي؟

فشل 9 منهم منذ 2011 في انتشال البلاد من أزمتها واستقال 4 بسبب خلافات الأطراف السياسية

أرجع باتيلي سبب استقالته إلى صراعات الأطراف السياسية وتعنت قادتها وأنانيتهم (رويترز)

ملخص

فتحت استقالة المبعوث الأممي التاسع إلى ليبيا في ظرف 13 عاماً الأسئلة حول جدوى الدور الذي تلعبه البعثة في البلاد ومستقبل العملية السياسية التي ترعاها.

على خطى من سبقوه في منصبه تخلى المبعوث الأممي التاسع إلى ليبيا منذ عام 2011، السنغالي عبدالله باتيلي، عن مهامه بالاستقالة، تاركاً وراءه كثيراً من الأسئلة عن مستقبل البعثة بعد هذا الفشل الجديد، بالتالي مستقبل العملية السياسية في البلاد التي ترعاها بشكل كامل منذ عام 2014، من دون النجاح في تحقيق هدفها المنشود وهو تنظيم انتخابات عامة تنهي المراحل الانتقالية التي طالت أكثر مما كان مقرراً لها.

باتيلي أرجع سبب استقالته إلى صراعات الأطراف السياسية وتعنت قادتها وأنانيتهم، بالتالي حملهم المسؤولية الكاملة عن تعثر جهوده التي استمرت عاماً ونصف العام لرسم خريطة طريق تقود إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مؤسسات سياسية جديدة، ملمحاً إلى استفادتهم من الأوضاع الحالية ورغبتهم في بقائها على حالها.

اتفق أغلب المحللين والنشطاء السياسيين وحتى الشارع الليبي مع الاتهامات التي وجهها باتيلي للقادة السياسيين في بلادهم، لكنهم اتهموه أيضاً بالتغاضي عن تسليط الضوء بشكل كاف على الدور البارز الذي لعبته أطراف خارجية كثيرة في إفساد مهمته في ليبيا، خصوصاً منذ احتدام الخلاف الروسي - الأميركي في ليبيا، وتوسع تدخلاتهما العسكرية والسياسية في الفترة الأخيرة.

تبادل للاتهامات

كرة النار التي رماها المبعوث الدولي إلى ليبيا عبدالله باتيلي مع استقالته في ملعب الفرقاء الليبيين، ونعته لهم بـ"الأنانيين" الذين يقدمون نفوذهم وامتيازاتهم على مصالح بلادهم، سارعوا إلى محاولة ردها عليه واعتباره حلقة في سلسلة من المبعوثين الذين أرسلوا إلى ليبيا لإطالة أمد أزمتها لا حلها من الجذور.

عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة، دار حول هذا المعنى بقوله إنه "لا توجد نية ولا جدية من المجتمع الدولي للوصول إلى انتخابات لإخراج ليبيا من أزمتها، فالأطراف الغربية ووكلائها في المنطقة لا يريدون لأزمة ليبيا أن تحل، ولديهم عملاء في الداخل ينفذون هذا السيناريو بحذافيره".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن "المبعوث الأممي باتيلي جيء به لتنفيذ سيناريو يرتبط بتعقيد المشهد، والدليل طاولة الحوار الخماسية التي دعا إليه في الشهرين الماضيين، والتي كان واضحاً أنها مبادرة تعقيد وليست طاولة حل، فمن المعروف أن هذه الأطراف التي أصر باتيلي على جمعها لن تتفق حتى ولو اجتمعت".

وكذلك اعتبر عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، أن "المجتمع الدولي يدير الأزمة الليبية لإبقائها في دائرة مفرغة، فكل مرة يأتي بمبعوث جديد لمدة سنة أو اثنتين، ثم يجري تغييره بشخص آخر من دون تحقيق أي إنجاز، وهكذا استمر الوضع على ما هو عليه منذ سنوات".

بن شرادة توقع أن يستمر السيناريو ذاته مع المبعوث الدولي الجديد الذي سيخلف باتيلي، "أي شخص يعين مبعوثاً جديداً سيبدأ من الصفر بالجلوس مع كل الأطراف الليبية من دون جدوى ملموسة، وسيطيل عمر الأزمة فقط".

سلسلة المبعوثين

بالعودة إلى تاريخ المبعوثين الأممين إلى ليبيا، يظهر أن باتيلي لم يكن الأول الذي يحمل القادة السياسيين في ليبيا مسؤولية انسداد المشهد السياسي وتعذر الوصول إلى الانتخابات، بل يظهر أنه كان الأكثر تهذيباً بينهم في هذا السياق مقارنة بما قاله مثلاً المبعوث السادس إلى البلاد اللبناني غسان سلامة، الذي صرح بعد ترك منصبه بأن الفساد هو من يقود ليبيا إلى الهاوية ويرفض تغير الأوضاع الحالية، واصفاً ما يحدث فيها بـ"عملية نهب غير مسبوقة".

أيضاً خليفته في المنصب الأميركية ستيفاني ويليامز، نعتت المسؤولين الليبيين بـ"الديناصورات المتحجرة"، وقالت إنه لا يمكن التوصل لحل الأزمة الليبية في ظل وجودهم على رأس المشهد.

 

 

سلسلة المبعوثين الدوليين إلى ليبيا، الذين تتابعوا على قيادة بعثة الأمم المتحدة للدعم فيها، وغادروا واحداً تلو الآخر من دون تحقيق أدنى نجاح في المهام الموكلة إليهم، بدأت في 16 سبتمبر (أيلول) عام 2011، حين أنشئت البعثة لدعم عملية الانتقال السياسي في البلاد، وتم اختيار الأردني عبد الإله الخطيب كأول مبعوث أممي إلى ليبيا لإجراء محادثات عاجلة لترتيب العملية الانتقالية عقب الثورة التي أسقطت نظام معمر القذافي، ولكنه لم يبق في منصبه إلا لأربعة أشهر فقط.

بعدها تسلم الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن، رئاسة البعثة الأممية لدى ليبيا حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وكانت فترة ولايته من أكثر المراحل هدوءاً وشهدت انتخاب "المؤتمر الوطني" كأول برلمان ليبي بعد الثورة إثر عملية انتخابية سلسة.

اندلاع الحروب

بعد هذه الانتخابات عين السياسي اللبناني طارق متري ممثلاً ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، واستمر لمدة عامين في مهمة معقدة اندلعت فيها شرارة النزاعات المسلحة التي استمرت لسنوات، حيث أجرى متري محادثات ومشاورات مكثفة مع جميع الأطراف المتصارعة في البلاد لإيقاف القتال والدخول في عملية سياسية عاجلة، لكن محاولاته باءت بالفشل بعد الحروب التي اندلعت في مدينتي طرابلس وبنغازي عام 2014.

عقب هذا الإخفاق لمتري عين خلفاً له الإسباني برناردينو ليون في أغسطس (آب) 2014، ومباشرة عمل ليون على جمع الأطراف المتنازعة على طاولة الحوار لمعالجة أزمة الانسداد السياسي بعيداً من الحروب، وأسهم في توافق الأطراف السياسية في البلاد على توقيع الاتفاق الأول منذ بداية الأزمة في الصخيرات المغربية.

 

 

جاء اتفاق الصخيرات بنتائج عكسية تماماً لما كان متوقعاً له، حيث انقلبت عليه الأطراف التي شاركت فيه مما أدى إلى انقسام السلطتين التنفيذية والتشريعية في بنغازي وطرابلس، مما مهد لأخطر مرحلة عرفتها ليبيا في العقد الأخير، ممثلة في الحرب على طرابلس بعد سنوات قليلة.

دفع هذا التحول الخطر بعد اتفاق الصخيرات الأمم المتحدة لإجراء تغيير جديد في هرم بعثتها إلى ليبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 بتعيين الألماني مارتن كوبلر ممثلاً خاصاً لأمينها العام ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وهو المبعوث الذي لم تكن له أية لمسة على الحال السياسية التي بلغت ذروة الأزمة حتى من الجانب الأمني بتمدد تنظيم "داعش" وسيطرته على مدن كبرى في البلاد مثل سرت ودرنة وجزء كبير من بنغازي، مستفيداً من الفراغ السياسي والأمني الذي تعيشه الدولة.

صراع مجلس الأمن

في 22 يونيو (حزيران) 2017 أعلنت الأمم المتحدة تعيين اللبناني غسان سلامة بديلاً جديداً لكوبلر في رئاسة البعثة، وأشرف سلامة على دفع الفرقاء السياسيين للذهاب إلى الملتقى الوطني الجامع في غدامس بالجنوب، والذي أفشله الهجوم العسكري الذي شنته قوات يقودها قائد الجيش في بنغازي المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) عام 2019، وفي مارس (آذار) 2020 أعلن غسان سلامة استقالته من منصبه لأسباب صحية، قبل أن يكشف عن أسرار خطرة عن الإدارة السياسية للدولة وحجم الفساد الممنهج في البلاد الذي وصفه بـ"المخيف"، مرجعاً الصراع السياسي برمته إلى التنافس على ثروات ليبيا الكبيرة.

تلت استقالة سلامة فترة فراغ طويلة وشغور منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا لأشهر عدة مع احتدام الصراع في مجلس الأمن بين قوى دولية استعملت الملف الليبي لتصفية حساباتها، خصوصاً أن أغلبها له وجود فاعل في الساحة الليبية مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، ثم جاء الاتفاق على اسم السلوفاكي يان كوبيتش مبعوثاً جديداً لقيادة البعثة في ليبيا، منتصف يناير (كانون الثاني) 2021، لكنه استقال بدوره في نوفمبر من العام ذاته، قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها آنذاك، وذلك بسبب اتساع رقعة الخلافات بين الفرقاء الليبيين على القوانين الانتخابية وأسماء بعض المرشحين مثل نجل الرئيس السابق سيف الإسلام القذافي.

إثر هذه الاستقالة المفاجئة عين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأميركية ستيفاني وليامز لتسيير أعمال البعثة ولتكون مستشارة خاصة له في ليبيا قبل 18 يوماً فقط من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، لكن جاء رحيلها مع نهاية يوليو (تموز) 2022، وهو ما سبقته بتصريح أثار جدلاً واسعاً عن الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد، الذين وصفتهم بـ"الديناصورات المتحجرة"، والسبب الأول في عرقلة العملية الانتخابية التي كلفوا بالإعداد لها.

عقب فشل إجراء الانتخابات، اختار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السنغالي عبدالله باتيلي ممثلاً خاصاً له في ليبيا ورئيساً للبعثة الأممية للدعم في سبتمبر 2022، بعد قرابة تسعة أشهر من شغور المنصب بسبب عدم اتفاق الدول الأعضاء في مجلس الأمن على عدد من المرشحين الذين تم اقتراحهم لخلافة السلوفاكي يان كوبيتش.

المزيد من تقارير