Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة تعمق "عزلة إسرائيل"

تواجه تل أبيب ردود فعل غاضبة من حلفائها منذ مقتل 7 من العاملين في المجال الإنساني في غارة للجيش الإسرائيلي

فلسطينيون يسيرون أمام المباني المتضررة في خان يونس في 8 أبريل 2024 بعد أن سحبت إسرائيل قواتها البرية من جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ملخص

في الأسابيع الأخيرة الماضية، أبدى حلفاء إسرائيل استياءات علنية مما آلت له الحرب التي بلغت شهرها السادس، حتى نأى كثيرون بأنفسهم بعيداً باستثناء واشنطن، التي وجدت نفسها، أخيراً، في وضع لا يمكن الدفاع عنه بعد مقتل سبعة من عمال الإغاثة الإنسانية في غزة في غارات بمسيرة إسرائيلية.

عندما شنت حركة "حماس" هجماتها ضد المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حصلت إسرائيل على سيل جارف من الدعم والمساندة الدولية سواء على صعيد الحكومات أو المنظمات والهيئات الدولية والشعوب نفسها، وفتحت واشنطن والعواصم الغربية خزائنها لدعم إسرائيل بالسلاح في حربها ضد "حماس". 

وبينما طال أمد الحرب من دون أن تحقق حكومة بنيامين نتنياهو أهدافها بالقضاء على "حماس" أو تحرير الرهائن، زادت إسرائيل من ممارستها الوحشية التي أدت إلى أزمة إنسانية قاسية داخل القطاع تعالت معها الانتقادات الدولية، وبات الحلفاء يشعرون بالحرج جراء تلك الممارسات التي أودت بأكثر من 30 ألف شخص وتجويع مئات الآلاف.

في الأسابيع الأخيرة الماضية، أبدى حلفاء إسرائيل استياءات علنية مما آلت له الحرب التي بلغت شهرها السادس، حتى نأى كثيرون بأنفسهم بعيداً باستثناء واشنطن، التي وجدت نفسها، أخيراً، في وضع لا يمكن الدفاع عنه بعد مقتل سبعة من عمال الإغاثة الإنسانية في غزة في غارات بمسيرة إسرائيلية. وأشار الجيش الإسرائيلي إلى "خطأ عملياتي في تقييم الوضع" بعد رصد مسلح يشتبه بأنه من حركة "حماس". 

انتقادات وغضب
العاملون الذين قتلوا من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" هم: أسترالية وبولندي وأميركي-كندي وثلاثة بريطانيين وفلسطيني، مما زاد من الانتقادات والغضب خصوصاً داخل بلدانهم، إضافة إلى إدانة دولية واسعة. فبولندا دعت إسرائيل إلى الاعتذار ودفع التعويض عن مقتل مواطنها داميان سوبول وطالبت بالمشاركة في التحقيقات الخاصة بالحادثة. بينما اعتبرت أستراليا أن التفسير الذي قدمته إسرائيل "ليس جيداً بما يكفي". وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، خلال مؤتمر صحافي في سيدني "نحن في حاجة إلى المحاسبة عن كيفية حدوث ذلك، والأمر غير الجيد بما يكفي هي التصريحات التي صدرت، بما في ذلك القول إن الأمر مجرد نتاج للحرب". 

رد الفعل الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل جاء من أكبر داعميها في حرب غزة وتحديداً واشنطن ولندن، فبات بيع الأسلحة لإسرائيل موضع دعوات كبيرة لمزيد من التدقيق والشروط، بل وبلغ الأمر الدعوة لتعليقها، وبدا حنق كبير في لغة مسؤولي البلدين تجاه ما يحدث في غزة، مما يستدعي التساؤل عما إذا كان مقتل العاملين الإنسانيين نقطة تحول في الحرب؟

بعبارات صريحة غير مسبوقة، وجه كبار المسؤولين الأميركيين سلسلة من التحذيرات للحكومة الإسرائيلية بأنهم قد نفد صبرهم تقريباً في شأن سلوكها في الحرب في غزة. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار نوابه إنهم يفكرون في تغيير سياستهم تجاه تل أبيب ما لم يتم إيلاء مزيد من الاهتمام للأزمة الإنسانية التي يسببها جيشها. ووقع بعض كبار حلفاء بايدن في الكونغرس من بينهم رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بالتوقيع على رسالة موجهة للبيت الأبيض تطالب بوقف عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل ودعا آخرون لضرورة أن تكون المساعدات مشروطة في مواجهة تهديد إسرائيل بغزو رفح. حتى الرئيس السابق دونالد ترمب أعلن عن اعتقاده أن إسرائيل تخسر معركة العلاقات العامة وتحتاج إلى إنهاء الصراع قريباً.

وفي مكالمة استمرت 30 دقيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي، وجه بايدن التحذير الأكثر حدة حتى الآن، بأنه على استعداد لوضع شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل وقال "سيتم تحديد سياستنا في ما يتعلق بغزة من خلال تقييمنا للإجراء الفوري الذي ستتخذه إسرائيل" في شأن الخطوات اللازمة لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين وسلامة عمال الإغاثة، وفقاً لبيان البيت الأبيض. وجاءت هذه المكالمة، وهي الأولى بين الزعيمين منذ أسابيع، في وقت تحدث فيه الديمقراطيون والمستشارون عن رغبتهم في رؤية الرئيس يتخذ موقفاً أكثر صرامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إشارة حمراء
ويقول مراقبون إن رد الفعل داخل أروقة السياسة الأميركية يأتي كإشارة حمراء متوهجة لإسرائيل في ما يتعلق بالسياسة الأميركية، تظهر مدى القلق الذي يشعر به صناع السياسة في الولايات المتحدة بسبب الضربة الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل العاملين في "المطبخ المركزي العالمي". وكان ذلك بمثابة تحول كبير في النهج تجاه الحليف الذي حاول المسؤولون الأميركيون عادة أن يكونوا على نفس النهج معه، إذ يعكس هذا التحول تزايد الإحباطات الداخلية بين مسؤولي البيت الأبيض في شأن سير الحرب واستمرار الجدل بين الدائرة الداخلية للرئيس حول أفضل طريقة للتعامل مع العلاقات المتدهورة مع الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً منذ هجوم الإثنين الماضي.

ونشرت الإذاعة الوطنية العامة الأميركي (NPR) نسخة من مذكرة حديثة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية تحذر من أن الإسرائيليين "يواجهون ضرراً كبيراً، وربما على مدى أجيال، لسمعتهم" نتيجة لسلوك جيشها في غزة، وهي التعليقات التي تكرر تحذيرات بايدن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن إسرائيل تفقد الدعم بسبب "قصفها العشوائي" للقطاع. 

وفي حين شهدت الإدارة الأميركية جدل داخلي في شأن دعم إسرائيل مع تحذير عدد واسع من كبار المسؤولين من تقليص الدعم، فإن هناك اتفاقاً على ضرورة الضغط في ما يتعلق بتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة لا سيما مع إصرار إسرائيل على اقتحام رفح. ووفق مسؤول أميركي تحدث لمجلة "بوليتيكو" فإن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان تحدث لنظرائه الإسرائيليين خلال اجتماع افتراضي، الأسبوع الماضي، محذراً "ستكونون مسؤولين عن أزمة المجاعة الثالثة في القرن الـ21، هذا ليس شيئاً يمكننا قبوله كشركاء..." وأضاف "إذا لم تكن لديك خطة مناسبة لليوم التالي، فلن يساعدك شيء في تفكيك حماس. لا رفح ولا أي شيء آخر". 

وداخل لندن، تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي دعا تل أبيب لإجراء تحقيق مستقل في مقتل العمال السبعة، لتجميد مبيعات الأسلحة لإسرائيل. والخميس، انضم ثلاثة قضاة سابقين في المحكمة العليا البريطانية إلى أكثر من 600 خبير قانوني، لمطالبة حكومة سوناك بوقف مبيعات الأسلحة. وإضافة إلى ضغوط أحزاب المعارضة لفرض مزيد من التدقيق في مبيعات الأسلحة لإسرائيل، هناك جدل داخل حزب المحافظين الحاكم، إذ قال النائب المحافظ بول بريستو، إن فكرة استخدام أسلحة بريطانية الصنع في عمليات تقتل مدنيين أبرياء في غزة "تثير الغثيان"، مضيفاً أن مقتل عمال الإغاثة البريطانيين "يجب أن يكون خطأ لا ينبغي لأحد تجاوزه".

صدقية الحلفاء
وحتى بالنسبة لألمانيا أحد أقوى المدافعين في أوروبا عن إسرائيل، فإن هناك مخاوف في شأن التأثير الذي قد تخلفه الحرب ليس فقط على صدقية إسرائيل، بل على صدقيتهم أيضاً. ففي الأسابيع الأخيرة الماضية، حذر المستشار الألماني أولاف شولتز إسرائيل من "الكلف الباهظة للغاية" للهجوم العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين ونقص المساعدات الإنسانية الكافية. وقالت النائبة الألمانية إيزابيل كاديمارتوري، في تعليقات لمجلة "تايم" الأميركية، إنه "من الصعب حقاً المجادلة لصالح احترام القانون الدولي أو النظام القائم على القواعد بينما تتصرف إسرائيل بشكل واضح في انتهاك له".

أضافت النائبة الألمانية في تعليقها على مقتل عمال المطبخ المركزي العالمي، "أعتقد أنه لا يمكن لأي دولة ديمقراطية في هذه اللحظة أن تدافع عن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، وحجب المساعدات الإنسانية والغزو المحتمل لرفح". وترى كاديمارتوري أن حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة وألمانيا وأماكن أخرى سيفقدون الصدقية الدولية "إذا استمروا في الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه".

ويبدو أن العزلة الإسرائيلية بلغت ذروتها في 25 مارس (آذار) الماضي، عندما أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رغم اعتراضات تل أبيب، قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار. وأثارت الولايات المتحدة غضب إسرائيل بالسماح بتمرير القرار عندما امتنعت عن التصويت ولم تشارك بالفيتو مثلما حدث في ثلاث مرات سابقة. وبالفعل أعلنت الحكومة الكندية، الشهر الماضي، عزمها وقف جميع شحنات الأسلحة المستقبلية إلى إسرائيل، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. 

ويقول نائب الرئيس للشؤون الحكومية لدى مركز السياسة الدولية في الولايات المتحدة ديلان ويليامز، إنه خلال خمسة أشهر ونصف من الحرب، ألحقت إسرائيل ضرراً بمكانتها العالمية أكبر مما ألحقته خلال العقود الخمسة والنصف السابقة من الاحتلال. وأشار إلى أنه على غرار الدعم الذي تلقته الولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تلقت إسرائيل تعاطفاً ودعماً عالميين في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، التي قتل فيها نحو 1200 شخص وتم احتجاز مئات آخرين كرهائن في غزة، لكن "بدلاً من الاستفادة من ذلك للحصول على دعم شبه عالمي لحملة عسكرية ودبلوماسية مستهدفة بالشراكة مع القوى العالمية والشركاء العرب الجدد إلى جانبهم، اختارت إسرائيل بدلاً من ذلك تدمير غزة بالقصف العشوائي والحصار".

المزيد من تقارير