تحت عنوان "مرحلة جديدة في السياسة التركية والتوازنات التي تغيّرت"، كتب عضو الهيئة التدريسية في فرع القوانين الدستورية بكلية الحقوق بجامعة دجلة البروفيسور فاضل حسني أيردم، تقريراً لمركز التقدم الديموقراطي، مقره في لندن، المهتم بدراسات حول حلول الصراعات.
وتناول الخبير في القوانين الدستورية البروفيسور أيردم، في تقريره، القضية الكردية، مشيراً إلى أنها "دخلت مرحلة جديدة".
البروفيسور فاضل حسني أيردم، الذي لا يزال يمارس مهامه عضواً في الهيئة التدريسية بفرع القوانين الدستورية بكلية الحقوق بجامعة دجلة، تحدَّث إلى "اندبندنت تركية" عن القضية الكردية، والتقرير الذي قدَّمه إلى معهد التقدم الديموقراطي.
تحوّل في مسار السياسة التركية
في البداية قال فاضل حسني أيردم، إن "التطورات التي حدثت في شمالي سوريا أي في (روجافا) لعبت دوراً حاسماً في بدء عملية الحل وإنهائها، لم تكن المباحثات التي بدأت مع عبد الله أوجلان في شهر سبتمبر (أيلول) 2012 قبل الإعلان الرسمي عن عملية الحل، وبعد قيام قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بملء فراغ السلطة الذي خلفه انسحاب قوات الأسد من روجافا في شهر يوليو (تموز) من عام 2012 محض صدفة".
وأضاف "شكَّلت استراتيجية (النمو مع الأكراد) من طرف الحكومة وموقف (التحالف مع الأتراك) من قبل أوجلان نقطة المخرج بالنسبة لعملية الحل. لكن حسبما بدا لي أن أحداث (غيزي بارك) و(عمليات 17 - 25 ديسمبر) (كانون الأول) فتحت الطريق أمام شعور جناح الحكومة بأنه تحت التهديد وتسببت بظهور معادلة سلطة مختلفة داخل الدولة".
وتابع، "بهذا الشكل اتجهت سلطة حزب العدالة والتنمية بشكل سريع إلى السياسات الأمنية في السياسة الداخلية والخارجية. وحدث تحوّل في المسار بالسياسة التركية، وبدأ فهم التطورات الجارية في (روجافا) على أنها تهديد ضد تركيا. ودخلت تركيا في موقف عكسي تماماً في الوقت الذي كان من الواجب عليها الحفاظ على الأكراد الموجودين هناك وحمايتهم. وشكّل موقف تركيا هذا فرصة للولايات المتحدة الأميركية التي قامت بملء الفراغ الحاصل هناك. وبدأت واشنطن بتأدية وظيفة الحماية التي يشعر الأكراد في سوريا بالحاجة إليها، وتطورت العلاقة إلى تحالف على الأرض بين القوات الكردية والولايات المتحدة الأميركية".
مساعي الولايات المتحدة الأميركية
وحول إمكانية حدوث تصالح بين تركيا والأكراد السوريين قال البروفيسور فاضل حسني أيردم، "يبدو من النقطة التي تم الوصول إليها اليوم أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى التقريب بين توقعات حليفها القديم تركيا وحليفها الجديد PYD/YPG". مضيفاً "عندما نأخذ بالاعتبار الانحباس والانسداد الذي تعيشه تركيا في سياستها تجاه سوريا ورسالة أوجلان التي أرسلها بنتيجة مقابلته مع محاميه أظن أن مساعي الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق المصالحة من الممكن أن تثمر وينتج عنها صيغة متوسطة تراعي حساسيات الطرفين. إن تركيا التي سلكت طريق التصالح مع أكراد سوريا ستسهل بهذا من عملية التصالح مع أكرادها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن الأصوات الاستراتيجية التي استخدمها الناخبون الأكراد في انتخابات 31 مارس (آذار)، التي تسببت بخسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات في المدن الخمس الكبرى والمهمة وفوز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلديات هذه المدن قد "أظهرت الدور الفاعل لأصوات الناخبين الأكراد في الانتخابات مرة أخرى"، وكما أن هذه النتيجة "دفعت وستدفع حزب العدالة والتنمية إلى مراجعة اللهجة المعادية للأكراد التي استخدمت داخل الحزب في فترة الانتخابات، فمن الممكن أن تترك تأثيراً محفزاً لدى حزب الشعب الجمهوري، وحتى إنها تتسبب بتوليه أدواراً فاعلة في حل القضية الكردية".
كليتشدار أوغلو يهتم بالقضية الكردية
من المقرر، وحسب ما ذكر تقرير البروفيسور فاضل حسني أيردم، فإن حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري قد يجتمعان من أجل حل القضية الكردية، وعن مستقبل الاجتماع يقول، "في الحقيقة إن كلا الحزبين أظهر إرادة بالماضي في نقطة حل القضية الكردية. ولم يكتف حزب العدالة والتنمية بإظهار الإرادة فقط، بل هو حزب بدأ عملية حل لهذه القضية مرتين في عام 2009 وعام 2013. وأكثر من ذلك فقد خطا خطوات مهمة، وحقق إصلاحات في سبيل حل القضية الكردية. ومهما كان قد انحرف في اتجاه معاكس في السنوات الأخيرة فإنه قد يعود إلى سياسته القديمة مجدداً إذا كانت الظروف السياسية ملائمة للحل".
وتابع "التقارير التي تم تحضيرها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حول حل القضية الكردية في عهد حزب الشعب الاشتراكي الديموقراطي سلف حزب الشعب الجمهوري موجودة. وقد بدأ كمال كليتشدار أوغلو بعد وصوله إلى الرئاسة العامة للحزب، على الرغم من أدائه الخجول في البداية، بالاهتمام في الفترات اللاحقة بالقضية الكردية عن قرب، وبدأ بإظهار إرادة سياسية اتجاه حل هذه المشكلة".
ويرى الخبير في القوانين الدستورية البروفيسور أيردم أنه "بالتوازي مع التطورات الإيجابية التي ستحدث في سوريا وفي حال ظهور إرادة عند الدولة لحل القضية الكردية، فمن الممكن دخول حزب العدالة والتنمية المتخلص من عبء حزب الحركة القومية أن يقف مع حزب الشعب الجمهوري يداً بيد، ويدخلان في مساعٍ لحل هذه القضية. وأظن أن هذا كله يمكن أن يتحقق فقط بعد دخول القضية السورية في طريق الحل".
رهانات الأصوات الكردية بالانتخابات
وعن تأثير الأصوات الكردية في نتائج الانتخابات الأخيرة، وهل من الممكن أن تخلق توازنات تسهم في حل القضية الكردية، قال أيردم، "أظهرت جميع نتائج الانتخابات حتى اليوم إنه ليس من الممكن لحزب سياسي لم يحصل على دعم من الناخبين الأكراد أن يصبح حزب تركيا، وأن يكون السلطة في الإدارة المركزية والمحلية. وقد أكدت "نتائج انتخابات 31 مارس (آذار) هذه الحقيقة من خلال الانتخابات المحلية".
وأوضح "نتائج انتخابات 31 مارس (آذار) و23 يوليو (حزيران) تحمل صفة تحذير لحزب العدالة والتنمية الذي ابتعد عن منظور حل القضية الكردية وتحوّل إلى السياسات الأمنية. ولا يبدو أن استمرار حزب العدالة والتنمية الذي لا يلقى بالاً لهذه التحذيرات في السلطة ممكن، ولا وصول حزب الشعب الجمهوري والأحزاب السياسية الجديدة التي سيتم إنشاؤها مجدداً الى السلطة. لهذا السبب فإنني أعتقد أن الأحزاب التي تسعى إلى السلطة لن تبقى غير مبالية بتوقعات الناخبين الأكراد".
ويرى الخبير في القوانين الدستورية البروفيسور أيردم أنه "لا توجد مشكلة تبقى بلا حل إلى الأبد". موضحاً "التكاليف البشرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لانعدام الحل تزداد يوماً بعد يوم. تركيا تعاني مشاكل داخلية وخارجية لا تحصى، وتعطي صورة بلد لا يمكن إدارتها. إن استدامة هذا الحال لا يبدو ممكناً. لا سيما أن أصوات الاعتراضات ترتفع حتى داخل حزب العدالة والتنمية نفسه. المعارضة الاجتماعية والسياسية تتشابك عند نقطة إيقاف هذه المجريات".
وأبدى أيردم أمله أن جميع هذه التطورات "ستمنح المساعي والجهود الجديدة القوة لحل القضية الكردية التي تعتبر إحدى المشكلات الأساسية في تركيا ومنبعاً لمشكلات أخرى كثيرة".
الشعب الجمهوري
وعن دور حزب الشعب الجمهوري نحو حل القضية الكردية في المرحلة المقبلة، قال "عملية التغيير الحالية في حزب الشعب الجمهوري تمنحنا الأمل في هذا الخصوص". مضيفاً "شهدنا أن التغيير الذي بدأ باحتياط وحذر مع وصول كمال كليتشدار أوغلو إلى قيادة الحزب وحتى لو كان غير كافٍ إلا أنه تعمّق بمرور الوقت، وقد جنى ثمار التغيير الذي حدث على مستوى الفاعلين وعلى مستوى الخطاب في نتائج انتخابات 31 مارس (آذار) و23 يوليو (حزيران). وأظن أن هذه النتيجة ستسارع من التغيير في حزب الشعب الجمهوري، وستغير معه القاعدة الشعبية للحزب".
واختتم، "بالتوازي مع التغيير في الديموقراطية والحريات، نرى تطوراً خطيراً للغاية في مقاربة المسألة الكردية مقارنة بفترة بايكال. إن الدعم الحاسم الذي قدمه الناخبون الأكراد لحزب الشعب الجمهوري في الفوز ببلديات المدن الخمس يعزز الأمل في أن يتمكن حزب الشعب الجمهوري من اتخاذ مبادرات لحل المشكلة الكردية في الفترة المقبلة".