Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القطب الشمالي "الروسي" وأهداف مناورات "الناتو"

يعمل الحوثيون لجعل منطقة البحر الأحمر أكثر خطورة ويهددون بتوسيع جغرافية الضربات

قوات من حلف الناتو  (رويترز)

ملخص

قال المتخصص العسكري دميتري بولتينكوف من الواضح أن الأميركيين تجسسوا على كيفية هبوط المظليين في "الشمال" مرات عدة، بما يعني أنهم استفادوا من التجارب التي قام بها المظليون من الجنود الروس

تزيد المناورات الأخيرة "24-Arctic Edge" التي أجرتها بعض وحدات حلف "الناتو" في منطقة القطب الشمالي من حدة التوتر الذي نجم عن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، بما تستهدفه عملياً من تعزيز الوجود العسكري الأميركي والتطوير العملي لنشاط أجهزة استخبارات الحلف في مواجهة الساحل الشمالي الروسي، فضلاً عن إظهار إمكانات التأثير في طريق بحر الشمال الروسي واختبار قدرات الجيش الأميركي في نقل القوات من منطقة إلى أخرى بالعالم في أسرع وقت ممكن.

رداً على تحركات الحوثيين في الجنوب

جاءت هذه المناورات في توقيت تدرس روسيا فيه مسألة الانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في القطب الشمالي الذي يكتسب أهميته من كونه "أقصر الطرق من أميركا إلى المنطقة الأوروآسيوية، بما في ذلك للصواريخ، وذلك بعد تقسيم القطب الشمالي بأكمله إلى قطاعات تضم خمس دول، وهي روسيا والدنمارك والنرويج وكندا والولايات المتحدة.

وأصبح من الضروري طرح فكرة الانسحاب من الاتفاقية لأن طريق بحر الشمال تحول إلى شريان للنقل الداخلي لروسيا. وفي وقت تدهورت فيه علاقات روسيا مع دول حلف شمال الأطلسي الموقعة على هذه الاتفاقية تنشط سفن "الناتو" والطيران في الجزء الروسي من القطب الشمالي دون إشعار وفقاً للاتفاقية في منطقة الـ12 ميلاً من المياه الإقليمية، ولكن في الوقت نفسه تقوم بأنشطة استطلاع مكثفة"، بحسب تقديرات المراقبين في روسيا.

وفي وقت يعمل فيه الحوثيون لجعل منطقة البحر الأحمر أكثر خطورة، نقلت صحيفة "أزفيستيا" عن القائد السابق للأسطول الروسي في البحر الهادئ الأدميرال سيرغي أفاكيانتس، "أن الحوثيين هددوا بتوسيع جغرافية الضربات، وأفصحوا عن نواياهم بمهاجمة السفن التي تتبع الطريق الذي يتجاوز أفريقيا في اتجاه رأس الرجاء الصالح. ولذا فإن تصرفات حلف شمال الأطلسي صارت دليلاً يؤكد قدرته على التأثير في طريق البحر الشمالي الذي بات واحداً من المناطق الاقتصادية لروسيا الاتحادية"، وذلك في وقت يشعر فيه الغرب بقلق بالغ إزاء الجهود التي تبذلها روسيا لتطوير القطب الشمالي وطريق بحر الشمال والأنشطة الاقتصادية وبطبيعة الحال، التدابير التي تنفذها روسيا الاتحادية لضمان الأمن استباقاً.

وقد خلص المراقبون إلى أن ذلك أصبح أكثر أهمية لأسباب كثيرة منها أن الاتصالات الجنوبية عبر البحر الأحمر صارت مهددة أكثر من ذي قبل.

الاستفادة من تجربة المظليين الروس

وننقل عن صحيفة "أزفيستيا" ما أوردته حول أن جنود حلف شمال الأطلسي، الذين هبطوا في النرويج، سيحاولون تكرار تجربة المظليين الروس، خلال مناورات "24-Arctic Edge"، التي بدأت في الـ18 من مارس (آذار) الجاري بمشاركة نحو 250 جندياً، 150 منهم من الفرقة الأميركية، التي أنشئت أخيراً كجزء من تعزيز القوات المسلحة الأميركية في الشمال.

وقد قام الجنود النرويجيون والأميركيون في الفترة من الـ18 إلى الـ22 من مارس بعملية هبوط في المناطق الشمالية، تغطي مسافة نحو 6 آلاف كم من طريق الجو عبر القطب الشمالي من ألاسكا. وتم التخطيط لهذه العملية خلال مناورات "24- Arctic Edge"، التي تجري كل عامين تحت قيادة القيادة الشمالية الأميركية.

وقال المتخصص العسكري دميتري بولتينكوف من الواضح أن الأميركيين تجسسوا على كيفية هبوط المظليين في "الشمال" مرات عدة، بما يعني انهم استفادوا من التجارب التي قام بها المظليون من جنود روسيا الاتحادية".

وكانت وزارة الدفاع الروسية سبق ونشرت في 2020، أن القوات الروسية المحمولة جواً كانت الأولى في العالم التي تهبط في القطب الشمالي من ارتفاع 10 آلاف متر. كما أشارت إلى أن الهبوط جرى في منطقة أرخبيل فرانز يوسف، وتم توفيره بواسطة ثلاث طائرات نقل عسكرية من طراز IL-76 خلال هذه العملية، وقد جرى اختبار معدات جديدة تتكيف مع الظروف المناخية القاسية في القطب الشمالي.

وأشارت "أزفيستيا" نقلاً عن المتخصص العسكري يوري ليامين أن الولايات المتحدة لديها فرقة أنشئت حديثاً، جرى تشكيلها في ألاسكا كجزء من تعزيز القوات المسلحة الأميركية في الشمال، على أساس الألوية المتاحة هناك. وقد تم دمج هؤلاء الجنود في الفرقة الـ11 المحمولة جواً الجديدة في 2022، كما يجرى التركيز على نشاط هذه المجموعة في منطقة القطب الشمالي، أي ألاسكا، بالتالي القطب الشمالي بأكمله.

القطب الشمالي في العقيدة البحرية الروسية

الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف كشف عن نوايا الولايات المتحدة تجاه منطقة القطب الشمالي التي أصبحت منطقة ذات أهمية استراتيجية لروسيا، وكذلك الطريق الشمالي البحري الذي تحتدم حوله منافسة بلدان كثيرة، ومنها بلدان الشمال وكندا والولايات المتحدة والصين.

 

وكانت العقيدة البحرية الروسية الجديدة قد أوجزت بعضاً من طموحات "القوة البحرية العظمى"، ومنها ما يتهدد روسيا من أخطار من جانب الولايات المتحدة التي تواصل محاولات فرض هيمنتها على الصعيد العالمي، إلى جانب ما يساورها وحلفاءها من رغبات في الحيلولة دون تحقيق روسيا لطموحاتها تجاه ما تحتويه أراضيها من ثروات طبيعية، فضلاً عن حقها في الطريق البحري الشمالي، ومواجهة "الخطط التوسعية" لحلف "الناتو" على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، وما يتناثر من "ادعاءات" و"مطالبات إقليمية" من جانب عدد من الدول تجاه الأراضي الساحلية والجزر الروسية، ومحاولات التطاول على استقلال البلاد وسيادتها على المياه الداخلية، والإقليمية وقاعها وباطن أراضيها ومجالها الجوي وضمان الحقوق والولاية القضائية في المنطقة الاقتصادية الخاصة، وعلى الجرف القاري، والحفاظ على مكانتها كقوة بحرية عظمى في ظروف عالم متعدد الأقطاب، وتعزيز القدرات الدفاعية، وتطوير الإمكانات البحرية، وحرية أعالي البحار وحرية الوصول إلى اتصالات النقل العالمية.

 جاءت العقيدة الجديدة لترسم أيضاً الحدود البحرية للدولة الروسية، ومنها ما يقع في مناطق القطب المتجمد الشمالي والبحر الأسود. وفى هذا الصدد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لقد حددنا بصورة علنية حدود ومناطق المصالح الوطنية لروسيا، سواء الاقتصادية أو الاستراتيجية الحيوية. أولاً وقبل كل شيء، هذه هي مياهنا في القطب الشمالي، ومياه البحر الأسود وأوخوتسك وبيرينج ومضيق البلطيق وكوريل".

"تسيركون" ولندن في 5 دقائق

وسبق للرئيس فلاديمير بوتين أن كشف عما تملكه القوات البحرية الروسية من قدرات وأسلحة جديدة منها المنظومة الصاروخية النووية "تسيركون" التي تبلغ سرعتها تسعة أضعاف سرعة الصوت بما يجعلها قادرة على الوصول إلى العاصمة البريطانية لندن في غضون 5 دقائق، إلى جانب قدرتها على الوصول إلى أي مكان على الكرة الأرضية.

وقالت المصادر الرسمية الروسية إن الفرقاطة "الأدميرال جورشكوف" سيجري تزويدها بـ16 منظومة من صواريخ "تسيركون"، إلى جانب خطة التوسع في بناء كاسحات الجليد النووية لضمان تشغيل الطريق البحري الشمالي طوال العام على اعتباره الطريق الرئيس المؤهل لتأمين حاجات المناطق الشمالية من روسيا بطول سواحلها التي تمتد من المحيط الهادئ في الشرق وحتى المحيط الأطلسي في الغرب عبر المياه الإقليمية والولاية الاقتصادية لروسيا في الشمال.

وجاء ذلك مواكباً لإعلان روسيا عن الجديد من الاكتشافات النفطية واكتشافات الغاز في عديد من مناطق الشمال، بما سيجعل روسيا قريباً أكبر قوة نفطية في العالم، بحسب المصادر الروسية.

الولايات المتحدة والقطب الشمالي

يقوم الأسطول الأميركي بتطوير المناطق الشمالية بنشاط، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والطوربيد. وهذا يشير إلى أن هناك من يعتبر القطب الشمالي ساحة معركة محتملة في المستقبل. وفيما يتعلق بانضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، فإن الجناح الشمالي للتحالف يتعزز بصورة خطرة للغاية. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن المسافات عبر القطب الشمالي قريبة نسبياً بين الولايات المتحدة وكندا والنرويج والسويد، مما يدفع النشاط الاستخباراتي لدول "الناتو" قبالة الساحل الشمالي الروسي، موسكو إلى مراجعة استراتيجيتها الأمنية في المنطقة. وبحسب مصادر برلمانية ذات صلة، تدرس روسيا بالفعل مسألة الانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في القطب الشمالي كما أشرنا عاليه.

ويشعر الغرب بقلق بالغ إزاء الجهود التي تبذلها روسيا لتطوير القطب الشمالي وطريق البحر الشمالي والأنشطة الاقتصادية، وبطبيعة الحال التدابير التي تنفذها روسيا الاتحادية لضمان الأمن استباقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت يتوقف فيه كثر من المراقبين في روسيا وخارجها عند الشق الأمني لقضية انضمام فنلندا والسويد لـ"الناتو"، وأبعاد احتمالات المواجهة بين طرفي المعادلة، فإن هناك من يقول بضرورة الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية للقضية، وما يمكن أن تجنيه الولايات المتحدة من مكاسب من خلال تعزيز مواقعها في منطقة القطب الشمالي.

وثمة من يقول أيضاً إن هذه المنطقة ستكون إحدى أهم وأخطر ساحات المواجهة الرئيسة في القرن الـ21. كما أنه من المتوقع وبحسب المصادر الروسية أن يكون انضمام كل من فنلندا والسويد إلى "الناتو" عبئاً ومصدر متاعب لكل منهما مقابل فوائد مشكوك في مضمونها وجدواها، في الوقت نفسه الذي سيكون فيه هذا الانضمام سبباً في تعزيز الولايات المتحدة لمواقعها في منطقة القطب الشمالي، فضلاً عما أشارت إليه وكالة أنباء "نوفوستي" حول أنه من المتوقع توفر احتمالات أن يكون "طريق الشمال البحري" سبباً رئيساً في "تغير المناخ" في منطقة القطب الشمالي، بكل ما يترتب على ذلك من توفير الأمان والجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، بموجب ما هو متوقع لهذا الطريق على حد ما أشارت إليه "نوفوستي" شبه الرسمية.

وقالت المصادر الروسية إن الهيئات الرسمية للدولة تعلق آمالاً كبيرة على أهمية هذا الطريق، فضلاً عن أنه رسمياً "سوف يقارب نصف طول الطرق عبر قناة السويس أو حول رأس الرجاء الصالح".

وفي الوقت نفسه، ترى روسيا في "الطريق البحري الشمالي" مساراً ينتمي إليها تاريخياً، بينما يصر الغرب على عدم انتساب هذا المسار إلى الولاية القضائية الوطنية الروسية. ومع ذلك، فإن قاعدة موارد القطب الشمالي، والحق في استخدام قدرات النقل الخاصة به، ليست سوى الأسباب الأولى التي تبدو جلية حتى الآن، للمواجهة بين روسيا والغرب، منذ عشرينيات القرن الماضي.

وها هو الشمال يصبح في سياق المطالبات المتبادلة المتزايدة ساحة متكاملة الأبعاد للمواجهة. ولعل الوضع الجديد الذي يفرضه الواقع الحالي لانضمام فنلندا والسويد إلى "الناتو" يدفع إلى ضرورة مراعاة ما سبق وأشرنا إليه حول "أن قائمة الدول التي تبدي قدراً كبيراً من الاهتمام بالقطب الشمالي لا تقتصر على تلك البلدان المشار إليها، بل وتضم أيضاً الصين بكل قدراتها وإمكاناتها، ومنها العسكرية".

وكانت المنطقة قد شهدت عدداً من المحاولات الرامية إلى بسط هيمنة تلك الدول وإثبات أحقيتها في هذه المنطقة بما تحتويه من ثروات نفطية وغاز طبيعي تبلغ في مجملها ما يراوح ما بين 16 و26 في المئة من احتياط الموارد غير المكتشفة على وجه الأرض.

وفي هذا الصدد تعمل روسيا من أجل تطوير اكتشافاتها في هذه المنطقة من خلال ما تملكه من تكنولوجيا متطورة، ومعدات جرى إعدادها خصيصاً لمواجهة الظروف المناخية إلى جانب الغواصات ذاتية القيادة للمحيط المتجمد الشمالي، وذلك فضلاً عما اتخذته من إجراءات وقرارات حول تعزيز أوضاعها العسكرية في الشمال على الحدود مع كل من فنلندا والسويد.

المزيد من تقارير