تنتعش "الحركة المسرحية" في المدن الكبرى والعواصم لإعادة إحياء شخصيات خيال الظل ومنها "كركوظ وعيواظ" ومعها مسرح الدمى على خشبات مسارح المدن الآمنة كنوع من استذكار التراث.
فمن المدهش أن تعود الدمى وشخصياتها المعروفة على أرض تكاد أن تكون ساحة الحرب المشتعلة والوحيدة في سوريا، كضرورة لاستمرار الحياة وزرع الأمل والبسمة على وجوه الأطفال، وعلى خشبة مسرح فوق بيوتهم المدمرة، في وقت تقطعت بهم كل سبل العيش ووسائل التواصل.
لوح من خشب الزيتون
مستقلاً سيارته، يتنقل وليد راشد شلاش من مدينة سراقب في ريف إدلب، من دون توقف من عام إلى اليوم، في أرجاء محافظته في الشمال السوري، حاملاً لوحاً خشبياً صنعه من شجر الزيتون ومجموعة دمى بشخصياتها المحببة للأطفال.
وفور وصوله ونصبه اللوح الخشبي المصمم على شكل تلفزيون، يتحلق حوله أطفال القرى والبلدات الذين ليس لهم ملجأ إلا "تلفزيون الحارة"، بعدما حطمت الحرب كل وسائل الإعلام المرئية لديهم وحرمتهم رؤية برامج الصغار الترفيهية.
شغفُ مؤسس "تلفزيون الحارة" بلوحه الخشبي يكبر ويتنامى. لديه حب لبذل المزيد من الجهد والعطاء منذ عام 2018 في الملاجئ وبين أشجار الزيتون، ويقول "إصرارنا على الحياة وحق أطفالنا في اللعب والتعلم ضاعت، وأصبحت هذه الحقوق بالنسبة إليهم أحلاماً بعيدة المنال".
الدمى تتكلم
ويدفع ذلك المسرحي الشاب البالغ من العمر 25 عاماً، كل ما يستطيع لنشر البسمة على وجوه الأطفال، ولتحقيق هذه الغاية لا يتوانى عن التنقل والسفر لإيصال رسالته الفنية والثقافية.
"بكيت تلقائياً من فرحة طفل في أول عرض لي في هذا التلفزيون، اخترت مسرح الدمى ومسرح الظل ومسرح الرسوم المتحركة ومسرح محاكاة العقل، هذه الأنواع من المسارح تعتمد على قوة الممثل وفي الوقت ذاته هي من ألعاب الأطفال"، يقول شلاش.
الترحال في أسوأ حال
لم يتوقف صاحب فكرة "تلفزيون الحارة" عند حدود مدينته وقراها، بل تنقل مسافراً إلى أي مكان يستطيع أن تصل إليه دماه في مسعى لنشر الفرح في أصعب أوقات الحروب.
وقد قدم عروضاً في ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية وريف حلب الغربي، وشارك في مسرحية خيال الظل "كركوظ وعيواظ" في حفل افتتاح المركز الثقافي العربي في مدينة إدلب.
ولم تثن ظروف الحرب المسرحي شلاش من تحقيق حلمه في دراسة الفنون المسرحية في دمشق، فتحقيق حلمه ضرب من ضروب المستحيل في ظروف واقع دموي تعيشه بلاده، خصوصاً ما يخفيه سفره إلى العاصمة السورية دمشق من تهديدات لسلامته وخوف من الاعتقال، لكنه في مستهل ذلك، حقق حلمه في أحلك الظروف وبأدوات بسيطة، استطاع أن يثبت لنفسه ولكل من شاهد مسرحياته، بأنه يملك كمية من الشغف والإنسانية لا تتوقفان عند حد.
الاستفادة من الخبرات
ولم يتقاعس ابن مدينة سراقب، وهو يعيش في قريته شبه المحاصرة، عن التواصل مع أكاديميين وفنانين للاستفادة من خبراتهم والتعلم منهم مثل نوار بلبل ووانيس حمدون، وقال "أخذت منهم معلومات قيمة وروايات حققت الفائدة المرجوة".
وفي غضون ذلك، ينكب المسرحي شلاش على التدرّب عبر السكايب مع فرقة "ناجون" مع الفنانَيْن فارس الحلو وسهير عمران، بورشة إعداد ممثل وقدم ورشة بعنوان "الفن المفاهيمي بالتربية العالمية" بين أطفال سراقب واليابان.
حلم شاب
وعلى الرغم من تلك التحديات والصعوبات ومع كل ما تتعرض له بلاده من معارك شرسة، يحلم الشاب ابن الشمال السوري بإنشاء مركز خاص بالمسرح وتدريب الأطفال على مسرح الظل وهذه الأحلام بدأت تتحقق مع فرقة "ناجون". وفي هذا الإطار، رأى شلاش أن "المسرح يتطور ويحقق نجاحاً ويبني جيلاً وحضارةً صنيعة الطفل والشباب الموجودين في الشمال".
لطالما اشتهرت إدلب بشجرة الزيتون وأُطلق عليها "إدلب الخضراء" لعطاء هذه الشجرة. وباتت شجرة الزيتون رمز المدينة، تحتها ينسج هذا المسرحي مع أطفال الريف، حكاية صمود وتحد للحرب التي طالت ككابوس مزعج، لكن لكل بداية نهاية، كما كل الفنون في السينما والمسرح والدراما، وهم في انتظار فجر أبيض جديد يليق بصبرهم.