ملخص
دخول العملات المشفرة في النظام المالي الرسمي يجعلها أكثر فأكثر أصولاً استثمارية رقمية تتحرك قيمتها مثل بقية الأصول
مع تجاوز سعر العملة المشفرة "بيتكوين" حاجز 70 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها منذ أصبحت متداولة للعامة قبل 14 عاماً، حقق كل من يملك العملة أرباحاً كبيرة في الأيام الأخيرة من الأسبوع المنتهي الجمعة الماضي.
الحكمة التقليدية أن كل أصل متداول في السوق يحقق ارتفاعاً بهذه الصورة في قيمته يشهد تصحيحاً يهوي بالسعر بعد ذلك، إما نتيجة البيع الكثيف لجني الأرباح، أو لتغير العوامل التي أدت إلى الارتفاع، لكن يبدو أن ذلك ليست الحال تماماً مع "بيتكوين" والعملات المشفرة.
وقبل محاولة الإجابة عن السؤال: ماذا بعد؟ من المهم الإشارة إلى أن "بيتكوين" لم ترتفع وحدها في الآونة الأخيرة، بل شهدت كل الأصول المتداولة في الأسواق ارتفاعاً أيضاً، فأسواق السهم والأوراق المالية في كل أنحاء العالم وصلت مؤشراتها إلى مستويات قياسية تقريباً، وارتفع سعر الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، وحتى إن أسعار السندات التي تتعرض للضغط على مدى عامين أخذت في الارتفاع.
السبب العام لارتفاع الأسواق وقيمة الأصول عموماً هو مزيج من عوامل، من أهمها التفاؤل الكبير بتأثير الذكاء الاصطناعي على الأسواق، والتحسن الواضح في وضع الاقتصاد العالمي وتوقع قرب بدء البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة، وعلى رغم ارتفاع مؤشرات الأسهم وغيرها، إلا أن "بيتكوين" تظل الأكثر ارتفاعاً بين كل الأصول المتداولة.
أصل استثماري رقمي
من بين عوامل أسهمت أكثر في أن يكون ارتفاع سعر "بيتكوين" الأعلى ما بين الأسهم والسندات والذهب وغيرها موافقة هيئة البورصة والأوراق المالية الأميركية، مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، على طلبات 11 شركة استثمار منها "بلاك روك" و"فيديلتي" لتسجيل صناديق تداول "بيتكوين" في البورصة، ووصلت الأصول المشفرة في أكبر 10 صناديق تداول مسجلة في البورصة إلى نحو 50 مليار دولار.
ولتوضيح تأثير ذلك على تداول العملة المشفرة وسعرها، أصبح الآن من السهل على أي متعامل الدخول على حسابه لدى شركة السمسرة التي يتعامل معها وشراء سهم صندوق تداول عملة مشفرة، بدلاً من التعقيد في السابق الذي كان يتطلب من المتعامل في المشفرات فتح حساب مع منصة متخصصة، وتكوين محفظة مشفرات وتحويل مصرفي قبل شراء "بيتكوين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يسير تأثير ذلك في أسعار المشفرات كما تأثير ما تسمى "العوامل النفسية" بالنسبة إلى الأصول المتداولة الأخرى كالأسهم وغيرها، فكلما زاد الحديث عن شراء "بيتكوين" عبر صناديق التداول المسجلة في البورصة، أقبل المتعاملون على شرائها، وكلما ضخ مزيد من الأموال ارتفع سعر "بيتكوين".
لكن، هل يستمر منحى الارتفاع أو تشهد "بيتكوين" والمشفرات تصحيحاً يعني ذلك خفض السعر كما يحدث مع السهم وغيرها كلما ارتفعت إلى مستويات قياسية؟ في تحليل لمستقبل قيمة "بيتكوين" نشرته مجلة "الإيكونوميست" يخلص إلى أن العملة أصبحت حقيقة في السوق بعد عقد ونصف تقريباً من تداولها، من دون أن تتعرض شبكتها الرقمية للاختراق أو القرصنة، ومع ذلك تظل العملة المسفرة محدودة النصيب في المدفوعات بسبب الكلفة العالية للحصول عليها، وسرعة عمليات التحويل.
تفسيران لمسار سعر "بيتكوين"
من قبل، كان التطور التكنولوجي بمحاولة إنشاء تطبيقات على شبكة "بلوكتشين" لا يتيح "بيتكوين"، علاوة على أن تسجيل صناديق تداول العملة في البورصة جعلها بالفعل أصلاً استثمارياً للتداول، ومن أجل محاولة تصور مستقبل "بيتكوين" من جهة قيمتها في السوق وتداولها بصورة عامة، يطرح تحليل المجلة تفسيرين مهمين.
الأول، هو أن عمليات تداول المشفرات رهان – أو مضاربة استثمارية – على التطورات التكنولوجية التي تنعكس على مستقبل العملات المشفرة، لكن يذكر أنه في منتصف عام 2021 كانت أسهم التكنولوجيا ترتفع بصورة كبيرة، ومع ذلك هوى سعر "بيتكوين" بعدما نشر الملياردير الأميركي إيلون ماسك تغريدات حول المدفوعات بالعملات المشفرة. كذلك انخفضت أسعار المشفرات في نهاية عام 2022 في وقت كانت فيه مؤشرات السهم في البورصات تواصل الارتفاع، وكان السبب هو انهيار بعض شركات ومنصات المشفرات والقضايا التي أحاطت بتلك الانهيارات.
التفسير الثاني هو الذي يربط بين العملات المشفرة والذهب، ويعتبر أن "بيتكوين" بمثابة "ذهب رقمي"، وفي النهاية هناك محدودية عرض في السوق من الاثنين، فعدد "بيتكوين" له سقف محدد لا يزيد عليه، وكذلك كمية الذهب محدودة بما هو متوفر منه في الأرض لتعدينه، وربما من هنا جاء تعبير "التعدين" لعمليات تكوين "بيتكوين" عبر أجهزة كمبيوتر عملاقة تستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتعمل على شبكة "بلوكتشين" للحصول على عدد قليل من العملات، كما أن الاثنين لا يوفران عائداً على شرائهما مثل الأسهم والسندات وغيرها. وإن كانت نظرية الذهب هذه تعرضت للشك في عامي 2021 و2022، حين ارتفعت معدلات التضخم بشدة وهوى سعر "بيتكوين"، إلا أن العملة المشفرة عادت مرة أخرى الآن للتحرك بالتوازي مع سعر الذهب الآخذ في الارتفاع.
على الأرجح أن كلا التفسيرين له تأثير في مسار قيمة "بيتكوين" في الفترة المقبلة، إذ يتوقع على نطاق واسع أن يستمر سعر العملة المشفرة في الارتفاع، بخاصة أن "بيتكوين" ستشهد عملية خفض العائد من عمليات "التعدين" إلى النصف للحفاظ على سقف المطروح النهائي منها عند 21 مليون عملة، وتفادياً للتضخم في سوقها.
ومع استمرار إقبال المستثمرين على الشراء عبر صناديق التداول لمسجلة الآن في البورصة، وربما زيادة عدد هذه الصناديق، ستصبح العملة المشفرة أكثر فأكثر عبارة عن أصل استثماري رقمي متداول، وفي إطار تنويع المتعاملين وصناديق الاستثمار لمحافظهم الاستثمارية ستدخل أكثر فأكثر في النظام المالي الرسمي كأصل استثماري رقمي، وهكذا يمكن أن تصبح التذبذبات في قيمتها أقل حدة مما كان من قبل، حتى مع استمرار ارتفاع سعرها.